تحت شعار “التسامح في ظل الثقافات المتعددة: تحقيق المنافع الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية وصولا إلى عالم متسامح”، انطلقت الأربعاء بدولة الإمارات العربية المتحدة الدورة الثانية من القمة العالمية للتسامح التي ينظّمها المعهد الدولي للتسامح في دبي. وتسعى القمة إلى التركيز على كيفية تعزيز مبادئ التعايش السلمي والاحترام المتبادل وتقبل الآخر وتفهمه وحفظ الكرامة الإنسانية وتحقيق الصداقة بين البشر على تنوع واختلاف أديانهم ومعتقداتهم وثقافاتهم ولغاتهم. واللافت في هذا الحدث أن التعامل الواقعي مع فكرة التسامح، حيث يتركّز الحديث عن الممارسات اليومية ويتناول القضايا الحياتية المختلفة في مجالات عدة من تعليم وبيئة عمل ودور القيادات الحكومية والدينية، والعلاقات اليومية بين جميع فئات المجتمع. وتشهد القمة حضور 3762 مشاركا من 121 بلدا، من بينهم 40 شخصية رفيعة المستوى، و70 متحدثا رسميا. ويحتوي البرنامج العام على تسع فعاليات كبرى حول أربعة محاور رئيسية، إلى جانب معرض حكومي عن التسامح تشارك فيه 35 جهة ذات صلة. ومن بين الضيوف القمة رستم نورجاليفيتش مينيخانوف رئيس جمهورية تتارستان، ومارا كريستينا جابريلي عضو مجلس الشيوخ الاتحادي في البرازيل والدكتورة لوسي جانيت بيرموديز رئيس مجلس دولة كولومبيا إلى جانب حشد من كبار المسؤولين والمتخصصين والمؤثرين الاجتماعيين وممثلي السلك الدبلوماسي والجهات الدولية والمؤسسات المحلية والتعليمية. وتختتم القمة أعمالها بالتزامن مع اليوم العالمي للتسامح الذي دعت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة إلى الاحتفال به في 16 نوفمبر من كل عام، من خلال القيام بأنشطة ملائمة توجه نحو كل من المؤسسات التعليمية وعامة الجمهور. ومن أهداف القمة إقامة حوارات وشراكات محلية وإقليمية ودولية، لدعم هدف دولة الإمارات العربية المتحدة لتكون العاصمة العالمية للتسامح، ومنصة تنشر منها هذه المبادئ السامية في عصر تسود فيه الصراعات، وتنتشر فيه مظاهر الانغلاق ورفض الآخر. تعتبر الإمارات أن نشر قيم التسامح تعتمد أساسا على المنظومة التعليمية وتعزيز الثقافة والفنون، باعتبارها وسائل تنشئة وبناء شخصيات وعقليات أجيال المستقبل، وهي ما يجب الاستثمار وزرع المبادئ فيها من البداية. وفي ما يتعلق بالحاضر، يمكن تقليص حالة العنف والتطرف وغياب التسامح التي تشهدها المجتمعات من منح الجميع فرص عمل متساوية وتعزيز قيم العدل والمساواة وإشراك وسائل الإعلام والفنون والدراما ومختلف منصات التواصل، لتعزيز مفاهيم وقيم التسامح، بداية من داخل الأسرة وصولا إلى المجتمع بأكمله. وجاء في إعلان المبادئ، الذي اعتمدته اليونسكو في العام 1995، أن “التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا”. وتشجيعا لتطبيق هذه المبادئ خصصت جائزة اليونسكوـ مادانجيت سنغ لتعزيز التسامح واللاعنف. وتقدم الجائزة كمكافأة لأشخاص أو مؤسسات أو منظمات تميزوا بقيامهم بمبادرات جديرة بالتقدير بوجه خاص، على مدار عدة سنوات، ترمي إلى تعزيز التفاهم وتسوية المشكلات الدولية أو الوطنية بروح من التسامح واللاعنف. وأنشئت هذه الجائزة سنة 1995 بمناسبة ذكرى مرور مئة وخمسة وعشرين عاما على ميلاد المهاتما غاندي. وفي هذا العام أيضا اعتمدت الدول الأعضاء في اليونسكو إعلان المبادئ بشأن التسامح. وقد اُستلهم إنشاء الجائزة من المثل العليا الواردة في الميثاق التأسيسي لليونسكو الذي ينص على أنه “من المحتم أن يقوم السلام على أساس من التضامن الفكري والمعنوي بين بني البشر”. أما التسامح فإنه يتمثل في التسليم بالحقوق العالمية للإنسان وبالحريات الأساسية للغير. وتتميز الشعوب، طبعا، بتنوعها؛ والتسامح هو وحده الذي يضمن بقاء المجتمعات الممتزجة في كل منطقة من مناطق العالم. وسيرا على ذات النهج الداعم لبناء السلام، أعلنت الإمارات العام 2019 عاما للتسامح. وخصصت وزارة للتسامح إلى جانب مراكز متخصصة في البحوث والدراسات ومنصات إعلامية وفكرية وثقافية، وتظاهرات متعددة للتعريف بالتسامح كقيمة حضارية أساسية في القبول بالآخر والتفاعل معه لما يخدم الإنسانية جمعاء. وأكد حمد الشيخ بن أحمد الشيباني، العضو المنتدب للمعهد الدولي للتسامح، أن قيمة التسامح تتبناها دولة الإمارات قولا وفعلا وترى أنها أساس السلام والتنمية والاستقرار وهي ليست قيمة طارئة على تاريخها وإنما لها جذورها الراسخة والعميقة، وهذا ما يكسبها الاستمرارية والثبات في السياسة الإماراتية من ناحية، ويجعلها قاسما مشتركا بين القيادة والشعب من ناحية أخرى. وقال الشيباني إن القمة محطة هامة للتلاقي والتباحث والخروج بأفكار موحدة لتعزيز حماية المجتمعات وتحصين فئاتها لاسيما الشباب، مشددا على أن الأسرة والمؤسسة التعليمية تعتبران من أبرز مفاتيح بناء ثقافة التعايش والتسامح. ولفت إلى أهمية انعقاد القمة العالمية للتسامح في دولة الإمارات حيث تعيش جنسيات وأعراق مختلفة، آملا أن تشكل القمة في نسختها الثانية فرصة للمتخصصين ورجال الفكر والقانون وأصحاب القرار لإيجاد قاعدة للحوار البناء والتفاهم بين الشعوب. وأبرز الشيباني أن الرسالة التي تحملها القمة نابعة من نهج دولة الإمارات العربية المتحدة ودستورها القائم على التسامح، وأن المحاور والجلسات وورش العمل، ستسعى إلى تأكيد أهمية التقارب بين الشعوب والحضارات، والتركيز على القيم الإنسانية المشتركة بما ينمي روح المحبة والتعايش السلمي. ويشكل الحدث منصة رائدة أمام الحضور لبحث سبل ترسيخ وحدة الإنسانية في إطار تنوعها واختلافها الذي يشكل مصدر قوتها وكيفية مجابهة التحديات وغرس ثقافة الحوار بكل الوسائل الممكنة ومساندة كافة الجهود العالمية من أجل تكريس قيمة الحوار الحضاري خدمة للبشرية. وتتضمّن القمة جلسات وورش عمل ومعرضا حكوميا للتسامح ومشاريع طلابية للتسامح ومجالس متخصصة ومكتبة رقمية ومعرضا فنيا وفوتوغرافيا وقناة يوتيوب التسامح. وتناقش الجلسات موضوعات مهمة أبرزها المساواة بين الجنسين وغرس السلام المجتمعي والوئام داخل المجتمعات والتسامح والاستدامة وتطوير استراتيجية الأعمال الشاملة، وبحث قضايا الشباب والمرأة وأصحاب الهمم ودور الإعلام في نشر رسالة التسامح لتشمل أربعة محاور رئيسية هي: المحور المجتمعي والمحور الاقتصادي والمحور الإعلامي والمحور الثقافي، فيما سيشارك بالجلسات متحدثون من دول مختلفة، بالإضافة إلى استخدام أسلوب محاضرات تيد. وتشهد القمة ميزة فريدة حيث يتم إجراء المقابلات بشكل دوري مع المقيمين للاستماع إلى آرائهم حول التسامح والتعايش، كما يتم عرض الحدث في بث حي ومباشر على قناة اليوتيوب الرسمية للقمة العالمية للتسامح، مما يتيح للجميع إمكانية التفاعل والمشاركة من خلال إرسال استفساراتهم للمتحدثين والمشاركين. وتوفر القمة منصة مفتوحة للقادة لإجراء حوار مفتوح ومناقشات لتعزيز التعاون والتفاهم بشكل أكبر لتحقيق عالم متسامح. كما تخصص مجالا رحبا لعرض أشكال التسامح وصوره المختلفة في المجتمع من خلال أعمال فنية يقدّمها فنانون ومصورون من جميع أنحاء العالم لإبراز مهاراتهم والمنافسة على جائزة أفضل صورة فوتوغرافية وفيلم، بالإضافة إلى تسليط الضوء على أعمالهم في وسائل التواصل الاجتماعي ووكالات الأنباء. وتوفّر مكتبة التسامح إمكانية الوصول إلى مجموعة واسعة من الكتب المتعلقة بالتسامح من جميع أنحاء العالم، تمكن القراء من الحصول على منظور عالمي واسع النطاق، إضافة إلى توفير منصة مثالية لكافة الجامعات والمدارس والمؤسسات والمراكز التعليمية بهدف عرض مشاريع طلابها وتسليط الضوء على جهودهم ووجهات نظرهم حول التسامح، إلى جانب التعرّف على أدوار وجهود المؤسسات التعليمية في دمج أسس التسامح مع برامجها ومناهجها الأكاديمية، وخوض حوارات تفاعلية تناقش موضوعات هامة أبرزها أصحاب الهمم وبث التسامح بين الحكومات حول العالم. كما تسلّط الضوء على مساهمة المرأة والأسرة والدور الهام الذي يلعبه الطلبة والشباب في ترسيخ قيم التسامح في المجتمع.
مشاركة :