ارتفعت أسعار النفط أمس بعد تراجع مفاجئ في المخزونات الأمريكية، ودعم إضافي من تصريحات مسؤول في "أوبك" عن نمو دون المتوقع لإنتاج النفط الصخري بالولايات المتحدة في 2020. وحد من المكاسب إشارات متباينة بخصوص الطلب على النفط في الصين، أكبر مستورد للخام في العالم، حيث زاد الناتج الصناعي أبطأ من المتوقع في تشرين الأول (أكتوبر)، لكن استهلاك المصافي من الخام سجل ثاني أعلى مستوى له على الإطلاق. وبحسب "رويترز"، صعدت العقود الآجلة لبرنت مرتفعة 61 سنتا بما يعادل 0.99 في المائة إلى 62.98 دولار للبرميل، في حين زاد الخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط 39 سنتا أو 0.7 في المائة ليصل إلى 57.51 دولار للبرميل. وقال محمد باركيندو، الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" إنه من المرجح خفض توقعات المعروض في 2020، ولا سيما من النفط الصخري الأمريكي، مضيفا أن بعض شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة لا تتوقع نمو الإنتاج أكثر من نحو 300 إلى 400 ألف برميل يوميا. ويعتقد هوي لي، الاقتصادي لدى بنك "أو.ٍسي.بي.سي" في سنغافورة، أنه "في حين دعمت تصريحات باركيندو الأسعار، فإنه لا توجد طريقة واضحة يمكن لـ"أوبك" أن تتوقع بها إنتاج النفط خارج دول المنظمة". ولا يتوقع هوي لي، تغيرات كبيرة في المعروض ولذا ستظل الأسعار داخل النطاق ذاته، الذي لازمته منذ مطلع الشهر الجاري. وأفاد معهد البترول الأمريكي أول أمس أن مخزونات الخام تراجعت على غير المتوقع 541 ألف برميل في الأسبوع المنتهي في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر)، بينما توقع المحللون زيادتها 1.6 مليون برميل يوميا، بينما ارتفعت مخزونات البنزين ونواتج التقطير. ويرى مختصون أن الطلب على النفط سيستمر في النمو رغم ضغوط المجتمع الدولي نحو مكافحة تغير المناخ، لافتين إلى ضرورة الاستمرار في تعزيز ودعم الاستثمارات في النفط والغاز، لأن العالم يحتاج إلى مزيد من موارد الطاقة، سواء الأحفورية أو الجديدة، وهو ما يتطلب ضخ كثير من مشاريع النفط والغاز طويلة الأجل. فى هذا الإطار، يقول لـ"الاقتصادية"، مفيد ماندرا، نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة، إن الطلب على النفط سيرتفع تدريجيا، على الرغم من الضغوط الحالية، التي تكبح النمو، بخاصة الحرب التجارية وضغوط مكافحة التغير المناخي، إلا أن النمو السكاني العالمي وتسارع جهود التنمية سيفرضان الحاجة إلى مزيد من النفط خلال الأعوام المقبلة، وهو ما أكدته وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الأخير. وأضاف ماندرا، أنه رغم تقلبات السوق وتحديات الصناعة في المرحلة الراهنة، إلا أن هناك توقعات بتزايد الطلب على الوقود الأحفوري وهو ما يبرر زيادة الاستثمارات في العرض، ما يجعل تغيير نظام الطاقة أكثر صعوبة، منوها إلى التقارير الدولية، التي تؤكد أيضا نمو الطاقة المتجددة بسرعة وزيادة حصتها بشكل متزايد في جميع الاستثمارات الجديدة، وتأكيدات وكالة الطاقة الدولية بأن الطاقة الشمسية ستصبح أكبر مصدر منفرد للطاقة الكهربائية المركبة بحلول 2040. من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، جوران جيراس، مساعد مدير بنك "زد إيه إف" في كرواتيا، أن الطلب النفطي سيستمر بالنمو خلال الأعوام المقبلة حتى لو تباطأت وتيرته نسبيا، لافتا إلى توقعات وكالة الطاقة الدولية، التي تشير إلى أن الطلب سينمو بمعدل مليون برميل يوميا خلال عام 2025. ويعد جيراس، أن تعزيز الاستثمارات النفطية ضرورة، مضيفا أنها ستجد بيئة سعرية ملائمة على الرغم من الضغوط الهبوطية للأسعار، منوها إلى أن تقديرات الوكالة الدولية تشير إلى أن الأسعار سترتفع إلى نحو 90 دولارا للبرميل بحلول 2030، على الرغم من التباطؤ التدريجي للطلب، وهو ما يؤكد بقاء الدور المحوري للنفط. من ناحيته، قال لـ"الاقتصادية"، دان بوسكا، كبير محللي بنك "يوني كريديت" الدولي، إن الإنتاج الأمريكي يواصل إسهاماته الرئيسة في المعروض العالمي بسبب وتيرة الإمدادات السريعة، مضيفا أنه على الرغم من تباطؤ أنشطة الحفر إلا أنه يتم تعويضها برفع الكفاءة والتكنولوجيا المتطورة المعززة لمستويات الإنتاج، لافتا إلى أن أحدث الإحصائيات تظهر أن الولايات المتحدة ستمثل 85 في المائة من إجمالي زيادة الإمدادات العالمية خلال العقد المقبل. وأشار بوسكا إلى أن السوق بحاجة إلى تعافي أسعار النفط لتعزيز استمرارية وتنافسية الصناعة، موضحا أن الأسعار المرتفعة ستفيد ليس فقط أوبك، بل منتجي الولايات المتحدة أيضا، ولذا على الأرجح سيستمر المنتجون في دعم خطة تقليص المعروض من خلال تعميق تخفيضات الإمدادات. بدورها، ترى نينا أنيجبوجو، المحللة الروسية والمختصة في التحكيم الاقتصادي، أن المعنيين في سوق النفط قلقون من إطالة أمد الحرب التجارية، التي ستقوض الاقتصادات والتجارة ونمو الطلب النفطي وتحد من أي مكاسب كبيرة في الأسعار، وهو ما جعل "أوبك" تصف الحرب التجارية بأنها الغمامة، التي تثقل كاهل الاقتصاد العالمي. وأضافت لـ"الاقتصادية"، أن تحالف المنتجين في "أوبك+" يدخل الاجتماع المقبل وسط أجواء متوترة في السوق والصناعة، وبحسب تأكيدات الأمين العام، فإن الشركاء في الصفقة سيواصلون العمل معا في مواجهة شكوك الأسواق، مشيرة إلى أن تعثر مفاوضات التجارة ليس جديدا عليها، حيث تشهد صعودا وهبوطا متلاحقا، ولكن تبقى الآمال معلقة على إمكانية التوصل إلى اتفاق تجاري وشيك بين واشنطن وبكين.
مشاركة :