مارست الولايات المتحدة ضغوطا على الدول المشاركة في التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية للموافقة على استقبال مواطنيها المرحّلين من مقاتلي التنظيم، لكن رغم الإجماع على خطورة المشكلة، لا تزال هناك خلافات بشأن الأمر. واجتمع وزراء خارجية الدول الأعضاء في التحالف العالمي ضد الدولة الإسلامية في واشنطن لمناقشة الخطوة المقبلة في مواجهة التنظيم المتشدّد الذي قُتل زعيمه أبوبكر البغدادي الشهر الماضي في غارة أميركية شمال غرب سوريا. وخسر تنظيم الدولة الإسلامية كل الأراضي تقريبا التي سيطر عليها في سوريا والعراق لكنه ما زال يشكّل تهديدا أمنيا في سوريا وخارجها. وما زال نحو عشرة آلاف من أعضاء التنظيم وعشرات الآلاف من أفراد أسرهم محتجزين في مخيمات في شمال شرق سوريا تحرسها قوات كردية سورية متحالفة مع الولايات المتحدة. وقال ناثان سيلز المنسق الأميركي لمكافحة الإرهاب في إفادة صحافية في وزارة الخارجية الأميركية “يجب ألّا يتوقع أحد أن تحل الولايات المتحدة أو أي طرف آخر تلك المشكلة نيابة عنهم… لدينا جميعا مسؤولية مشتركة لضمان عدم تمكن مقاتلي داعش من العودة إلى ميدان المعركة ولمنع داعش من إلهام جيل تال من الإرهابيين أو دفعهم نحو التطرف”. وتريد الولايات المتحدة عودة المقاتلين المتشدّدين إلى دولهم للمثول للمحاكمة أو إعادة التأهيل، لكن أوروبا لا تريد أن تحاكم مواطنيها الأعضاء بالدولة الإسلامية على أراضيها بسبب صعوبات جمع الأدلة التي تدينهم وخشيتها من خطر شنّهم هجمات على أراضيها. وحذر سيلز الدول من سيولة الوضع في سوريا بما يعني احتمال فرار مقاتلي الدولة الإسلامية الذين تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية وقال “إنها سوريا. كلنا نعلم أن الأمور هناك قد تتغير في طرفة عين”. وتابع بالقول “كان ثمة بعض الاختلاف في الرأي حول ما إذا كان ينبغي إعادتهم إلى أوطانهم أو ما إذا كان ينبغي أن تنظر الدول في المسألة وتفكر أكثر في تفاصيلها. ولكن بغضّ النظر عن هذه المسألة، يعترف الجميع أن هذه مشكلة كبيرة وبخاصة إذا أصبح الوضع في الشمال الشرقي أكثر تعقيدا أو أقل أمانا من الآن”. وفي تصريحات للصحافيين بعد الاجتماع، كرّر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان موقف بلاده بأن المقاتلين “يجب إحالتهم للعدالة بأقرب ما يمكن بسبب الجرائم التي اقترفوها” في إشارة إلى عدم الرغبة في إعادتهم إلى بلادهم. وذكرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن السلطات الألمانية ستضمن ألا يشكل الإسلاميون وأنصار تنظيم داعش المشتبه بهم، الذين ترحلهم تركيا حاليا إلى ألمانيا، أي خطر. وقالت ميركل في برلين، الجمعة، إن هؤلاء الأفراد سيجري إدراجهم في مركز مكافحة الإرهاب المشترك بين السلطات الاتحادية والولايات وإخضاعهم لتقييم أمني، وأضافت “سيُجرى بناء على ذلك بالطبع ضمان ألّا يشكل هؤلاء الأفراد خطرا”. وأشارت ميركل إلى أن هذه هي نفس الإجراءات المتبعة أيضا مع الأفراد المقيمين هنا، موضحة أنه يتم تطبيق الآلية الاعتيادية عند رصد أي مخاطر أمنية. وكانت أنقرة رحّلت الخميس، إلى ألمانيا أسرة ألمانية-عراقية من سبعة أفراد. وتُحسب هذه الأسرة على الأوساط السلفية في مدينة هيلدسهايم الألمانية، ووصفتهم وزارة الداخلية التركية بأنهم “مقاتلون إرهابيون أجانب”. وهذه المرة الأولى التي يعود فيها إسلاميون مسلحون ألمان إلى موطنهم بهذه الطريقة، حيث عاد عشرات من أنصار داعش الألمان خلال الأعوام الماضية بطرقهم الخاصة، وتمت محاكمة الكثير منهم بعد ذلك. ولا يوجد في ألمانيا أوامر اعتقال ضد أفراد هذه الأسرة بتهمة ممارسة أنشطة إسلامية متطرفة. ويقبع أحد أفراد الأسرة (55 عاما) حاليا في السجن الاحتياطي للاشتباه في التحايل. وقال الممثل الأميركي الخاص لسوريا جيم جيفري إنه يوجد “خلاف في الرأي” بين الدول الأعضاء في التحالف الذي يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية يتعلق بما إذا كان ينبغي للدول الأصلية لمسلحي التنظيم استلام مواطنيها المحتجزين. وأضاف جيفري في مؤتمر صحافي على هامش اجتماع أعضاء التحالف في واشنطن “يوجد خلاف في الرأي بشأن ما إذا كان ينبغي تسليمهم أم ستبحث تلك الدول أمرا ما وتدرسه بمزيد من التفصيل. لكن جرى الإقرار بأن هذه مشكلة كبرى”. وحث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الدول الأعضاء في التحالف الذي يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية على استعادة المتشدّدين الأجانب وتعزيز التمويل للمساعدة في إعادة بناء البنية التحتية في العراق وسوريا التي تضررت بشدة بسبب الصراع المستمر منذ 2014. وقال بومبيو في كلمة ألقاها خلال افتتاح اجتماع لوزراء خارجية الدول الأعضاء في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “يتعين على أعضاء التحالف استعادة آلاف المقاتلين الإرهابيين الأجانب المحتجزين ومحاسبتهم على الأعمال الوحشية التي ارتكبوها”. وكان مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية قال منذ أيام إن وجود نحو عشرة آلاف من مقاتلي تنظيم داعش وعائلاتهم في مخيمات بشمال شرق سوريا يمثل تهديدا أمنيا كبيراً، حتى وإن كانت قوات سوريا الديمقراطية قادرة تماماً على تأمينهم. ونقلت وكالة رويترز عن المسؤول الأميركي، الذي لم تسمه، قوله للصحافيين، “إن هذا ليس وضعاً آمناً، إنه قنبلة موقوته أن يكون لديك الجزء الأكبر من 10 آلاف محتجز كثير منهم مقاتلون أجانب”. ودعا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منتصف الشهر الماضي، الدول الأوروبية لاستعادة مواطنيها المنتسبين لتنظيم داعش، الذين جرى اعتقالهم واحتجازهم في سجون بسوريا. وكانت القوات الكردية أعلنت في مارس الماضي القضاء على التنظيم بعد تجريده من مناطق سيطرته في بلدة الباغوز في ريف دير الزور، إثر معارك بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وتحتجز قوات سوريا الديمقراطية آلاف المعتقلين من مقاتلي داعش في سجونها شمال شرقي سوريا، إضافة إلى عائلاتهم في مخيم الهول شرقي الحسكة، والذي يضم نحو 71 ألف شخص من جنسيات مختلفة من عائلات التنظيم.
مشاركة :