وحدة المغرب العربي في مجلة الفكر للوزير مزالي

  • 11/16/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ظهرت مجلة «الفكر» التونسية أول ما ظهرت على يد مؤسسها ومديرها الوزير الأول الأسبق الأستاذ محمد مزالي أكتوبر عام 1955م، واستمر صدورها 31 عامًا، أي: إلى 1986م. وفي أحد الموضوعات المهمة والإشكالية ينشر مؤسس المجلة محمد مزالي فيها مقالًا بعنوان: «الأسس الفكرية والاقتصادية لوحدة المغرب العربي»، وهو نص محاضرة ألقاها في افتتاح الموسم الثقافي لجامعة الدول العربية يوم 6 مارس 1981م بقصر المؤتمرات بتونس، وهو فصل طويل من 17 صفحة، يذكر فيه أن فكرة وحدة المغرب العربي في الأربعينيات والخمسينيات كانت تجسيمًا لوحدة الحركات التحريرية الثلاث ضد الاستعمار الفرنسي، وتحدّث فيه عن مساعي روما منذ القدم إلى تأليب الممالك البربرية على قرطاج، وأنها قصَمت الشمال الإفريقي وجزّأته وابتزّت خيراته، ووصف الفتح الإسلامي بأنه كان «الفرصة الوحيدة التي أتيحت لهذه الأرض المغربية لتتّحد في الجهاد أولًا، ثم في بناء الكيان الإسلامي في دول عديدة يجمعها نمط من الاقتصاد واحد، وضرب من الحياة الاجتماعية واحد، وأسلوب واحد في الثقافة دينًا ولغة وفكرًا وأدبًا». ثم تطرّق إلى وحدة الدولة في عهد الموحدين، ثم الحفصيّين، ثم إلى التشتت مرة أخرى والوقوع تحت ضربات القوى الصليبية من جهة وعنفوان الدولة التركية من جهة أخرى، ثم دخول الاستعمار الفرنسي المغرب العربي. وصولًا إلى العصر الحالي ونضال شعوب المغرب العربي، مؤكدًا أن هذا العصر هو عصر الأحلاف، وأهمية ترابط الشعوب المغربية لا تأتي من أجل المصالح الاقتصادية ولا التواثق العسكري للدفاع عن الحرمة فحسب، بل من أجل تلك الشعوب المتآلفة المتقاربة، والمتناسقة في المشارب الثقافية، والمتشابهة في أسلوب العيش. ويستدرك بأنه يعلم أن المشوار طويل وصعب، ولا سبيل إلى بلوغ الغاية إلا التضامن والتناصر والمؤازرة والوضوح، معتمدًا على أن الشعوب المغربية مؤمنة بحتمية المصير المغربي المشترك، وأن التضامن المغربي في صف الجماهير المغربية حقيقة اجتماعية كامنة حية. وفي مقالة بعنوان: «الغد نحن نصنعه، لا ننتظره» يفزع مزالي إلى موضوع مأساوي، يتفجع فيه على مأساة الانتحار الجماعي التي خططها ودبرها ونفذها في أدغال «غويانا» يوم 18 نوفمبر 1978م رجل يدعى جيم جونز، وذهب ضحيتها 914 أميريكيًا وأمريكية من الكهول والشبان والأطفال، بيضًا وسودًا، ويصفه فيه بأنه «مشعوذ فاسق»، ويتعجب: «كيف تحدث مثل هذه الكارثة في الربع الأخير من القرن العشرين، وفي الولايات المتحدة بالذات»، في المجتمع الموصوف بالرخاء والتقدم التكنولوجي! ويعبر عن استنكاره مشهد أكثر من 900 نفس «يترشفون بدون سبب ظاهر، حساء الساعة الحادية عشرة القاضي ويقتتلون بالرشاشات. رجال ونساء وأطفال وسط الأدغال حيث تتعفن جثثهم المتراكمة»، وفيه يتساءل عن الأسباب التي أدت بالمجتمع الأميركي وعدد من الدول الأوروبية إلى إفراز هذا الرهط من الملل والنحل، وإلى السماح لهذه البدع الدينية بالانتشار والقيام بنشاطها الشاذ وسلوكها المعتوه. ويذكر أن تحاليل علماء الاجتماع في الغرب تكاد تجمع على أن هؤلاء الضحايا «ينتدبون من بين التائهين المحرومين رغم ما توفر لهم من نعمة مادية ورخاء عيش»، ويشبههم بضحايا الحشاشين الذين تلاعب بهم الحسن بن الصباح. ثم ينتقل إلى الجيل الجديد، ودور المربين ومسؤوليتهم عنه، من أجل تحصينه من الانحدار إلى الحيوانية والشهوانية والطقوس الشعوذية، وهنا يتوقف ليقول: «إن في استيراد حضارة الغرب جملة ودون تمييز استيرادًا لهمومه وضياعه وبؤسه الفلسفي»، و»إن التقدم العلمي والسيطرة التكنولوجية والتفوق الصناعي – وإن كانت ضرورية كلها – فهي لا تكفي وحدها لضمان سعادة الإنسان، ولو كان ذلك صحيحًا لما حدث ما يحدث يوميًا في كل بلاد الغرب من مآسٍ وفجائع»، و»إن العقلية الخرافية وجدت في الماضي، وهي موجودة اليوم، وتعايشت معها العقلية العلمية والوضعية في كل زمان ومكان، فلا تفوق لأمة على أمة في هذا المضمار، فلكل منها، متقدمة كانت أو متخلفة، دراويشها، وأسوياؤها، سفهاؤها وعقلاؤها»، و»إن الدين الإسلامي دين العقل والعقيدة معًا، وقد نهى عن البدع ومجّد العقل، وحرّض على الاجتهاد، وليس هو مسؤولًا عن الدجالين الذين يتظاهرون به ويدّعون الانتساب إليه»... إلى آخر كلامه في هذه المقالة المميزة بصدقها وأصالتها، وبعمقها الفلسفي، وبُعدها الإنساني النبيل. *باحث وروائي مزالي في لقاء صحافي القس جيم جونز عرّاب أكبر انتحار جماعي في التاريخ

مشاركة :