غداة مرور شهر على انتفاضة اللبنانيين في وجه السلطة السياسية، وبعد ترنح ورقة ترشيح الوزير السابق محمد الصفدي لتولي رئاسة الحكومة، بدا من الاتصالات المتعلقة بالأزمة الحكومية أن لبنان دخل في مرحلة غير مسبوقة، بخيارات مجهولة. والتوصيف الموضوعي، لما آل إليه المشهد الداخلي، أنه تراجع عشرات الخطوات إلى ما دون نقطة الصفر. فالشارع على منحاه التصعيدي، الذي بدأه قبل شهر من الآن، والمفاوضات الجارية على المسار الحكومي سقطت في محظور التسميات الخلافية، ضمن لعبة سياسية يُمارس فيها تقاذف مريب لكرة العرقلة والتفشيل بين الجبهات السياسية. ولعل المفارقة الأكثر إثارة للتوقف عندها، في التطورات التي شهدتها البلاد في الساعات الأخيرة، تمثلت في تزامن مرور الذكرى الشهرية الأولى لانطلاق انتفاضة 17 أكتوبر الاحتجاجية الشعبية وأوسع انفجار سياسي حصل منذ انطلاقها، وذلك غداة تسرب اسم الصفدي مرشحاً لتأليف الحكومة الجديدة. مع الإشارة إلى أن هذه الانتفاضة لا تزال ماضية في تصعيد تحركاتها من أجل تحقيقها، وفي مقدمها إجراء الاستشارات النيابية الملزِمة لتكليف شخصية تأليف حكومة جديدة مستقلة، من اختصاصيين من خارج النادي السياسي. وهكذا، بدا مجمل المشهد المأزوم كأنه عاد إلى نقطة البدايات والمربع الأول من الأزمة، في ظل انعدام أي تصورات للمعالجات التي ستسلكها المشاورات في صدد الاتفاق مجدداً على موجبات التكليف والتأليف، فيما عادت تزكية اسم الرئيس سعد الحريري، كونه مرشحاً لا منازع له من الباب العريض، مع مبادرة ثلاثي رؤساء الحكومة السابقين فؤاد السنيورة- نجيب ميقاتي- تمام سلام إلى التمسك بترشيحه. أجواء التكليف في السياسة، لا موعد محدداً بعد للاستشارات النيابية الملزِمة، وإن كانت أجواء القصر الجمهوري أوحت باستعدادات رئاسية لتحديد هذا الموعد في القريب العاجل، ولعل المناخات السلبية التي سادت في الساعات الأخيرة، على أثر طرح اسم الصفدي لرئاسة الحكومة الجديدة، وما رافق ذلك من انعكاسات في الشارع وتحركات اعتراضية عليه من قبل الحراك الشعبي في أكثر من منطقة، هي التي فرضت التريث في تحديد موعد الاستشارات، علماً بأن بعض القوى السياسية المعنية بالملف الحكومي كانت قد وُضِعت في أجواء أن انطلاق الاستشارات الملزِمة سيبدأ غداً الاثنين. وأياً كانت الصيغة التي ستنتهي إليها المشاورات الجارية لتسهيل العبور إلى الاستحقاقات الدستورية التي تواكب ولادة الحكومة العتيدة، بات واضحاً أن رئاسة الجمهورية ترغب بإعطاء الرئيس سعد الحريري ما يشبه «الفرصة الأخيرة» للعودة إلى رئاسة الحكومة، وهي تؤخر موعد الاستشارات النيابية الملزِمة إلى الساعات المقبلة، عله يحسم خياره في اتجاه هذه العودة. والفرصة الممنوحة للحريري مرتبطة إلى حد بعيد بتراجعه عن إصراره على حكومة التكنوقراط وقبوله بترؤس حكومة تكنو- سياسية مختلطة، كما يريدها الثنائي الشيعي («حزب الله» وحركة «أمل») والتيار الوطني الحر،لا تقل مشاركة الاختصاصيين فيها عن الثلثين، ليبقى الثلث من السياسيين. وكان التفاوض مع الرئيس الحريري حول الاستحقاق الحكومي، تكليفاً وتأليفاً، أفضى إلى عزوف الحريري عن العودة إلى رئاسة الحكومة وتسميته الصفدي «خياراً قوياً» لتأليف الحكومة، وذلك بما يشبه «التسوية السياسية» التي قضت بالاتفاق على ترشيح الصفدي لرئاسة الحكومة، بدعم «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» وتيار «المستقبل». وفي المعلومات التي توافرت لـ«البيان»، أتت موافقة الحريري على تسمية الصفدي مكبلة ومشروطة، ذلك أنه لم يتعهد المشاركة في الحكومة ولم يوافق على الصيغة «التكنو- سياسية». أما بيان الرؤساء السنيورة وميقاتي وسلام، فتميز بإعادة تزكيته لترشيح الحريري، الأمر الذي اكتسب دلالات سياسية بارزة، فيما هو ما زال غير قابل بالعودة إلى حكومة شبيهة بالحكومة المستقيلة، بل إلى حكومة بلا سياسيين. وعزت مصادر مطلعة لـ«البيان» تسريب رفض الحريري المشاركة في الحكومة المرتقبة إلى ما طُرِح من صيغة حكومية من 24 وزيراً، تضم وجوهاً سياسية بارزة، بعدما كان الاتفاق ألا يكون في الحكومة أي شخصيات سياسية نافرة أو مستفِزة. من جهتها، أكدت مصادر مقربة من الصفدي لـ«البيان» أن لا كلام يسبق الاستشارات النيابية الملزِمة، احتراماً للدستور ولموقع رئاسة الحكومة، ولمحت إلى موافقته على تولي رئاسة الحكومة، في حال حظي اسمه بموافقة القوى السياسية الأساسية المشاركة في الحكومة، في حين أكدت مصادر متابعة لـ«البيان» أن الكتل النيابية تستطيع أن تسمي الصفدي لرئاسة الحكومة الجديدة، وأن يتم تكليفه، لكن الصفدي، من جهته، لن يقبل بأقل من وضع الشروط التي تسمح له بتشكيل حكومة ترضي جميع اللبنانيين، وإلا فإنه سيرفض التشكيل، لذلك، فالمطلوب اليوم الهدوء في انتظار اتضاح صورة ما يجري.طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :