«تحدي القراءة» وحاضر ومستقبل العرب

  • 11/17/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

محمود حسونة نعم، القراءة تحدٍ، وتحدٍ كبير وعظيم، في زمن تغوَّلت فيه التكنولوجيا وسلبت الإنسان إرادته وسطت على عقله وغيّبت وعيه، وحولت البعض إلى كائنات لا تُدرك للوقت قيمة ولا للحياة هدفاً، بعد أن وفرت لهم كثيراً من وسائل اللهو والتسلية التي يقضون معها معظم أعمارهم حسب دراسات عدة. القراءة تحدٍ؛ لأنها فعل أصبح يرى البعض فيه مشقة، في زمن الرفاهية القاتلة؛ مشقة ولكنها ممتعة تستلزم تركيزاً وإعمالاً لجميع الحواس، في حين أن حاسة واحدة تكفي في بدائل استهلاك الوقت الحديثة، حتى إن من يمكن تسميتهم ب«مثقفي العالم الافتراضي» يستمدون ثقافتهم من قراءة حروف التغريدات المحدودة العدد، ومن «بوستات» «فيسبوك» الذاتية جداً، ومن صور «إنستجرام» التي حولت البعض إلى عبادة الذات. الإمارات كعادتها عندما تفكر في كيفية معالجة النشء، لا تفكر في نفسها فقط؛ بل في أشقائها أيضاً، فعندما أدركت مخاطر الابتعاد عن الكتاب، وقررت استنهاض أبنائها للعودة إلى فضيلة القراءة، خصصت عام 2016 ليكون عاماً للقراءة، شاركت خلاله جميع مؤسسات وهيئات الدولة في تشجيع عادة القراءة بين الطلاب والموظفين والكبار والصغار، بمبادرة من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ثم خصصت شهر مارس سنوياً للاحتفاء بالقراءة، ثم أصدرت قانوناً وطنياً يشجع على القراءة، ويوفر للناشئة كل الأجواء التي تعيدهم إلى الكتاب وتضمن لهم العبور إلى المستقبل، مسلحين بالعلم والمعرفة وسعة الأفق، وهو ما يضمن استمرار الإمارات في الصفوف الأولى تنمية وتقدماً وتطوراً. ولأن الهم العربي هم إماراتي، والحلم الإماراتي حلم عربي، تزامن مع الإعلان عن عام القراءة الإماراتي، إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، مسابقة تحدي القراءة العربي فاتحاً الباب للتنافس بين المدارس والطلاب والمعلمين على امتداد مساحة الوطن العربي، ثم للناطقين بلغة الضاد من خارجه، على جوائز التحدي وتتويج أبطاله، على مرأى ومسمع من جميع أبناء العروبة، تشجيعاً وتحفيزاً لهم على اللحاق بركب القارئين الساعين للاستنارة. وقبل أيام كان الاحتفاء بأبطال الدورة الرابعة للتحدي الذي يمكن أن يقهر تحديات كثيرة تواجه أبناءنا، وعلى رأسها تحديات الإرهاب والفساد والطائفية والاستبداد. القراءة وحدها ولا شيء غيرها قادرة على معالجة الأمراض الخبيثة التي تنهش جسد أمتنا، والتي حولتها إلى أمة هزيلة منتهكة من القوى الإقليمية والدولية. ومناهج التعليم وحدها لا تكفي لخلق عقل قادر على التمييز بين الغث والسمين، ولو كانت كافية ما وجدنا بعض خريجي كليات قمة في عالمنا العربي، يتحولون إلى دمى في أيدي أمراء الإرهاب، يقودونهم إلى التهلكة ويجعلون منهم قنابل تنفجر في أهاليهم ومجتمعاتهم لتخلف الخراب والرعب، ويقنعونهم بأن هذا هو الطريق إلى الجنة والحور العين.القارئ الحقيقي المطلع على إنتاجات العلوم والآداب، ونظريات الفلاسفة وصفحات التاريخ، لا يقبل أن يمارس الفساد أو يتعايش مع منظومة فساد، لإدراكه بأن لكل فاسد نهاية مؤلمة، ولرفضه أن يمثل أمام محكمة التاريخ حياً أو ميتاً. ولأن القارئ دائماً ما يكون صاحب رأي وموقف، ويعي أساليب صناع الفتنة جيداً، فلن يقبل يوماً أن يكون تابعاً لأحد أمراء الحروب، يردد أقواله كالببغاء، وينفّذ تعليماته مثل فاقدي العقل والوعي الذين جعلوا من أمراء الطوائف زعماء وآلهة للفتنة والفوضى في أكثر من دولة عربية. ما أكثر التحديات التي تواجه شباب أمتنا العربية، والتي تبدأ مواجهتها وتغيير واقعهم للأفضل بالقراءة بمفهومها الكلاسيكي الذي ورثناه عن الأقدمين، حيث تربطنا علاقة وطيدة بالكلمات والكتاب، تحرض خيالنا وعقولنا على التفكير والابتكار والإبداع. نقرأ، نفكر، نتطور، نواجه، ونتحدى.. إنه الطريق الأول للنهوض بشبابنا وبحاضرنا وبالمستقبل، وهو الوسيلة المثلى لتغذية عقول الأطفال والشباب بالفكر السليم في مواجهة من يحضهم على التسلّح بالعصبية والتطرف والدعوة إلى القتل والاقتتال.. القراءة حرية في زمن تقييد النفوس بأحقاد تخدم مطامع الآخرين الذين يطلق عليهم «الغزاة» الساعون إلى السيطرة على المنطقة وإخضاعها لنفوذهم. mahmoudhassouna2020@gmail.com

مشاركة :