13.5 مليون طالب وطالبة، رقم ليس بالهين، ينتمون إلى جنسيات عربية كثيرة، باعدت بينها الجغرافيا ووحدتها دبي التي جمعت هؤلاء على حب الكتاب الذي تنافسوا على قراءته في تحدي القراءة العربي، الذي يقام تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ليحول التحدي كل واحد من هؤلاء الطلبة إلى مشروع معرفي مستقبلي، ويصنع منهم جيلاً واعياً، مثقفاً، تمكن من هزيمة اليأس، وأن يعيد إحياء الأمل في نفوسنا أجمع، بفضل إيمانهم بكلمة «أقرأ» وتأثير وقعها في النفس، وهو ما بدا أساس نجاح تحدي القراءة العربي، الذي استقطب خلال مواسمه الأربعة نحو 34 مليون طالب عربي، وأن يجعل من القراءة عادة يومية لديهم، ليسهم في إدخال الملايين في عوالم كثيرة، وأن يفتح أذهانهم وينمي ثقافتهم، ويرفع من طاقاتهم. ما إن تلتقي طلبة تحدي القراءة العربي، سواء القدامى منهم أو حتى الجدد، حتى تبهجك رشاقة لغتهم العربية، التي يتكئون عليها في أحاديثهم اليومية، متجاوزين بذلك حدود لهجاتهم المحلية، ليجدوا في العربية الفصيحة مساحة أخرى توحد ألسنتهم، وتقوي بيانهم، ليبدو ذلك أولى ثمار تحدي القراءة العربي، والذي بدأ يؤتي أكله، حيث مساحة الزرع في كل عام تزداد، وهو ما يبشرنا جميعاً بـ «الخير» الذي تولت دبي التنقيب عنه في نفوس الأجيال المقبلة. ارتقاء فكرة تحدي القراءة العربي، وسموها، ولد شعوراً لدى كل الطلبة، بأهمية الفكرة نفسها، فباتوا يتهافتون على الفوز باللقب، وتنساب دموعهم فرحاً كلما اقتربوا منه، حيث بات مشهد «سجود» الطلبة، شكراً لله، مطبوعاً في ذاكرة كل من يتابع تفاصيل التحدي، الذي استطاع أن يغير كثيراً من ذهنية الطلبة، وأن يعدل توجهاتهم، ليس الفكرية وحسب، وإنما الترفيهية أيضاً، وباتوا يفضلون قضاء أوقاتهم بصحبة الكتاب، أملاً في تطوير قدراتهم، للمساهمة في تغيير المجتمعات العربية، وتطويرها. فرحة الفوز فرحة الفوز في تحدي القراءة العربي أصبح لها مذاق خاص في المنطقة العربية، ذلك ما يمكن تلمّسه في حالة الاحتفاء التي ينالها الفائزون به، فلا يمكن تخيل فرحة أبناء مدرسة الإمام النووي للذكور، الذين هتفوا كثيراً وصفقوا للفوز بأفضل مدرسة متميزة، نالتها مدرستهم لتتفوق على 67 ألف مدرسة تنافست على اللقب. الفرح لم يغمر أبناء المدرسة وحسب، وإنما انسحب أيضاً على الأمير فيصل بن سلمان، أمير منطقة المدينة المنورة، الذي غرد على «تويتر» مهنئاً إدارة التعليم في السعودية على ما حققته مدرسة الإمام النووي من فوز، كما تجلت الفرحة أيضاً في حالة الاحتفاء التي حظي بها أحمد محمد عسيري، مدير المدرسة، من قبل الخطوط الجوية السعودية، حيث بادر كابتن الطائرة إلى تهنئة المدرسة عبر مكبرات الصوت الداخلية، مثنياً في الوقت نفسه على المدرسة التي حققت هذا الإنجاز الذي وصفه بـ«الكبير»، ليأتي استقبال وفد المدرسة لدى وصوله إلى مطار الأمير عبدالمحسن بن عبد العزيز بمحافظة ينبع، على مستوى عالٍ من المحبة والفخر. زغاريد أجواء الفرح امتدت من السعودية إلى الكويت التي احتفت هي الأخرى ببطلها الأول عبد العزيز الخالدي، حيث احتفت به الصحافة الكويتية، كما رفاقه أيضاً الذين حملوه على الأكتاف لدى وصوله إلى المطار، في وقت غرّد فيه عبد العزيز قائلاً: «سامحوني يا أهل الكويت، لم أستطع الحصول على اللقب الأغلى.. لكنه ذهب إلى كنداكة السودان، ألف مبروك هديل»، متوجهاً بالشكر إلى كل من دعموه وساندوه في رحلته نحو اللقب، قائلاً: «القادم أجمل إن شاء الله». أما بطله المغرب فاطمة الزهراء أخيار، فقد حظيت باستقبال حار لدى وصولها إلى مطار محمد الخامس، وقابلها أبناء وطنها بالزغاريد والأغاني. في أول تصريحاتها قالت فاطمة الزهراء: «أعتقد أنني مثلت بلدي بشكل مشرف، وأرجو أن تكون هذه التجربة المتمثلة في تحدي القراءة العربي، بداية عطاء لا ينضب، وتألق متجدد، وأشكر الشعب المغربي الذي ساندني في رحلتي». وأضافت: «لا أنسى أبداً أن أدعو الشباب العربي للإقبال على القراءة واتخاذها صاحباً وقريناً». الفرحة غمرت أيضاً والد فاطمة الزهراء، على ما قدمته من عطاء، واصفاً إياها بأنها «أبهرت الجميع»، قائلاً إن «القراءة والكتابة عادتها منذ الصغر، وأتوقع لها مستقبلاً زاهراً». نماذج مشرفة في موسمه الرابع الذي أقفل أبوابه، أخيراً، في حفل شهده الملايين، خلّف تحدي القراءة العربي نماذج مشرفة كثيرة، ومن بينهم اللبنانية نورهان يونس، التي ما إن تبدأ الحديث معها حتى تتلمس رشاقة لغتها، ومدى فصاحتها، وهي التي قادتها أطراف أصابعها التي أسهمت في تقليب صفحات الكتب، لأن تحط في دبي، التي وصلتها للاحتفال مع أقرانها ببطل التحدي.. تلك المشاركة كانت الأولى بالنسبة لنورهان، التي وصفتها بـ«الرائعة»، حيث قالت: «هي تجربة رائعة لقدرتها على تنمية اللغة العربية لدينا، وتطورها في نفوسنا، وتجعلها مرغوبة أكثر لدينا». وأشارت إلى أن أجمل ما في التحدي هو تشجيعه للطلبة على المطالعة التي تنمي رصيدهم اللغوي، ومن شأن ذلك المساهمة في تطوير وتنمية المجتمعات العربية. نورهان حلت في المرتبة الثانية على مستوى لبنان، واعتبرت ذلك بأنها «محطة مهمة» لها. وقالت: «أعتبر وصولي إلى المرتبة الثانية في التحدي على مستوى لبنان محطة مهمة، سأنطلق منها للمشاركة مرة أخرى في التحدي». تحدي القراءة العربي أتاح المجال أمام نورهان يونس للإبحار في عوالم الكتب. وقالت: «القراءة أصبحت لديّ عادة يومية، ولم أعد أستطيع النوم قبل أن أقرأ، وهو ما أعتبره إنجازاً لافتاً في حياتي». تجاوز الصعوبات لا يؤمن الطالب الجزائري عبد الحق ساكر بمبدأ الاستسلام للتحديات أو الصعوبات سواء تلك التي تتعلق بالوقت أو التنظيم بين الدراسة والقراءة الحرة، أو حتى التوتر الذي قد يواجه المشارك في تحدي القراءة العربي خلال مواجهة لجان التحكيم، فقد تعود في كل مرة إيجاد طريقة ما للتغلب عليها، سواء بدافع من نفسه أو بمساعدة من أهله وأصدقائه، وقال: «التحدي الأصعب بالنسبة لي كان يتمثل في الوقت، كوني شاركت بالتحدي في فترة متأخرة، وهذا كان عبارة عن مفاجأة، حيث لم أكن أعلم الكثير عن التحدي، فهذه هي المرة الأولى التي أشارك فيها بمثل هذه المسابقة، الأمر الذي حفزني على المواصلة وبذل الجهد من أجل إنجاز أكبر قدر ممكن من الكتب خلال فترة قصيرة». وأضاف: «وصولي إلى المرتبة الثانية على مستوى الجزائر كان مفاجأة بالنسبة لي، وهو شعور غمرني بالسعادة، خاصة وأنني لم أكن أتوقع أبداً الحصول عليها، ولكن بفضل مجهوداتي التي بذلتها استطعت تحقيق هذه المرتبة». وأشار عبد الحق إلى أنه سيعود مجدداً إلى التحدي، للمشاركة فيه. تجربة أولى تغيير لافت أحدثه التحدي في شخصية الطالبة الفلسطينية تولاي تامر البنا، التي تعيش في مدينة العين، واستطاعت أن تصل إلى قائمة العشرة الأوائل على مستوى الإمارات، حيث قالت: «هذه هي تجربتي الأولى في التحدي، والذي أشعر أنه أسهم كثيراً في تغيير نظرتي إلى الحياة، كما أسهم في تغيير طريقة تفكيري، بعد أن دخلت من خلاله إلى عوالم الكتب، التي أبحرت فيها كثيراً، وتعلمت منها الكثير». تولاي أكدت نيتها عدم التوقف عند هذا الحد، وأشارت إلى أنها ستعاود الكرة مرة أخرى، خلال السنوات المقبلة. وقالت: «لقد أتاح لي التحدي فرصة التعرف على الثقافات الأخرى، واكتشاف العالم من وجهة نظر ثانية، ولديّ إصرار لأن أعود للمشاركة فيه مرة ثانية، وحينها بلا شك فإن عيني ستكون على المرتبة الأولى». اختيار هدى محمود، التي حلت ثالثة على مستوى موريتانيا، لم تتمكن من إخفاء إعجابها بفكرة التحدي، وباحتضان دبي له، لا سيما وأنها المرة الأولى التي تشارك فيها هدى بالتحدي، حيث قالت: «تحدي القراءة العربي فكرة جميلة، وخلال مشاركتي في التحدي اكتشفت الكثير عن الكتب، وكيفية اختيار الأفضل منها، خاصة تلك التي تشد الانتباه إليها منذ النظرة الأولى، كما أنه أتاح لي الفرصة لأن أعيد اكتشاف الكاتب المصري نجيب محفوظ، كما تعلمت الكثير من كتاب «هكذا هزموا اليأس» للكاتبة سلوى العضيدان، وأيضاً كتاب «استمتع بحياتك» للدكتور عبد الرحمن العريفي، الذي استغرق في كتابته 20 عاماً».طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :