هل ينطلق حقا مهرجان كان "مرفوع الرأس"؟

  • 5/14/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

ينظم مهرجان كان السينمائي من 13 إلى 24 مايو/أيار. واختار المنظمون عبر فيلم "مرفوع الرأس" بداية "جدية" لمهرجان عرف بأجوائه الاحتفالية وأخبار نجومه وفضائح أفلامه. فماهي دلالات هذا الاختيار بعد الاعتداءات التي ضربت فرنسا في بداية 2015؟ يهيمن الفرنسيون على المسابقة الرسمية في مهرجان كان 2015 بخمسة أفلام من أصل 19. لكن الأضواء تبقى مسلطة على الفرنسيين حتى خارج السباق على السعفة، إذ يفتتح المهرجان بفيلم مرفوع الرأس للفرنسية إيمانويل بيركو، وسيختتم بوثائقي الجليد والسماء للوك جاكييه. فيكون بذلك المنظمون اختاروا لهذه النسخة 68 الطابع الفرنسي لكن أيضا صبغة جدية بتفضيل مواضيع اجتماعية في الافتتاح ومسائل بيئية لاختتام الدورة. ويثير هذا الاختيار بعض الريبة والحذر، فهو يشكل قطيعة مع الفولكلور والعادات التي ألفتها الكروازيت، ففي غالب الأحيان ينطلق المهرجان بفيلم طنان موجه لإغراء جمهور عريض. ومن العادة أن توضع على رأس الاحتفالات قصة أميرات على غرار غريس دي موناكو العام الماضي أو قصة حب أسطورية كما كان الشأن عام 2013 بفيلم غاتسبي الرائع. ورأى البعض، على غرار الناقد جان ميشال فرودون، في هذا الحضور الفرنسي المبالغ علاقات قرابة كبيرة بين المنظمين وبين صناعة الأفلام الفرنسية التي تبسط قوتها وتأثيرها. لكن المندوب العام للمهرجان تيري فريمو أكد أن هذا التواجد الكثيف لمواطنيه يترجم فقط فقدان تأثير سينما بلدان شرق أوروبا وقسم من أمريكا اللاتينية إضافة إلى فشل هوليوود في تنظيم سينما المؤلف المهمة فنيا لكن الضعيفة ماليا. من جهة أخرى يرى العديد في اختيار مرفوع الرأس، اللوحة الاجتماعية القاتمة، نوعا من سياسة الواجهة توحي باهتمام المهرجان بقضايا شائكة ودقيقة في حين تزخر المسابقة الرسمية بأفلام ملتهبة (وهو ما لا يمنعها من أن تكون أيضا شائكة !) على غرار حب لغاسبار نوي الذي يتوقع أن يخلق الفضيحة بإظهاره ممارسة ثلاثية الأبعاد للجنس، أو مارغريت وجوليان لفاليري دونزيلي (والفيلمين الأخيرين فرنسيين..). ويتوقع لهذه النسخة 68 أن تشهد صعود جيل جاكوب، الرئيس التاريخي للمهرجان، المدرج الشهير ببساطه الأحمر للمرة الأولى ! فبعد 35 سنة على رأس المهرجان ترك جاكوب هذه السنة مكانه للرئيس الجديد بيار لسكور. وأكد جاكوب لفرانس 24 أنه سيكتشف الأفلام لأول مرة في نفس الوقت مع الجمهور والصحافيين (الذين لم تقصر طوابيرهم في المقابل !) فصرح نحن منظمون ولسنا نجوما، ويجب أن نبقى في الخفاء، لذلك كنا نمر من ممرات الطوارئ. أما حفل الافتتاح فيقدمه للسنة الثانية على التوالي الممثل الفرنسي لامبير ويلسون. الشريط الإعلاني لفيلم "مرفوع الرأس" فرنسا تلملم الجرح : مشهد جديد وجيل جديد في افتتاح كان تتردد كان بذلك هذا العام بين الجديد والقديم، وبين الخفة والجدية. فنصح المنظمون بعدم التقاط السلفي على البساط الأحمر لتفادي الزحمة، ما أثار ضجة كبيرة في أوساط المشاهير والمراقبين. والجديد أيضا التدابير الأمنية المشددة بحضور مكثف لعناصر الحراسة والشرطة وتفتيش الحقائب على ثلاث حواجز عند سوق الفيلم الكبيرة، تحسبا من أعمال إرهابية ضد هذا الرمز الفرنسي بامتياز في بلاد لم تستفق بعد من هجمات شارلي إيبدو. في هذا السياق يدشن فيلم مرفوع الرأس دخول جيل جديد من المخرجين الفرنسيين الساحة، وسط عهد جديد في فرنسا يطغى عليه نوع من الحزن والخوف. وفي ظل هذه المعطيات ليس مرفوع الرأس غريبا عن واقع البلاد بل يعكس باطنها المعذب عبر قصة الفتى مالوني الذي يعاني مشاكل نفسية بسبب الإهمال العائلي فيكبر في ملاجئ الأطفال ويسقط تدريجيا في عالم العنف والجنحة قبل أن تحظى قضيته بعناية قاضية وأن يشرف أحد المربين على رعايته. يتقمص الممثل رود بارادو دور مالوني في أداء كان في مستوى التوقعات علما وأنه يحضر الكروازيت لأول مرة في مسيرته، فرود بارادو كان يتابع تكوينا مهنيا في النجارة قبل أن تعرض عليه إيمانيول بيركو الدور. وكأن القصة الحقيقية هي الأخرى قصة نجاح وخروج إلى النور. وقالت المخرجة إيمانويل بيركو لفرانس24 إنها سعت عبر هذا العمل إلى تكريم المربين الذين يعملون بعيدا عن الأضواء. وكان خالي أحدهم.... وكانت القاضية التي تقمصتها كاترين دونوف، إضافة إلى مربي أطفال (بنوا ماجيمال)، بذلا كل ما بوسعهما لمساعدة الفتى على تخطي جحيم الصعوبات التي يتخبط فيها. ويذكر الفيلم بأعمال المخرج البريطاني الكبير كين لوش حول مسائل المراهقين وانبهارهم بالعوالم الهامشية والموازية فبحثها في sweet sixteen المراهقة الحلوة، وبأفلام المخرج الأمريكي غوس فان سانت على غرار فيلُ Elephant ومشاكل العنف الذي يستقطب الشباب في عمر هش وحساس. وعاد حتى الحنين بالبعض إلى الدورة الماضية وفيلم أمي Mommy للكندي كسافييه دولان الذي هز الكروازيت بقصة صمود أم أمام أزمات ابنها النفسية. لكن يبقى فيلم بيركو فيلما موجعا عن الطفولة وعن الاغتصاب وغياب الأب وفشل العائلة وعن ضبابية الهوية في مجتمع ينهكه الفقر والبطالة. وإن أرادت المخرجة أن تكون الرسالة رسالة أمل وأن ينجح الفتى في النهاية في التأقلم مع محيطه ويخرج من قصر العدالة فخورا على خلفية علم فرنسي رفراف، فإن تركيبة الفيلم توحي أكثر بـ حماسة اليأس (والعبارة للشاعر الفرنسي ميشال دوغي) إلى درجة تحاكي خطأ في السيناريو أو في نفسية الشخصيات. ففي الفيلم تناقضات كثيرة لا تسهل الكشف عن مغزى القصة، فكأن الدراما الاجتماعية تخدم رؤية للدولة ومؤسساتها كمنقذ للفرد... لكن بأي ثمن؟ فالقيم في الفيلم تخلط بين الحب والعنف وبين السجن والصواب وبين الواجب والأخلاق الحسنة. في كل الحالات يبدو أن الشريط، عن وعي أم لا، يتماشى مع اللحظة التي كتب فيها لفرنسا أن تمن بالخيبة وأن تصفى فيها الأجساد وأن تطأطأ الرؤوس، فهاهي كديك مذبوح تسعى إلى الحفاظ على سمعة احتفالاتها رغم الفاجعة وأن تظهر للعالم مرفوعة الرأس. مها بن عبد العظيم نشرت في : 13/05/2015

مشاركة :