دشّن المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، جولة جديدة من التحرّكات الهادفة إلى استشراف آفاق السلام في اليمن، وإمكانية استئناف الجهود لتحقيقه في مرحلة ما بعد اتفاق الرياض الذي رعته السعودية بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والمجلس الانتقالي الجنوبي، وهو الاتفاق الذي اعتبرته العديد من الأطراف مدخلا مناسبا لعملية سلام أوسع نطاقا تشمل الصراع الأصلي بين الشرعية اليمنية والمتمرّدين الحوثيين. وبدأ غريفيث، الثلاثاء، حراكه الجديد من العاصمة السعودية الرياض حيث التقى بالرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، فيما قالت مصادر إنّ جولة المبعوث الأممي ستشمل عواصم أخرى على صلة بالملف اليمني من ضمنها العاصمة العمانية مسقط التي من المرجّح أن ينتقل منها إلى صنعاء العاصمة اليمنية الواقعة تحت سيطرة الحوثيين. وذكرت الوكالة اليمنية الرسمية للأنباء “سبأ” أن المبعوث الأممي بحث مع الرئيس هادي “جملة من القضايا والموضوعات المتصلة بالشأن اليمني وآفاق السلام الممكنة والمتاحة”. ونقلت عن هادي ثناءه على “جهود غريفيث ومحاولاته الحثيثة لإحلال السلام وكسر الجمود، خصوصا في ما يتعلق باتفاق السويد”، الذي كانت الأمم المتحدة قد رعته بين الحكومة اليمنية والمتمرّدين الحوثيين آخر العام الماضي، واشتمل على عدّة بنود أهمها إقرار وقف لإطلاق النار في الحديدة ما يزال صامدا إلى اليوم رغم تعرّضه لخروق جزئية. واتهم هادي من سمّاها بـ”ميليشيا الحوثي” بعدم الرغبة في تنفيذ بنود الاتفاق المذكور “وخلق المزيد من التعقيدات المستمرة”، لكنّه عبّر لغريفيث عن حرصه “على تحقيق السلام الشامل الذي يفضي في النهاية إلى تحقيق الأمن والاستقرار المستدام في اليمن والمنطقة، بعيدًا عن الحلول الترقيعية وترحيل الأزمات”. ورغم ارتفاع نبرة التفاؤل بإمكانية إقفال الملف اليمني سلميا، إلاّ أن الخطاب السائد بين الطرفين الأساسيين في الصراع اليمني؛ حكومة هادي والحوثيين، ما يزال يتّسم بتشدّد كل طرف حيال الآخر، كما أن من التحرّكات على الأرض ما يوحي بأنّ السلام ما يزال بعيد المنال. غير أنّ متابعين للشأن اليمني يرجعون ذلك إلى عملية تحسين شروط التفاوض التي يحاول كل طرف القيام بها تحسّبا لأي مفاوضات سلام قادمة. وبرزت خلال الفترة الأخيرة إرادة لدى أهم الأطراف ذات الصلة بالملف اليمني، لإيجاد حلّ سلمي شامل لكلّ أطراف النزاع بمن فيهم الحوثيون المنقلبون على السلطة الشرعية والمسيطرون بقوّة السلاح على عاصمة البلاد وعدد آخر من المناطق. وشاع هذا المزاج السلمي بعد تجربة ناجحة في الجمع بين الحكومة المعترف بها دوليا والمجلس الانتقالي الجنوبي في محادثات رعتها السعودية، وأفضت إلى توقيع اتفاق بين الطرفين. وما رفع من منسوب التفاؤل بإمكانية إيجاد مخرج سلمي للنزاع اليمني، ما راج مؤخّرا بشأن عدم ممانعة السعودية التي تقود تحالفا عسكريا داعما للسلطة اليمنية الشرعية في ذلك. وتتحدّث مصادر عن تدشين الرياض منذ سبتمبر الماضي محادثات غير رسمية مع جماعة الحوثي في العاصمة الأردنية عمّان. ونقلت وكالة رويترز في وقت سابق عن أحد المصادر قوله إنّ “المحادثات بشأن استكمال اتفاق أمني تتحرك بسرعة كبيرة الآن عبر عدة قنوات”. كما نُقل عن مسؤول سعودي قوله “لدينا قناة مفتوحة مع الحوثيين ونواصل هذه الاتصالات لإقرار السلام في اليمن”. وتأمل الأمم المتحدة، تأسيسا على تلك الأرضية، أن تستأنف المفاوضات بين الشرعية اليمنية والحوثيين لإنهاء الحرب. وقال مبعوث الأمم المتحدة لليمن مارتن غريفيث إنه يأمل في إنهاء الصراع خلال الأشهر الأولى من عام 2020. ولن تنطلق الجهود الأممية للبدء بوقف لإطلاق النار في اليمن من فراغ، إذ يمكن البناء على تجربة ناجحة نسبيا تتمثّل في الهدنة المعلنة في الحديدة غربي اليمن، والصامدة رغم هشاشتها منذ قرابة السنة. ويظل مبعث التشاؤم الأساسي لدى متابعين للشأن اليمني بعدم سهولة التوصّل إلى سلام في اليمن هو ارتباط الحوثيين بإيران وتعديلهم لسياساتهم وفق أجندتها وبحسب تطورات صراعاتها في المنطقة
مشاركة :