محور السلام في القرن الأفريقي ينتصر بتطبيع العلاقات بين كينيا والصومال

  • 11/20/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

حققت الدول الراغبة في إنهاء الصراعات وتغليب التنمية في منطقة القرن الأفريقي نصرا سياسيا جديدا، باتفاق كينيا والصومال في 15 نوفمبر الجاري على تطبيع العلاقات بينهما وبحث سبل تعزيزها، عقب لقاء جمع في نيروبي الرئيس أهورو كينياتا ونظيره الصومالي محمد عبدالله فرماجو، بعد توتر بين الدولتين بسبب خلاف حول حدود بحرية ممتدة تحتوي على كميات كبيرة من النفط والغاز. أعاد الاتفاق تغليب لغة الحوار والتفاهم على الصراع والاقتتال وحل النزاعات بالآلات العسكرية، وهو ما تستفيد منه بعض القوى المتشددة والدول الداعمة لها، حيث وجدت في العمل المسلح وانتشار الإرهاب وتوسيع نطاق الفوضى أداة رئيسية لتحقيق أطماعها في منطقة عانت كثيرا من التوترات، بما انعكس سلبا على مستوى معيشة المواطنين. وكانت لكل من السعودية والإمارات بصمات واضحة على السلام والتنمية في كثير من دول القرن الأفريقي، حيث رعتا اتفاق سلام بين إثيوبيا وإريتريا العام الماضي، وأذابتا بعض الجليد بين جيبوتي وجيرانها، وشجعتا على جلب السلام في السودان، وساهمتا في كثير من المشروعات التنموية في غالبية دول الإقليم. منطقة القرن الأفريقي مقبلة على تحولات لن تفيد معها الحيل التقليدية التي تعتمد على تشجيع العنف، والتحالف مع التنظيمات الإسلامية المتشددة مثّلت هذه الخطوات نقلات نوعية في مسيرة المنطقة، وأعادت إليها قدرا من الهدوء والاستقرار، وفتحت أمامها فرصا واعدة لتعاون مشترك بدأ يتوسع ليشمل جميع الدول تقريبا. وقد أخذت هذه الدول على عاتقها تصفية الخلافات المزمنة، والبحث عن أدوات دبلوماسية لحلها، ما يتطلب المزيد من الجهود لتجاوز العقبات التي تعتري هذا المسار. ووقّع الصومال وإثيوبيا اتفاق تعاون في يونيو من العام الماضي خلال زيارة قام بها آبي أحمد، رئيس الحكومة الإثيوبية لمقديشو، واتفقا على تعزيز العلاقات الثنائية واستمرار تعاونهما في مجال مكافحة الإرهاب، والتعامل مع التحديات الأمنية عبر الحدود المشتركة، وتطوير الموانئ والطرق الرئيسية التي تربط بين البلدين، وتشكيل لجنة وزارية تعمل على متابعة التنفيذ وتفعيل الاتفاقيات المبرمة بين البلدين. وبذل آبي أحمد جهودا لتهدئة التوتر بين الصومال وكينيا، وقام باصطحاب فرماجو إلى نيروبي في 5 مارس الماضي، لعقد مفاوضات مباشرة مع الرئيس كينياتا لتحسين العلاقات، لكنها لم تحدث تغييرا كبيرا في حينه. اهتمام متصاعد بالسلام بدأت بعض القوى الدولية ترمي بثقلها وتشجع التحركات الرامية لنشر السلام في المنطقة، وكأن هناك رغبة حثيثة لإنهاء واحدة من الفصول المؤلمة في الصراعات الإقليمية المتعلقة بمنطقة القرن الأفريقي التي عانت من انفلات حاولت جهات كثيرة استثماره وتوظيفه لصالحها ومد سبل الحياة للكتائب المسلحة لمواصلة نشاطها. وأعلنت الولايات المتحدة قبل أيام انخراطها لتسوية مشكلات إحلال السلام في كل من السودان وجنوب السودان، والمساهمة في إيجاد حل نهائي لأزمة الحدود البحرية والبرية بين كينيا والصومال، ما يشي بأن هناك تغيرات جديدة سوف تدخل على التوازنات السائدة، قد تحدث خللا في المعادلة التي اعتمدت على استمرار الصراعات كمحدد وحاكم لهذه المنطقة. يمنح هذا المتغير دفعة قوية لمحور السلام في القرن الأفريقي. ويشّجع الدول التي تتبنى منهج التنمية لتطوير العلاقات الإقليمية على الاستمرار. والأهم أنه يرسل إشارة قوية للمحور المناهض، الذي تقوده قطر وتركيا، ومعهما إيران، بأن المنطقة مقبلة على تحوّلات لن تفيد معها الحيل التقليدية التي تعتمد على تشجيع العنف، والتحالف مع التنظيمات الإسلامية المتشددة، كأداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية. ووجدت كينيا أن تصعيد الخلاف مع الصومال سيضاعف من أزماتها الاقتصادية، ويضخ الدماء في شرايين الحركات المتطرفة، وفي مقدمتها حركة الشباب الصومالية التي مارست نشاطا إرهابيا كبيرا داخل الأراضي الكينية، وكبدتها خسائر فادحة. وتميل نيروبي نحو دعم الحلول السياسية، وتخشى أن يفضي انتصار مقديشو في ملف النزاع البحري بعد وصوله إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، إلى إثارة نزاع آخر مع تنزانيا في الجرف القاري الخاص بالمحيط الهندي، ناهيك عن تفجير النزاع القديم حول الحدود البرية في شمال شرق كينيا، ويقطن هذه المنطقة سكان من أصول صومالية، وشهدت حركات انفصالية سابقا، وخيمت القضية بظلالها القاتمة فترة طويلة على العلاقات بين البلدين، وحالت دون تطويرها في أوقات كثيرة. وانفجر الخلاف البحري بين كينيا والصومال، عندما طرحت الثانية أمام مؤتمر لندن الاقتصادي في فبراير الماضي عطاءات للتنقيب عن النفط والغاز في 50 حقلا بحريا، بينها المنطقة المتنازع عليها مع نيروبي، والتي اعتبرت ذلك بمثابة “استيلاء غير مسبوق وغير قانوني على مواردها”، ولوحت باستخدام القوة العسكرية. وتدهورت العلاقات سريعا في مايو الماضي، واستدعت نيروبي سفيرها في مقديشو، وهددت بإرسال قوات لحسم الموقف لصالحها، عقب طرح الصومال حقول نفط وغاز في المنطقة البحرية المتنازع عليها في مزاد شاركت فيه شركات عالمية. وتأزم الموقف مع عقد محكمة العدل الدولية أول جلسة استماع للطرفين في سبتمبر الماضي، وعادت العلاقات إلى نقطة الصفر، وتم وأد المحاولة التي جرت لتحسينها في مارس 2017، عندما نجحتا في تجاوز بعض الخلافات السياسية والأمنية مؤقتا. وجدّد النزاع البحري جراحا بين الجارتين. ودفع مجموعة المراقبة التابعة للأمم المتحدة والمعنية بالصومال مؤخرا إلى التحذير من مغبة تداعيات عمليات التنقيب على جهود إحلال السلام في بلد يعاني من تردّ كبير في الأوضاع، لأن الخلاف ينذر بدخول المنطقة صراعا يفتح الباب لإثارة نعرات قومية، على خلفية التنقيب عن الموارد الطبيعية والمرشح أن تتزايد ما لم يتم حل الأزمات بالوسائل الرضائية. وتواترت معلومات كثيرة الفترة الماضية حول زيادة اهتمام شركات عالمية للاستفادة من الإمكانيات الاقتصادية المدفونة في قاع المحيط الهندي، والموانىء، والأراضي القريبة منه، ما يجعل السلام مطلبا ضروريا، بل مدخلا مهما لتحقيق التنمية عبر تحالفات تستند على شبكة قوية من المصالح الحيوية، وتتجاهل تكريس السبل القديمة للصراعات التي جنت من ورائها بعض القوى مكاسب كبيرة. أثار التفاهم بين الرئيسين كينياتا وفرماجو تساؤلات سياسية في مقديشو، واتهمت المعارضة الرئيس الصومالي بالتنازل عن قضية النزاع البحري لصالح كينيا، بغرض فرملته عن المضي قدما في عملية التهدئة، وحضه على تفويت الفرصة على تطبيق تفاهمات نيروبي. ويوقف تطبيع العلاقات مع كينيا أو غيرها زحف واحدة من الخلافات الطويلة في المنطقة، ويرمي بحجر جديد في مياه التنظيمات المتطرفة التي تنتعش في ظل استمرار التوترات، ويقطع الطريق على استكمال مشروع ربط السلام بالتنمية، والعكس، وينهي أحلام القوى التي راهنت على تسخير حركة الشباب كرأس حربة في هذه المنطقة. وقد أكدت الأمم المتحدة في 13 نوفمبر أن حركة الشباب الإرهابية لا تزال تمثل أكبر تهديد مباشر للسلام والأمن في الصومال. وقالت في تقرير مشترك مع مجلس الأمن الدولي “الجماعة استخدمت بشكل متزايد المتفجرات محلية الصنع لقتل وجرح المدنيين في مخيمات المهاجرين وفي المطاعم والأسواق ومراكز التسوق والمكاتب الحكومية والفنادق، ونفذت منذ يوليو 2018 وحتى يوليو الماضي 548 هجوما بالعبوات الناسفة في الصومال، بزيادة نسبتها 32 بالمئة عن العام السابق عليه”. وأكد التقرير أن الغارات الجوية الأميركية تصاعدت ضد مسلحين ينتمون للحركة وجعلتها في حالة عدم توازن، لكن لم تؤثر على قدرتها في شن هجمات منتظمة في أنحاء الصومال، وتسللت إلى مؤسسات حكومية ووسعت عائداتها المحلية واستمرت في خطف وتجنيد الأطفال. وتطالب كينيا بوضع حركة الشباب على قائمة المنظمات الإرهابية لدى مجلس الأمن الدولي، وتشكيل موقف متماسك قوي ومناهض لها يسمح بمطاردتها بصورة جماعية ومنظمة، الأمر الذي رفضته الحكومة الصومالية أكثر من مرة، بذريعة أن استهدافها سوف تكون له تداعيات إنسانية سيئة على المناطق التي تقطن فيها. بينما يرى متابعون أن مقديشو لا تزال على علاقة بحركة الشباب والدول التي ترعاها وتوفر لها الدعم المادي، مثل قطر وتركيا، وهما لا تريدان التفريط في هذه الورقة حاليا، ويحدوهم أمل في استغلالها لمنع نجاح محور السلام والتنمية. وتخوض نيروبي حربا ضد الحركة ضمن بعثة قوات الاتحاد الأفريقي (أميصوم) العاملة في الصومال، وعدد 22 ألف جندي، وتعرّضت مناطق مختلفة في كينيا لهجمات من الشباب، أبرزها هجوم مسلح وقع في يناير الماضي على مجمع يضم فنادق ومكاتب تجارية في نيروبي، وأسفر عن خسائر مادية وبشرية كبيرة. وفي عملية تستهدف خلط الأوراق، أشار مندوب الصومال في الأمم المتحدة إلى أن نيروبي تسمح بتصدير الفحم من الموانئ الصومالية التي تسيطر عليها القوات الكينية، وهناك قرار بحظر تصديره لأنه يدرّ دخلا لحركة الشباب التي تسيطر على الكثير من مناجمه، ولو كانت نيروبي تريد مواجهة الحركة لماذا تسمح بذلك؟ وتشير هذه النوعية من المواقف إلى إثارة الغبار حول أي بادرة أمل لضبط العلاقات بين البلدين، وتصر على جعلها حبيسة لميراث قديم من الخلافات ولا تبرحه، للدرجة التي أدت أحيانا إلى وضع حركة الشباب والحكومة الصومالية في سلة واحدة. وكي تستقيم الأمور من الواجب أن تعلن كل جهة مواقفها بوضوح وصراحة من الحركات المتشددة التي تمارس إرهابا لم يعد خافيا على أحد، وطالما بقيت الحيل والمناورات تحت غطاء حماية السكان وحقوق الإنسان ستظل الجماعات المتطرفة تمرح وتمارس هوايتها في القتل، بما يمنح القوى التي تقف خلفها حياة جديدة، بعد أن بدأ محور السلام والتنمية يحقق قفزات كبيرة في منطقة القرن الأفريقي.

مشاركة :