لم يكن غريباً ما كشفته الوثائق المسربة للاستخبارات الإيرانية، عن كون استهداف السعودية كان مشروعاً منظماً وخطوة ممنهجة، جمعت بين أقطاب مختلفة، إقليمية ودولية، لتقويض جهود السعودية ودورها في مقاومة مشاريع الاستهداف الخارجي، التي تسعى لغرز مخالب الفوضى وأشواك الخراب. لقد قادت السعودية مشروع الضرورة لوقف زحف المشاريع المناهضة لاستقرار المنطقة العربية ومواجهة لمخططات التهديد والاختراق التي تريد إدخال المنطقة في كهوف الظلام والفوضى. لذلك فإن ما كشفته الوثائق المسربة لم يكن أكثر من توضيح ما هوا واضح بالفعل. وهو تفسير للحملة الممنهجة التي استهدفت الرياض، وبقية العواصم التي انتظمت في خط سيرها الوئيد والواثق، ومن بينها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي نالها نصيب كبير من نبال الاستهداف والهجوم والتشويه. لكن تلك المخططات ما زادهما إلا إيماناً بجدوى سعيهما وجهودهما في وقف نزيف المنطقة من ثقوب الانهيار والفوضى، التي اتسعت خروقها واشتعلت حروقها في بقع مختلفة من الشرق الأوسط. جاءت هذه الوثائق لتؤكد صدقية وجدية موقف المملكة العربية السعودية في مواجهة تلك الأطراف، التي تستهدف استقرار المنطقة، وتحيك المكر السيء بها، وتؤكد أيضا أن الرياض كانت أحد أبرز المتصدين لمشاريع الاختراق. وأعطت تلك المخططات شهادة على أهمية موقف السعودية وسياساتها، التي تزايد خروجها من تحفظها القديم وهدوءها التقليدي، وأصبحت أكثر جرأة واستباقية وأكثر حدة عن نأيها المعروف. كشفت الوثائق، ثلاثي الشر التي تآمر على استهداف السعودية، واختار اليمن مسرحاً لتقويض جهودها ومحاصرة دورها. وحدث ذلك على أرض تركيا، التي كانت تجاهر بمدّ الكفوف وتبطن النوايا السيئة. وأظهرت أن تنظيم الإخوان المسلمين عرض على المسؤولين الإيرانيين التعاون في اليمن ضد السعودية خلال اجتماع في تركيا عام 2014 وأنه قال لطهران “نتفق معكم في أننا نعتبر الرياض عدو لنا. ونحن سنحرك السنة وأنتم حركوا الشيعة ضدها”. وأضحى مألوفاً الآن، معرفة رعاة الإخوان ومتبني سياساتهم، وفهم الخطوة التي اتخذها الرباعي العربي بمقاطعة قطر، والإلمام بأسباب هوس أردوغان في استثمار كل مناسبة ومنصة وفرصة للإساءة إلى السعودية والإمارات ومصر. انكشفت حقيقة مساعي الإخوان الفاسدة لاستهداف هذه البلدان، والانضواء تحت مظلة كبيرة كمطايا لتنفيذ مشروع إقليمي يستهدف استقرار المنطقة ويناصب العداء للعواصم الناهضة بجهود التصدي لهم وتفكيك مساعيهم. عملت تركيا على استضافة الاجتماع السري، كونها واحدة من الدول القليلة التي لها علاقات وثيقة مع الإخوان وإيران في نفس الوقت، وعلى مسافة واحدة من الأطراف التي تجمعها نية اختراق المنطقة واستهداف السعودية، من أجل تحويل تلك النوايا إلى مشروع عمل مشترك وإطار تعاون وثيق، يقسم المكاسب مثلما يوزع الأدوار. بدأت أنقرة بالاعتداء المستتر، قبل أن تتفجر نقمتها في شكل هجوم سافر، لم يراعي أعراف الدول الطبيعية ولا قيم الدبلوماسية المتحضرة، وجاهرت بالتواصل مع كل ما يمت بصلة لعداء العواصم العربية. احتضنت الجماعات المتطرفة، وأفسحت تراب مدنها للهجوم الإعلامي المكثف، وقاعاتها لتنظيم المؤتمرات المناهضة والاجتماعات الفاسدة والصفقات المشبوهة. وعقدت على ركام المدن السورية وأجساد المتعبين، تحالفاً مع طهران لتنفيذ خططها، دون اعتبار أو حساب لما تدعيه من أحلام الديمقراطية ومشاريع العدالة السياسية. وكانت قطر جزءاً من هذه المهمة الرديئة، حيث تكفلت بلملمة شتات قطع التنظيم الإخواني، الذي تفاخر وفده في الاجتماع بأن الجماعة “لديها أفرع في 85 دولة في العالم”. كما تبنت الدوحة تمويل منصاته الإعلامية، وحماية رموزه الأيديلوجية، والاستثمار في المكونات المحلية المشتركة، لضمان تحقيق اختراق في جدار الدول المستهدفة. وقد أضحى بيّناً الآن لماذا كانت حملات التلميع والتسويق التي ينالها الرئيس التركي أردوغان بمجانية وكثافة عالية، تستهدف بالأساس المجتمعات الخليجية والعربية لتمرير مفردات مشروع الاستهداف والاختراق. وعندما أصبحت قطر في وجه حقيقة اكتشاف أمرها وافتضاح دورها، رفعت الغطاء عما كانت تضمره وتطويه في سراديب سلوكها وتحركاتها الواهمة، ووقعت في شرّ أعمالها وأسقط في يد حكّامها ومسيريها. هل من دور أميركي محتمل؟ لا شك في هذا، إبّان حقبة أوباما البائدة، عندما نسجت ملامح وخيوط مشروع شرق أوسطي، أُريد لأردوغان وجماعات الإسلام السياسي أن تلعب فيه دوراً مركزياً لتثبيت دعائمه وتقويض جهود مقاومته، التي نهضت وتصدت لها الرياض وأبوظبي. وقد صارح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المجتمع الأميركي والدولي عبر لقائه مع بلومبرغ عام 2018، وقال بأن أوباما خلال فترتي رئاسته عمل عن كثب ضد أجندة السعودية في الشرق الأوسط، ولكن الرياض كانت قادرة على حماية مصالحها وكانت النتيجة النهائية تشهد بنجاحها وأن الولايات المتحدة في ظل قيادة أوباما “فشلت”. لقد انسحب هذا الفشل على كل الأطراف المشاركة في المؤامرة المفتضحة. تقلص نفوذ الإخوان وانتشارهم، وقطر مقاطعة ومدحورة في يابستها الصغيرة وقد تكسرت أدواتها المغروزة في الدول العربية، وتركيا تعاني من انحسار تأثيرها وانكماش اقتصادها وقلق سياساتها الداخلية والخارجية. أما إيران فهي تدفع الآن ثمناً باهظاً لسلوكها الطائش وتطرد من الحواضر العربية، التي فاخرت ببسط السيطرة عليها، وتشتعل حرائق الظلم والنقمة في مدنها وأطرافها، أمام منطقة عربية أخذت تتعافى مع الوقت، وسعودية تنهض برؤيتها الواعية برفقة الإمارات، التي اشتركت في المغرم وفازت بالمغنم.
مشاركة :