معرض ألماني يستعرض جوانب خفية من حياة رامبرانت

  • 11/20/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أول ما يسترعي انتباه المتجوّل في معرض “داخل رامبرانت”، بمتحف فالراف- رايخارتز بمقاطعة كولونيا الألمانية، والمقام بمناسبة مرور 350 عاما على رحيله، كمّ لوحاته التي تبرز العديد من الشخصيات الطاعنة في السن. يبدو المعرض للوهلة الأولى كما لو كان حالة تناقض مع جنون الشباب، حيث تقول منسقة المعرض آنيا شفيك “كان رامبرانت مبهورا بصفة خاصة بنموذج الإنسان الحكيم الناضج”. ولهذا تعدّ من أبرز أعماله التي يسلط المعرض الضوء عليها لوحة “عالم حكيم في محل دراسته”، وبالرغم من أهميتها فهي تعدّ من لوحات رامبرانت القليلة غير المعروفة، ويرجع ذلك إلى أنها ظلت مركونة في إحدى زوايا الناشيونال غاليري في براغ على مدار أكثر من 70 عاما، وأعيرت للمتحف الألماني لأول مرة لكي يقدّمها بمناسبة المعرض. يُظهر رامبرانت (1606-1669) شخصيةَ اللوحة الرئيسية، المفكرَ الحكيم ذا الشعر الأبيض، مرتديا ثوبا فاخرا غرائبيا من طراز شرقي. وعن ذلك قالت شفيك “التصوير على هذا النحو كان يعطي إثارة مضاعفة”، موضحة “لأنه بهذه الطريقة، لا يقدّم العالِم وهو مستقرّ في ما توصل إليه من علوم، بل يبرزه غارقا في أفكاره؛ إنه لا يزال يبحث عن إجابات”. لكن في المعرض، يمكن أيضا أن تجد بعض الأعمال المتناقضة مع هذا التوجه والتي تصوّر شخصيات شابة، بما في ذلك الحوريات والمواطنين الأثرياء وحبّ رامبرانت العظيم؛ ساسكيا فان أولينبورغ. كما تبرز بالتأكيد في الركن الأيمن السفلي من القاعة لوحة صغيرة جدا هي لوحة “حمام ديانا” لقلعة أنهولت، حيث يظهر في الخلفية ضفدع صغير قد يكون أميرا شابا. حيث تشير الأسطورة إلى أن الأمير ألقيت عليه لعنة فتحوّل إلى ضفدع، وما من سبيل ليعود إلى صورته الشابة إلّا بأن تقع في حبه أميرة حقيقية. وتملك ألمانيا لوحات لرامبرانت أكثر من هولندا، لكن كولونيا ليس لها علاقة وثيقة بالفنان الهولندي، وذلك يرجع لأن المدينة كانت كاثوليكية متشدّدة في السابق بينما كان رامبرانت يعتبر رساما بروستانتيا. ولهذا أيضا فإن المتاحف الرئيسية التي تضم أعمال رامبرانت هي قاعات عرض في برلين ودريسدن وكاسل. ومع ذلك، فإن متحف كولونيا هو الذي ينظم هذا المعرض الألماني الخاص خلال الفترة من الأول من نوفمبر الجاري إلى الأول من مارس 2020 بمناسبة الذكرى الـ350 لوفاة رامبرانت. ويبدو أن المعرض لا يحتاج إلى أيّ دعاية لتشجيع الجمهور على دخوله، حيث تنتشر به أعمال مهمة للفنان مثل “الجولة الليلة” و”درس تشريح للدكتور نيكولايس تيولب” و”العشيقة اليهودية”، وبالتالي يقدّم المعرض نظرة بانورامية شاملة ورائعة لعالم رامبرانت من خلال 13 لوحة من أبرز أعماله، بالإضافة إلى خمسة أعمال رسم تخطيطي، و41 اسكتشا لأعمال حفر (غرافيك)، بالتوازي مع 50 عملا من فنانين معاصرين له، وبصفة خاصة تلاميذه. ونظرا لأن رامبرانت حقّق شهرة كبيرة في شبابه، قلّده في عصره الكثير من شباب الفنانين الجدد، وكانوا يدفعون له الكثير من المال لكي يعلّمهم. كما قلّده الكثير منهم سواء في زمنه أو من بعده، بدرجة عالية من الإتقان لا يمكن تمييزها عن أسلوب ونماذج لوحاته. وعلى مدار وقت طويل، كانت لوحة “الرجل ذو الخوذة الذهبية” من أشهر لوحات رامبرانت في ألمانيا، ولكن اتضح مؤخرا أنها من عمل أحد تلاميذه، ومن ثم يصدق على هذه اللوحة مقولة “ليس كل ما يلمع ذهبا”. وبفضل تقاطع عصر الفنان الهولندي مع فنانين آخرين يتمّ عرض أعمالهم جنبا إلى جنب مع أعماله في هذا المعرض، ولكن ما هي خصوصية أعمال رامبرانت؟ المعرض يجيب عن هذا السؤال بشكل فوري وجلي، وهو الذي كان فنانا موهوبا بشكل لا يصدق. وفي معظم أعماله، من الصعب تصديق أنه تمّ رسمها بالفعل منذ أكثر من 350 عاما. وتقول منسقة المعرض آنيا شفيك “على سبيل المثال، يمكن بكل سهولة نسب لوحة: القديس بارتولومي، الموجودة حاليا في متحف جيتي بمدينة لوس أنجلس، التي تتّسم بضربات فرشاة عريضة على مساحات واسعة، إلى مطلع القرن العشرين، وهو أمر غير تقليدي على الإطلاق بالنسبة لفنان ينتمي رسميا إلى عصر الباروك”. لكن الأمر الحاسم بلا شك هو أن رامبرانت ما زال لغزا محيرا تطرح أعماله أسئلة مثيرة بأسلوب مباشر تماما على جمهور الفن إلى اليوم. على سبيل المثال، “البورتريه الشخصي” مصوّرا نفسه على هيئة الفنان الإيطالي زيوكس (القرن 5 ق.م). في هذه اللوحة يحظر الرجل العجوز مرة أخرى، لكنه هنا هو الفنان المسن نفسه، وذلك عبر ضربات الفرشاة السريعة، ما يجعلها تُعد جزئيا لوحة تجريدية تقتصر ألوانها على بعض درجات اللونين البني والذهبي. ومع ذلك، أضفى رامبرانت على الوجه حضورا سحريا حقا. فعندما يقف المرء أمام اللوحة، تتبدّد الشكوك: يسخر مني! (معروف أن الضحك كان سبب وفاة زيوكس!)، حينها فقط تنشأ علاقة مع رامبرانت عبر القرون.

مشاركة :