ارتدت أسعار النفط عن مكاسبها الأولية وهبطت بأكثر من دولار للبرميل أثناء التعاملات أمس، حاذية حذو الأسهم الأمريكية، بفعل الشكوك التي تحيط باتفاق للتجارة بين الولايات المتحدة والصين. تضررت السوق أيضا من مخاف بشأن إمدادات وفيرة من الخام في 2020 رغم توقعات بأن تمدد "أوبك" تخفيضات في الإنتاج أثناء اجتماعها في أوائل كانون الأول (ديسمبر) للمساعدة على تفادي تخمة عالمية جديدة. بحسب "رويترز"، تراجعت عقود خام القياس العالمي مزيج برنت 1.24 دولار، أو 1.96 في المائة، إلى 62.04 دولار للبرميل بينما هبطت عقود خام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط 1.05 دولار، أو 1.8 في المائة إلى 56.68 دولار للبرميل، بحلول الساعة 16:40 بتوقيت جرينتش. وكانت عقود النفط صعدت نحو 2 في المائة الجمعة الماضي بعد أن زادت تصريحات لمسؤول أمريكي كبير التفاؤل حيال اتفاق للتجارة بين الولايات المتحدة والصين، لكن المخاوف بشأن زيادة إمدادات الخام وضعت حدا للمكاسب. وتسببت حرب التجارة المستمرة منذ 16 شهرا بين أكبر اقتصادين في العالم في تباطؤ النمو في أنحاء العالم ودفعت المحللين إلى خفض توقعاتهم لنمو الطلب على النفط، ما يزيد المخاوف من حدوث تخمة في المعروض في 2020. وتوقعت منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" الخميس الماضي، انخفاض الطلب على نفطها في 2020، ما يدعم وجهة النظر التي يتبناها متعاملون في السوق بأن المنظمة ومنتجين آخرين بينهم روسيا، في إطار ما يعرف باسم "أوبك+"، سيبقون على قيود الإنتاج المفروضة لمعالجة تخمة المعروض. ومن المتوقع أن تناقش "أوبك" وحلفاؤها سياسة الإنتاج خلال اجتماع الخامس والسادس من كانون الأول (ديسمبر) في فيينا. ويستمر اتفاقهم الحالي حتى آذار (مارس) المقبل. وقال لـ"الاقتصادية"، مختصون ومحللون نفطيون، "إن المنتجين في "أوبك" وخارجها يستعدون لجولة جديدة من المفاوضات بعد أسابيع قليلة، حيث تأتي هذه المحادثات في ظل اتساع التحديات والصعوبات في السوق النفطية خاصة في ضوء توقعات حديثة صادرة عن وكالة الطاقة الدولية التي تؤكد أن نمو المعروض النفطي في العام المقبل قد يكون ضعف النمو في الطلب". وأضافوا "وهو ما يؤدي إلى اتساع وفرة وتخمة المعروض والضغط مجددا على الأسعار مع الأخذ في الحسبان أن الزيادات الواسعة في الإمدادات لن يقودها النفط الصخري الأمريكي بل هناك زيادات أوسع من البرازيل والنرويج وجيانا"، مبينين أن الاستثمار قادر على التعافي من خلال تحقيق انضباط رأس المال، حيث تقوم بعض شركات النفط الكبرى بتوسيع عمليات الحفر بقوة للتغلب على انزلاق الصناعة والاستثمار إلى فخ الركود. وأكد روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، أن الضغوط والشكوك في الاقتصاد الدولي لم تقد إلى موجة هبوطية جديدة للأسعار بل على العكس بدأت تعاملات الأسبوع على مكاسب ملموسة جراء التفاؤل القوي بقرب التوصل إلى اتفاق جديد ينهي النزاعات التجارية المحتدمة بين الولايات المتحدة والصين ويعزز آفاق النمو الاقتصادي العالمي ومن ثم الطلب على النفط الخام. وذكر أن المنتجين في "أوبك" وخارجها يطبقون بنجاح اتفاق خفض الإنتاج بنحو 1.2 مليون برميل يوميا بمشاركة 24 منتجا، حتى مارس المقبل 2020، لافتا إلى أن أغلب التكهنات تميل إلى مصلحة تمديد التخفيضات الإنتاجية لتشمل كامل شهور عام 2020 مع الاستمرار في السياسات التى تسعى إلى رفع مستوى المطابقة للمنتجين بخطط خفض الإنتاج بعد حدوث ارتفاعات إنتاجية في العراق ونيجيريا في الأشهر الأخيرة. من جانبها، قالت نايلا هنجستلر مدير إدارة الشرق الأوسط وإفريقيا في الغرفة الفيدرالية النمساوية، "إن وضع السوق في تغير مستمر وهناك حاجة إلى مراجعة مستمرة لتفاعلات العرض والطلب وهو ما تقوم به "أوبك" على نحو جيد". وأشارت إلى حقيقة أن النفط الصخري الزيتي في الولايات المتحدة يتباطأ بشكل ملحوظ ويعتقد عدد متزايد من المحللين أن وكالة الطاقة الدولية بالغت في تقديراتها الأخيرة بشأن قدرة النفط الصخري الزيتي على قيادة نمو الإمدادات. ولفتت إلى التحديات المهمة والمؤثرة التي تواجه الطلب العالمي خاصة في العام المقبل، مبينة أن البيانات الأخيرة لصندوق النقد الدولي تسلط الضوء على تباطؤ كبير في نمو الإنتاج الصناعي العالمي منذ نهاية عام 2018 ويتمثل ذلك –بحسب تقديرات الصندوق– في الانخفاض الحاد في إنتاج السيارات ومبيعاتها وضعف ثقة الأعمال وتباطؤ الطلب الصيني. من ناحيته، أكد لوكاس برتيرير المحلل في شركة "أو إم إف" النمساوية للنفط والغاز، أن التقدم في مفاوضات التجارة هو أمر إيجابي تتطلع إليه جميع أطراف السوق بعدما لمس الجميع أن نتائج الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين كانت ولا تزال لها تأثير كبير في الطلب. وشدد على ضرورة عدم المبالغة في توقعات تحجيم الحرب التجارية، حيث إن الافتراض العام هو أن معظم التعريفات ستبقى على الرغم من أن احتمال التوصل إلى "الصفقة الجزئية" يمكن أن يعلق أو يؤخر تطبيق بعض الرسوم. وأكد أهمية تعزيز الاستثمارات النفطية على الرغم من الوفرة المرجحة في العام المقبل، لتأمين المعروض على المدى الطويل، لافتا إلى أن الشيء الإيجابي في حركة الاستثمار أن عديدا من شركات الطاقة غير الأمريكية يميل إلى التوسع في مناطق التنقيب التي تعد آفاقا عالية للنمو مثل مناطق الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ وإفريقيا التي باتت تجذب الاستثمار أكثر من الحقول الأمريكية. بدورها، قالت مواهي كواسي العضو المنتدب لشركة "أجركرافت" الدولية، "إن صناعة النفط والغاز قادرة على الوفاء بجميع الاستحقاقات البيئية ودعم جهود مكافحة تغير المناخ من خلال رفع الكفاءة"، مشيرة إلى أن الاستثمارات في مجال الوقود الأحفوري ستظل قائمة ومزدهرة، إذ إن هذا الوقود الوحيد القادر على الوفاء بجميع احتياجات التنمية ومواكبة التطلع إلى رفع معدلات النمو خاصة في دول العالم النامي. وذكرت أنه على سبيل المثال ستظل خطوط الأنابيب هي أكثر الطرق أمانا لنقل النفط والغاز -بما في ذلك السكك الحديدية والشاحنات-، مشددة على ضرورة أن تتمكن صناعة النفط من الارتفاع فوق المعلومات الخاطئة حول خطوط الأنابيب وتعزيز الثقة بالصناعة وقدرتها على التواؤم مع معايير البيئة وتحديات التنمية. وأشارت إلى قدرة الاستثمار على التعافي من خلال تحقيق انضباط رأس المال كما تقوم بعض شركات النفط الكبرى بتوسيع عمليات الحفر بقوة للتغلب على انزلاق الصناعة والاستثمار إلى فخ الركود. من جانب آخر، ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 63.12 دولار للبرميل الجمعة الماضي مقابل 63 دولارا للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" أمس، "إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 14 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق ثاني ارتفاع له على التوالي، كما أن السلة كسبت نحو أكثر من دولار مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 61.98 دولار للبرميل".
مشاركة :