قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء، إنه توجد فرصة أمامنا لنكون من أحباب رسول الله ﷺ، وأعظم درجة ممن سبقونا، وإن كانوا هم في المنزلة الأعلى.واستشهد «جمعة» فى كلامه بما روى عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ : «متى ألقى أحبابي؟ فقال بعض الصحابة: أوليس نحن أحبابك؟ قال: «أنتم أصحابي، ولكن أحبابي قوم لم يروني وآمنوا بي أنا إليهم بالأشواق»،[أبو الشيخ في الثواب] وفي زيادة الديلمي في مسند الفردوس بمأثور الخطاب : «أنا إليهم بالأشواق».واستدل أيضاً بما ورد عن رجاء بن حيوة -رضي الله عنه- قال : «كنا مع رسول الله معاذ بن جبل عاشر عشرة، قلنا: يا رسول الله، هل من قوم أعظم منا أجرا آمنا بك واتبعناك ؟ قال : ما يمنعكم من ذلك ورسول الله ﷺ بين أظهركم يأتيكم الوحي من السماء ؟ بلى قوم يأتون من بعدكم يأتيهم كتاب بين لوحين فيؤمنون به ويعملون بما فيه، أولئك أعظم منكم أجرا، أولئك أعظم منكم أجرا، أولئك أعظم منكم أجرا» [رواه الطبراني وذكر الهيثمي أنه اختلف في رجاله]وأوضح أن هذين الحديثين دلالةً كافية على دخولنا في دائرة الحب لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- إن وجعلناه أسوتنا واتبعناه حقا، مبيناً أن فى زمن الغربة الأول، بدأ رسول الله ﷺ بمنهج البداية بالنفس، فقال ﷺ : (ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول) [رواه مسلم وابن حبان].كيف نقتدي بالنبي وننول محبته وأشار إلى أهمية إصلاح النفس وتربيتها؛ فهي أولى من الانغماس في أمر العامة خاصة فى هذا الزمن، وبعد هذه المرحلة يمكن أن يتدرج المؤمن للانغماس في أمر العامة لإصلاحهم؛ فيقول النبي ﷺ : «إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع العوام، فإن من ورائكم أياما، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم» قال عبد الله بن المبارك : «قيل يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم ؟ قال : بل أجر خمسين منكم» [رواه الترمذي]وأضاف عضو هيئة كبار العلماء أنه علينا أن نبدأ بأنفسنا ثم بمن نعول، وأن نتحمل المسئولية عن أفعالنا، وعلمنا أن لا نبرر أخطاءنا، ويؤكد القرآن على ذلك المعنى فيما يقصه علينا من أخبار بني إسرائيل مع سيدنا موسى -عليه السلام- عندما أشرفوا على الدخول إلى الأرض المقدسة، وما دار بين سيدنا موسى -عليه السلام- وقومه من بني إسرائيل يقول – تعالى-« :(يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ البَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّى لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِى وَأَخِى فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ القَوْمِ الفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِى الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى القَوْمِ الفَاسِقِينَ»، [المائدة :21 : 26].وأجاب على تساؤل : ما دلالة الأربعين ؟، قائلاً: أن في هذه المدة سيمر جيل بأكمله في إثر جيل، وأصبح الجيل جديد تربى على الشهامة والقوة، فموسى لم ييأس بدأ بنفسه ثم بأخيه، وبدأ في التربية وصبر على ذلك أربعين سنة، حينئذ تكون الجيل والذي دخل الأرض المقدسة بعد ذلك مع نبي الله يوشع -عليه السلام-.وأفاد أن نفس المنهج في الصبر والتربية كان في النموذج المحمدي، فرسول الله ﷺ بدأ الدعوة وحده بمكة، ثم بدأ بالسيدة خديجة- رضي الله تعالى عنها-، ثم بعلي بن أبي طالب وكان في كنفه، وبدأ الدعوة من بيته، ثم أنذر عشيرته الأقربين، ثم أنذر أقربائه ومن حوله بالطائف، وبعد كل هذه المدة في مكة لم يسلم معه إلا نحو مائتي رجل، وفي المدينة لما ذهب بأولئك دخل الناس في دين الله أفواجا حتى رآهم يعينه في حجة الوداع أكثر من مائة ألف إنسان سوى الأعراب الذين في البادية، مائة ألف إنسان أسلم في عشر سنوات، و200 أسلموا في ثلاث عشرة سنة.واختتم أن رسول الله ﷺ يعلمنا كيف نبني الأجيال، وكيف نصبر على التربية والبناء، وكيف نحول الانكسار إلى انتصار، وكيف لا يحبط المسلم، بل يبدأ العمل من جديد، وكيف يكون الإنسان راعياً.
مشاركة :