إدارتها مهنة عريقة احترفتها عائلات

  • 5/15/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

منذ عقود بعيدة وطبق الفول‮ ‬يحظى بما‮ ‬يليق به من محبة واحترام في‮ ‬نفوس المصريين،‮ ‬فهو‮ ‬‮‬مسمار البطن‮‬‮ ‬بالنسبة للأغلبية العظمى من البسطاء والفقراء،‮ ‬إذ إن طبقاً‮ ‬واحداً‮ ‬في‮ ‬الصباح،‮ ‬كفيل بأن‮ ‬يسد المعدة طوال اليوم فلا تصرخ طالبة صاحبها بالطعام أو الشراب‮.‬ وينظر كثير من أساتذة التغذية إلى طبق الفول باعتباره أحد أهم الأطباق الرئيسية في‮ ‬حياة المصريين،‮ ‬فهو إلى جانب كونه من البقوليات الغنية بالبروتينات اللازمة لبناء خلايا الجسم،‮ ‬يحتوي‮ ‬على عنصر الحديد والأملاح المعدنية اللازمة لتجديد نشاط الإنسان،‮ ‬خاصة عند إضافة الملح والتوابل إليه،‮ ‬ويقول هؤلاء‮: ‬إن الفول بالنسبة للمصريين أفضل من اللحوم لاعتبارات عدة ليس من بينها فقط قدرته على خفض نسبة الكوليسترول في‮ ‬الدم،‮ ‬ومقاومة الإصابة بهشاشة العظام وأمراض القلب وتصلب الشرايين والسمنة،‮ ‬وإنما لأنه كان حتى وقت قريب طعام الفقراء الرئيسي،‮ ‬قبل أن تضر به موجة جنون الأسعار‮.‬ لا‮ ‬يخلو شارع في‮ ‬القاهرة،‮ ‬خاصة في‮ ‬أحيائها الشعبية العتيقة،‮ ‬من عربة فول‮ ‬يلتف عليها المصريون في‮ ‬الساعات المبكرة من الصباح،‮ ‬لتناول الطبق المفضل على الإفطار،‮ ‬مع بعض‮ ‬‮‬التحابيش‮‬‮ ‬اللازمة،‮ ‬في‮ ‬مشهد من النادر أن تجده في‮ ‬أي‮ ‬بلد آخر،‮ ‬يعكس إلى حد كبير مدى تعلق المصريين منذ قديم الأزل بالفول،‮ ‬وإبداعاتهم التي‮ ‬لا تنتهي‮ ‬في‮ ‬طهوه و‮‬تدميسه‮‬،‮ ‬فهو بالزيت الحار وبالزيت الحلو في‮ ‬الأحياء الشعبية العتيقة،‮ ‬وبزيت الزيتون أو بالثوم والبصل والصلصلة بالنسبة للأغلبية العظمى من المستورين،‮ ‬وبالكاري‮ ‬أو بالمشروم في‮ ‬الأحياء الراقية‮.‬ وتمر عملية تدميس الفول بمراحل عدة قبل أن‮ ‬يصل إلى عشاقه في‮ ‬صورته النهائية،‮ ‬لكن هذه الطرق تختلف فيما بينها،‮ ‬فطريقة الطهو في‮ ‬البيت،‮ ‬التي‮ ‬تبدأ من نقع الفول في‮ ‬الماء،‮ ‬ثم سلقه في‮ ‬قدر مملوء بالماء المغلي،‮ ‬وإضافة بعض العدس لتلوينه وقليل من البندورة لإكسابه اللون الأحمر الكهرمان،‮ ‬تختلف كثيراً‮ ‬عن الطريقة التي‮ ‬يستخدمها باعته المتجولون على عرباتهم،‮ ‬تلك العربات التي‮ ‬تحظى بالشهرة الأوسع بين مختلف الأطعمة التي‮ ‬يمكن أن تشاهدها في‮ ‬الشارع المصري‮.‬ وتحترف مهنة بيع الفول عائلات شهيرة في‮ ‬مصر،‮ ‬ربما كان من أشهرها عائلة التابعي‮ ‬التي‮ ‬تملك سلسلة ضخمة من المطاعم الفاخرة في‮ ‬منطقة وسط البلد،‮ ‬و‮‬الجحش‮‬‮ ‬في‮ ‬السيدة زينب التي‮ ‬تملك مطعماً‮ ‬كبيراً‮ ‬لبيع الفول المدمس‮ ‬يحمل اسم العائلة التي‮ ‬تفخر به كثيراً،‮ ‬مثلما تفخر بمطعمها الصغير الذي‮ ‬كان حتى ثلاثة عقود من الزمان إسطبلاً‮ ‬للحمير‮!‬ وتقبل آلاف من العائلات المصرية على الذهاب إلى مطعم‮ ‬‮‬الجحش‮‬‮ ‬لتناول أطباق الفول الشهي‮ ‬التي‮ ‬يعدها وبخاصة في‮ ‬رمضان،‮ ‬حيث‮ ‬يتسبب الزحام الشديد على المطعم الشهير في‮ ‬إغلاق الشارع المؤدي‮ ‬إليه تماماً‮.‬ ولا‮ ‬ينافس مطعم فول‮ ‬‮‬الجحش‮‬‮ ‬الكائن بالقرب من ميدان السيدة زينب ومسجدها الشهير في‮ ‬القاهرة،‮ ‬سوى مطعم‮ ‬‮‬البغل‮‬‮ ‬القريب من الميدان،‮ ‬والمطل على شارع خيرت،‮ ‬والغريب أن الفول الذي‮ ‬يقدمه المطعمان لزبائنهما تسبب قبل سنوات في‮ ‬أن تغلق سلسلة محال شهيرة أحد فروعها في‮ ‬المنطقة بسبب المنافسة الشديدة،‮ ‬بعد انصراف الزبائن عن هذا الفرع‮.‬ ورغم الانتشار الكبير لمحال بيع الفول في‮ ‬القاهرة،‮ ‬إلا أن العربات تفوز باكتساح كبير في‮ ‬المنافسة وبخاصة في‮ ‬الساعات الأولى من الصباح،‮ ‬حيث‮ ‬يفضل ملايين المصريين فول العربات نظراً‮ ‬لما‮ ‬يتمتع به من رخص السعر وجمال الطعم والشكل في‮ ‬آن،‮ ‬فضلاً‮ ‬عما توفره تلك العربات لروادها من مقبلات مجانية إلى جانب الطبق الرئيسي،‮ ‬وهي‮ ‬لا تزيد دائماً‮ ‬على تلال من الجرجير الأخضر والطرشي‮ ‬البلدي‮ ‬إلى جانب الفلفل الحار والزيت بنوعيه الحار والحلو‮.‬ وتبدأ عملية‮ ‬‮‬تكمير‮‬‮ ‬الفول الذي‮ ‬تقدمه العربات في‮ ‬المستوقد،‮ ‬بتجهيزه في‮ ‬قدر كبير وإضافة التوابل الخاصة به،‮ ‬قبل أن‮ ‬يتم إغلاق القدر بدقة لعدم مرور الهواء إلى داخله،‮ ‬وإرساله إلى المستوقد حيث تتم عملية الطهو على نار هادئة لمدة لا تقل عن ثماني‮ ‬ساعات ولا تزيد على اثنتي‮ ‬عشرة ساعة،‮ ‬حسب حالة النار في‮ ‬عملية‮ ‬‮‬التكمير‮‬‮ ‬يصبح بعدها الفول جاهزاً‮ ‬للتقديم‮.‬ وينتشر في‮ ‬منطقة‮ ‬‮‬الزرايب‮‬‮ ‬التابعة لحي‮ ‬القلعة في‮ ‬مصر القديمة،‮ ‬عدد من المستوقدات،‮ ‬وهي‮ ‬تلك المحارق البلدية التي‮ ‬يتم التخلص فيها من القمامة التي‮ ‬تقذف بها القاهرة‮ ‬يومياً‮ ‬بعد فرزها بواسطة عمال جمع القمامة،‮ ‬وفصل المواد الصالحة للاستخدام مرة أخرى منها،‮ ‬مثل الزجاج والبلاستيك والكرتون،‮ ‬حيث‮ ‬يتم حرق بقية المخلفات في‮ ‬هذه المستوقدات،‮ ‬حتى إذا ما هدأت النيران وتحولت هذه المخلفات إلى رماد،‮ ‬يتم دفن قدر الفول فيها وإغلاق المستوقد عليها،‮ ‬وهو ما‮ ‬يعرف في‮ ‬أوساط باعة الفول باسم‮ ‬‮‬التكمير‮‬‮.‬ ويقول‮ ‬‮‬بشندي‮‬‮ ‬وهو العامل المختص بتشغيل أحد هذه المستوقدات في‮ ‬منطقة‮ ‬‮‬الزرايب‮‬‮: ‬بعد أن تهدأ النار في‮ ‬المستوقد أقوم ب‮ ‬‮‬رص‮‬‮ ‬القدور بجوار بعضها بعضا،‮ ‬بعد أن‮ ‬يأتي‮ ‬بها أصحاب العربات من أجل عملية التدميس،‮ ‬ثم أقوم بإغلاق المستوقد حتى فجر اليوم التالي،‮ ‬ليتسلم كل‮ ‬‮‬معلم‮‬‮ ‬قدرته ويحملها على عربته ليبدأ عمله في‮ ‬أحد الشوارع أو الميادين‮.‬ لا تحتاج تجارة الفول المدمس في‮ ‬مصر إلى رأس مال كبير،‮ ‬إذ‮ ‬يصل سعر العربة المجهزة لحمل القدر والأطباق إلى ألف جنيه مصري‮ ‬أو‮ ‬يزيد قليلاً،‮ ‬لكنها تحتاج بالضرورة إلى خبرة في‮ ‬هذا المجال تمكن البائع من اختيار أفضل أنواع الفول للتدميس،‮ ‬حتى‮ ‬يتمكن من دخول حلبة المنافسة واجتذاب زبائن‮.‬ وتستورد مصر كميات كبيرة من الفول سنوياً،‮ ‬ويقول علي‮ ‬عبد الفتاح أحد تجار الفول في‮ ‬منطقة الساحل‮: ‬نحن نستورد تقريباً‮ ‬80٪‮ ‬من الفول من الخارج،‮ ‬فهناك‮ ‬‮‬الهورس بينز‮‬‮ ‬من إنجلترا،‮ ‬ونوع‮ ‬يدعى‮ ‬‮‬فسيتا فابا‮‬‮ ‬من أستراليا إلى جانب أنواع كثيرة من الفول الصيني‮ ‬ويدعى‮ ‬‮‬هيبي‮‬،‮ ‬لكن الفول المصري‮ ‬المزروع في‮ ‬البحيرة والنوع المكمور الذي‮ ‬يزرع في‮ ‬الصعيد‮ ‬يظل هو المفضل عند الأغلبية العظمى من المصريين رغم ارتفاع سعره‮.‬ ويعتمد كثير من باعة فول العربات على الغاز في‮ ‬طهو الفول خلال السنوات الأخيرة،‮ ‬بعد أن قررت وزارة البيئة إغلاق عدد من المستوقدات نظراً‮ ‬لما تسببه من تلوث في‮ ‬البيئة،‮ ‬ويقول محمد عبد الرحمن أحد بائعي‮ ‬الفول في‮ ‬منطقة عابدين‮: ‬الأمر‮ ‬يتوقف على المهارة في‮ ‬الطهو،‮ ‬وتجهيز القدر قبل وضعه على النار حتى‮ ‬يخرج الفول في‮ ‬النهاية كامل الطهو شهي‮ ‬الرائحة والطعم‮.‬ وتحقق عربة الفول الواحدة دخلاً‮ ‬يومياً‮ ‬يتراوح بين خمسين ومئة جنيه،‮ ‬لكن نصف هذا الدخل تقريباً‮ ‬يضيع في‮ ‬تجهيز القدر لليوم التالي‮ ‬بعد الارتفاع الكبير والجنوني‮ ‬في‮ ‬أسعار الفول البلدي،‮ ‬ويقول صبحي‮ ‬الذي‮ ‬يملك عربة فول في‮ ‬منطقة الناصرية القريبة من ميدان السيدة زينب‮: ‬المستورد أسهل وأرخص لكن البلدي‮ ‬أفضل في‮ ‬الطعم وأغلى سعراً،‮ ‬وأنا أحرص على شرائه حتى لا تهرب مني‮ ‬زبائني،‮ ‬ويقول صبحي‮: ‬حتى وقت قريب كنت أذهب بقدر الفول إلى المستوقد القريب من بيتي،‮ ‬لكن بعد إغلاق المستوقد أصبحت أعتمد على الغاز في‮ ‬طهو الفول،‮ ‬وبإضافة القليل من العدس والأرز‮ ‬يخرج أشهى طعماً‮ ‬من دون الحاجة للذهاب الى ‮‬مستوقد‮‬‮ ‬بعيد‮.‬

مشاركة :