دعم إسرائيل عقيدة راسخة لدى الإنجيليين الأميركيين

  • 11/21/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

شكل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخير بشأن الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، تغييرا جذريا للسياسة الأميركية في المنطقة قد يقبر جهود عملية السلام، لكنه حقق ما تمناه المسيحيون الإنجيليون، الذين يؤيدون بشكل مطلق سياسات إسرائيل ويدعمون توجهاتها بخلفية عقائدية. نيويورك - استجاب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخير بشأن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لرغبات المسيحيين الإنجيليين الداعمين بشكل مطلق لإسرائيل. وهي الفئة الأكثر ميلا تجاه إسرائيل من باقي الأميركيين، من المسيحيين البروتستانت والكاثوليك والعلمانيين. واعتبر العديد من الملاحظين القرار بمثابة مغازلة لهاته الفئة التي تدعم سيطرة إسرائيل على القدس وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، كما تقف إلى جانبها في نزاعاتها مع الشرق الأوسط، أكثر من المسيحيين الكاثوليك والبروتستانت والعلمانيين. ومن المتوقع أن يقوي القرار الذي اتخذته الإدارة الأميركية ويدعم عمليا بناء إسرائيل لمستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، وهو قرار طالما تمناه المسيحيون المحافظون، من قاعدة المؤيدين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين أوساط الإنجيليين لدى سعيه لإعادة انتخابه في 2020 حسبما ذكر مسؤول بارز في مجموعة إنجيلية استشارية للرئيس. التدبير الإلهي كشفت دراسات بحثية أن السبب الرئيسي وراء حب المسيحيين الإنجيليين لليهود وتأييدهم لإسرائيل له جذور عميقة في معتقداتهم، حيث لديهم تعاليم تسمى “التدبير الإلهي”. وبحسب هذه التعاليم التي ظهرت في إنكلترا في بداية القرن التاسع عشر، فإن التاريخ الإنساني ما هو إلا سلسلة من سبع فترات أو مراحل، والتي تعامل الله فيها مع الإنسان بشكل مختلف. الفترة الأولى هي ما قبل نزول آدم إلى الأرض والتي تعتبر عصر البراءة، والفترة الثانية هي من آدم إلى نوح وهي عصر الضمير، والثالثة هي الفترة من نوح إلى إبراهيم وهي عصر الحكومة، ثم الفترة الرابعة وهي من إبراهيم إلى موسى وهي عصر النظام الأبوي. قرار ترامب كان بمثابة مغازلة للمسيحيين الإنجيليين الذين يدعمون سيطرة إسرائيل على القدس وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، ويقفون إلى جانبها في نزاعاتها في الشرق الأوسط، أكثر من المسيحيين الكاثوليك والبروتستانت والعلمانيين أما الفترة الخامسة فهي من موسى إلى عيسى وهي عصر الحكم الموسوي، ثم المرحلة السادسة وهي من عيسى حتى وقتنا هذا وهو عصر النعمة الإلهية، وأخيرا تتمثل المرحلة السابعة في المرحلة التي سيعود فيها المسيح ليحكم العالم. ويعتقد معتنقو “التدبير الإلهي” أن اليهود هم شعب الله المختار. وعندما تأتي فترة حكم المسيح لا بد أن يكون اليهود يعيشون في إسرائيل وعاصمتها القدس، حين سيعود الهيكل للظهور في وقت معركة “هرمجدون”. وأكد باحثون مختصون أن القساوسة الإنجيليين والأصوليين يقومون بكل حماسة بتعزيز فكرة الموالاة ودعم إسرائيل. فقد قاموا بتأييد إسرائيل من خلال ترانيمهم التي يتلونها في الكنيسة أكثر من البروتستانت والكاثوليك العاديين. ويوضح جيمس غث أستاذ العلوم السياسية بجامعة فيرمان أن الإنجيليين الذين يحضرون إلى الكنيسة بانتظام ويسمعون تلك الترانيم كانوا أكثر ميلا إلى تأييد إسرائيل أكثر من قرنائهم الذين لا يحضرون بانتظام. وفي الوقت نفسه، كانت هناك كتب مسيحية شعبية تقوي من موقف هؤلاء القساوسة. فعلى سبيل المثال احتوى كتاب للكاتب هال ليندسي على تعاليم “التدبير الإلهي” والمراحل السبع التي تتحدث عنها هذه التعاليم، كما شرح معركة “هرمجدون” وقضية حماية اليهود وإسرائيل. وهناك أيضا مصدر ثالث لدعم إسرائيل وهو المنظمات الإنجيلية الموالية لإسرائيل والتي من بينها “جسور من أجل السلام” و”السفارة المسيحية الدولية” التي تأسست في 30 سبتمبر 1980 في القسم الغربي من مدينة القدس ردا على القرار الذي اتخذته 13 دولة آنذاك والقاضي بنقل سفاراتها من القدس إلى تل أبيب، و”مؤتمر القيادة المسيحية القومي من أجل إسرائيل”. وكشفت دراسة حديثة حول الجماعات البروتستانتية السائدة مثل المجلس القومي للكنائس ومجلس الشرق الأوسط للكنائس أن هذه الجماعات لها مواقف مختلفة تماما تجاه إسرائيل، فعلى سبيل المثال رفض المجلس القومي للكنائس تأييد إسرائيل في حرب الأيام الستة في 1967، وعلى الفور بدأت في معارضة التوسع الإسرائيلي عقب نصرها. وفي عام 2004 قررت الكنيسة البروتستانتية دراسة عرض لتحويل استثماراتها من الشركات التي تقيم نشاطا اقتصاديا مع إسرائيل. وأثار إعلان إدارة ترامب الاثنين أن المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة “لا تخالف القانون الدولي”، في تراجع عن سياسة أميركية دامت أربعة عقود تقريبا، إدانة من الفلسطينيين والحكومات العربية، لكنه قوبل بإشادة من الإنجيليين الذين يشكلون جزءا مهما من قاعدته الانتخابية. روابط عميقة وثق ترامب بالفعل روابطه مع جمهور الناخبين الموالين لإسرائيل بالاعتراف بالقدس عاصمة لها في 2017 ونقل السفارة الأميركية للمدينة المقدسة في 2018 ثم الاعتراف بضم إسرائيل لهضبة الجولان التي استولت عليها من سوريا في 1967. ويحظى الرئيس ترامب بدعم كبير من طائفة الإنجيليين، فحين صعد الشهر الماضي إلى المنصة في مؤتمر ضخم من تنظيم “ائتلاف الإيمان والحرية”، أكبر منظمة للمسيحيين الإنجيليين في البلاد، نال ترحيبا استثنائيا من رئيس المجموعة رالف ريد. إذ قال ريد للجمهور “لقد كان لدينا بعض القادة العظماء، ولكن لم يكن هناك من دافع عنَّا، وحارب من أجلنا، وأحببناه أكثر من دونالد ترامب. لقد رأينا جوهره، فوجدنا فيه كل ما وعد به وأكثر”. ويقول مايك إيفانز مؤسس جماعة (متحف أصدقاء صهيون) في القدس والذي يقيم بولاية تكساس الأميركية إن الإنجيليين لم يشعروا بالحاجة إلى القيام بحملة لحث إدارة ترامب على خطوتها المتعلقة بالمستوطنات، وهي إحدى القضايا الجوهرية في صراع الشرق الأوسط، على عكس حملتهم الدؤوب لتهيئة الأجواء للخطوات المتصلة بالقدس. وأضاف إيفانز لرويترز في نيويورك “لم تكن هناك فعليا حملة ضغط من أجل تغيير تلك السياسة لأنه (ترامب) يعرفنا.. يعرف معتقداتنا”. لكن يعرف عن صناع السياسات الأميركية على نطاق واسع تشاورهم المنتظم مع القيادات الإنجيلية وبعض اليهود الأميركيين المناصرين لإسرائيل في رسم سلسلة من المبادرات الموالية لإسرائيل والتي أسعدت أغلب الإسرائيليين لكنها أغضبت الفلسطينيين منذ تولي ترامب السلطة في 2017. غير أن من شأن الخطوة الأخيرة أن تقوض جهود ترامب لحل الصراع عبر خطة للسلام يجري العمل عليها منذ أكثر من عامين لكنها أثارت شكوكا واسعة النطاق حتى قبل الكشف عنها. وقال إيفانز، وهو مستشار غير رسمي وعضو في جماعة (مبادرة الإيمان) التي أطلقها ترامب، إنه علم مسبقا بالإعلان الأخير وأطلعه عليه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عقب الكشف عنه مباشرة في واشنطن. مصالح الأمة المسيحية كان ترامب قد تطرَق لدى حضوره مؤتمر “ائتلاف الإيمان والحرية” إلى التخوُّف الرئيسي للإنجيليين البيض من أنهم يفقدون نفوذهم كمجموعة، وأن الشمس تغرب عن الولايات المتحدة التي يحلمون بها في صورة أمة بيضاء مسيحية في أغلبيتها وفي جوهرها. وكان جون فيا، أستاذ التاريخ في كلية المسيح ببلدة ميكانيكسبورغ بولاية بنسلفانيا الأميركية، ومؤلف كتاب “الطريق الإنجيلي إلى دونالد ترامب”، قد قال “سيتجاهلون طيشه الأخلاقي من أجل وضع أجندتهم السياسية في مكانها… يُريدون استعادة وتجديد وإحياء ما يعتقدون أنَّه كان ثقافة مسيحية، وأميركا المسيحية التي فقدوها”. وأضاف فيا أن دور ترامب المُتصور في تحقيق هذا الحلم، يفوق تأنيب الضمير لدى الكثير من الناخبين المتديِّنين بسبب مزاعم “اعتداءات ترامب الجنسية أو زيجاته المتعددة أو عبادته المال”. وتابع فيا “لا يرون في هذا نفاقا على الإطلاق. إنَّهم يعتقدون أن ترامب معين من الله للحظة مثل هذه. وهم يعتقدون أن الله يستخدم الناس الفاسدين، هناك أمثلة في الكتاب المقدس على هذا، لذا يستدعون هذه الآيات. إنهم يعتقدون حقا أنَّ الله يُدبِّر الأمور بطرق غامضة، وأنَّه يستخدم شخصا مثل دونالد ترامب لإنجاز إرادته”. لكن بعض الإنجيليين يذهبون إلى أبعد من ذلك، إذ لم يعودوا يرون مثل هذا الصراع، لأنهم يعتقدون أن ترامب لم يَعد شخصا فاسدا، بل صار يتمتَّع بنوع من اليقظة الروحية منذ ترشحه للرئاسة. وقالت نانسي ألين، وهي سيدة متقاعدة تُواظِب على الحضور في كنيسة معمدانية كبيرة في ولاية كارولاينا الشمالية، وألفت كتاب “انتخاب رئيس الشعب، دونالد ترامب”، “لقد تغيّر دونالد ترامب. أؤمن بهذا من كل قلبي، لقد تغيَر. لم يدخل علاقات جنسية أخرى. إنه الآن ليس مثاليا، لكن لا يوجد شخص مثالي. نحن نعلم أن قلبه تغير، وأنه يحترم معتقداتنا وقيمنا. وأعتقد أن لديه بعض المعتقدات والقيم نفسها”. وقال فيا إن الدعم بين الإنجيليين البيض لترامب أظهر صلابة شديدة خلال أكثر اللحظات إثارة للجدل في فترة رئاسته، مُضيفا “أعتقد أن الأمر المثير هنا هو أنه إذا كان هناك جدل، حول اتهامه بالاعتداء الجنسي، أو الصور المفجعة لأطفال يُفصلون عن والديهم على الحدود ويُحتجزون في ظروف مروعة، أو أي من الأمور الأخرى المثيرة للجدل التي رأيناها، فإنه لم ينجح في هزّ الدعم الإنجيلي الأبيض للرئيس”. وتعتمد خطة ترامب للحفاظ على الناخبين الإنجيليين في عام 2020 على تصويره في صورة “بطل للقضايا المحافظة اجتماعيا، وتحذير الناخبين الإنجيليين من أن هزيمته يُمكن أن تُدمِّر التقدُّم الذي أحرزه”. ويحرص المسيحيون الأصوليون، وهم الصهاينة الأوائل، على تأييد إسرائيل لاعتقادهم بأنها ستكون المكان الذي سيعود فيه المسيح. ففي عام 1878، قام وليام بلاكستون المسيحي الأصولي ومؤلف كتاب “المسيح قادم” بكتابة مذكرة تُطالب بإقامة دولة يهودية في فلسطين. خطة ترامب يشكل الناخبون الإنجيليون قاعدة أساسية لترامب منذ انتخابات 2016، كما أن الكثير منهم مناصرون متحمسون لإسرائيل إذ يشعرون برابط ديني مع الشعب اليهودي والأراضي المقدسة. وللضفة الغربية أهمية خاصة عند الإنجيليين الذين يرون تدخلا ربانيا في عودة اليهود في العصر الحديث إلى وطن مذكور في الكتاب المقدس ويطلقون على الضفة الغربية يهودا والسامرة، وهو الاسم العبري الوارد في العهد القديم. ويريد الفلسطينيون الضفة الغربية جزءا أساسيا من دولتهم المستقبلية. وفي مقابلة في إسرائيل في مارس الماضي علق بومبيو على السياسات التي قرر ترامب انتهاجها حيال إسرائيل بالقول “الرب كان يعمل هنا”. وبومبيو نفسه من الإنجيليين هو ومايك بنس نائب الرئيس. ونفى مسؤولون أميركيون أن يكون توقيت الإعلان مقصودا لمساعدة رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتنياهو الذي يكافح بجهد جهيد للاحتفاظ بالسلطة بعد عمليتين انتخابيتين لم تسفرا عن نتائج حاسمة ويواجه ملاحقة قضائية محتملة تتعلق باتهامات بالفساد ينفيها عن نفسه. وقال شخص مطلع إن القرار الأميركي بشأن المستوطنات كان “قيد الإعداد منذ فترة طويلة” وصدر فور اكتماله. لكن إيفانز يقول إن ترامب يحاول في ما يبدو إعطاء دفعة لنتنياهو. وقال “يثق دونالد ترامب في بنيامين نتنياهو وهناك تفاهم قوي بينهما… كان يرسل بإشارة”. ولدى سؤاله عن احتمالات إعادة انتخاب ترامب نفسه قال “لدي 68 مليون متابع على فيسبوك. عندما يبارك الرئيس إسرائيل يشعرون بقوة أن الرب سيبارك لنا… لن يحصل على 90 بالمئة، بل سيحصل على مئة بالمئة من هذه القاعدة الانتخابية”. ونقلت شبكة البث المسيحية عن جاك غراهام راعي كنيسة بريستونوود المعمدانية في بلانو بولاية تكساس، والتي يفوق عدد رعاياها 40 ألفا، قوله إن إدارة ترامب “أوضحت مرة أخرى سبب تأييد المسيحيين الإنجيليين الراسخ لها”. ويمكن أيضا للإعلان المتعلق بالمستوطنات أن يساعد في إرساء جزء من الإطار القانوني لخطة السلام التي يعدها ترامب والتي عبّر بومبيو عن أمله في أن تخرج للعلن “بعد فترة ليست طويلة” من تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة. وعلى الرغم من أن تفاصيل خطة السلام تلك بقيت طي الكتمان، من المتوقع على نطاق واسع أن تدعو لاحتفاظ إسرائيل بالأغلبية العظمى من مستوطناتها. وأغلب المجتمع الدولي يعتبر تلك المستوطنات غير قانونية، وهو ما ترفضه إسرائيل. لكن مسؤولا أميركيا قال لرويترز “يجب عدم تفسير أي شيء في القرار (الخاص بالمستوطنات) على أنه عرض تمهيدي لمضمون رؤية البيت الأبيض للسلام”.

مشاركة :