المستوطنات تحصيل حاصل فماذا عن غور الأردن

  • 11/22/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يمهد قرار الإدارة الأميركية الاعتراف بالمستوطنات الطريق أمام إسرائيل لضم منطقة غور الأردن التي تشكل نحو ثلث مساحة الضفة الغربية، وهو ما سيعني إنهاء حلم الفلسطينيين بقيام دولة مستقلة خاصة بهم، في حال تحقق. وعمليا، نحو 85 بالمئة من مساحة غور الأردن الممتدة من بحيرة طبريا في الشمال وحتى البحر الميت، خاضعة للسيطرة الإسرائيلية. ولا يسمح للفلسطينيين بدخول هذه المنطقة تحت ذرائع مختلفة. وبالتالي فإن ضمّها مسألة وقت تحدّده السلطة السياسية في إسرائيل، بناء على الظروف الدولية، والأوضاع الداخلية، التي يبدو أنها مواتية اليوم. ويعتقد قادة إسرائيل، وحتى المعارضة، أنه من الأفضل استغلال وجود الإدارة الأميركية الحالية لتمرير هكذا مشروع استراتيجي بالنسبة إليهم، وسط ترجيحات بأن ذلك سيتم خلال أقل من عام، ارتباطا بانتهاء الأزمة السياسية الداخلية (في علاقة بالشلل الحكومي)، وأيضا بالانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجرى في نوفمبر 2020، ويخشى من أن تأتي رياحها بما لا تشتهيه السفينة الإسرائيلية. وسبق أن صرح زعيم تحالف أزرق أبيض بيني غانتس، الذي فشل مؤخرا في تشكيل حكومة إسرائيلية، ردا على سؤال بشأن موقفه من دعم ترامب لمنافسه نتنياهو على خلفية اعترافه بالضم الإسرائيلي للجولان قبيل انتخابات أبريل الماضي، بأن لا مشكلة لديه، طالما أن ذلك يخدم مصلحة إسرائيل. وحصدت إسرائيل في الفترة الأولى من رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة وفي حيز زمني ضيق، مكاسب لم يكن أحد يتوقعها، بدءا باعتراف الرئيس الأميركي بالقدس عاصمة لها في ديسمبر من عام 2017، ثمّ نقل السفارة الأميركية إلى المدينة، التي يعتبر الفلسطينيون شطرها الشرقي عاصمة لدولتهم الموعودة، في أبريل 2018، ثم اعتراف واشنطن في مارس الماضي بهضبة الجولان السورية أرضا إسرائيلية، وأخيرا وليس آخرا القرار الذي أعلن على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو، الاثنين الماضي، بالاعتراف بالمستوطنات الإسرائيلية القائمة في الضفة الغربية. وواضح من خلال هذا التمشي أن إدارة ترامب، وبتوافق مع الإسرائيليين، تعمل على تفكيك أسس السلام القائمة، لخلق وضع جديد يتماهى وما تصبو إليه إسرائيل سواء على صعيد توسيع نطاق حزامها الأمني وأيضا احتكار أكثر ما يمكن من مقدرات الفلسطينيين. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في كلمة مصورة له، نشرها على موقعه الرسمي على تويتر بعد ساعات من الاعتراف الأميركي بالمستوطنات، إن “القرار التاريخي من الإدارة الأميركية يتيح لنا فرصة فريدة لتحديد الحدود الشرقية لإسرائيل وضم غور الأردن”. وسبق أن تعهد نتنياهو في حملته الانتخابية الأخيرة في سبتمبر الماضي بضم غور الأردن في حال نجح حزبه الليكود (يمين) في حصد أغلبية مريحة من مقاعد الكنيست الـ120، وتولى مجددا رئاسة الحكومة. وتجاوز نتنياهو هذه المرة مجرد التلويح بالسير في هذا الخيار الذي يعني إنهاء فرص التفاوض على خيار حل الدولتين مع الفلسطينيين إلى خطوة عملية ترجمت في موافقته على تفعيل مشروع قانون بشأن المنطقة. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن رئيس الوزراء المنتهية ولايته وافق على تفعيل مشروع قانون حول ضم غور الأردن، بُعيد إعلان واشنطن عن قرارها الجديد بشأن المستوطنات والذي تتواصل التنديدات الدولية والإقليمية به دون أن يكون لها في واقع الأمر أي أثر. ونقلت صحيفة جيروزاليم بوست، عن العضو الكنيست في حزب الليكود شارين هاسكل، التي قدمت نص المشروع، أن “القانون يحظى بالدعم الكامل من رئيس الوزراء”، داعية إلى إعفاء مشروعها من فترة الانتظار الإلزامية، التي تبلغ ستة أسابيع، ليصبح من الممكن التصويت عليه الأسبوع المقبل. وحثت هاسكل نواب أحزاب أزرق أبيض وإسرائيل بيتنا والعمل -غيشر لدعم جهود الليكود لتمرير مشروع القانون قائلة “هذا المشروع المهم سيحصل على أغلبية 80 صوتا في الكنيست”. ووفق جيروزاليم بوست، ستصوت اللجنة التنظيمية في الكنيست، التي يترأسها النائب عن تحالف “أزرق أبيض” أفي نيسنكورن على المشروع. ولا يخلو عرض هذا المشروع في هذا التوقيت أيضا من حسابات سياسية تتعلق بنتنياهو المحاصر بقضايا فساد، والذي يجد في ضم غور الأردن هدية ثمينة يمكن أن يسوقها لناخبي الليكود، خاصة وأن البلاد تسير نحو انتخابات جديدة مُتوقع إجراؤها في مارس المقبل، حيث من المستبعد أن يصل أعضاء الكنيست إلى اتفاق بشأن ترشيح أحدهم لتشكيل حكومة تنهي الأزمة الداخلية التي تعصف بالبلاد منذ العام 2018. وفي سابقة من نوعها في تاريخ إسرائيل، طالب الرئيس رؤوفين ريفلين، الخميس، من الكنيست ترشيح نائب قادر على تشكيل حكومة لتجنب إجراء انتخابات، بعد إعلان غانتس عن فشله في هذه المهمة سبقه في ذلك نتنياهو، وسط توقعات ضعيفة بإمكانية نجاحه (الكنيست) وأن التوجه الاقرب يبقى الذهاب في خيار حله وإجراء انتخابات. ويدرك الليكود أنه حتى أشرس منافسيه لن يكون لهم القدرة على الاعتراض على توقيت ضم غور الأردن، لأن ذلك سيجعلهم في مواجهة مع الجمهور الإسرائيلي بمختلف تلويناته وتوجهاته، كما أن هذا الهدف كان في صلب اهتمامات الحكومات المتعاقبة منذ عقود. وبالتالي فإن التقاط هذه الفرصة ليس محل تفكير أو جدال، بغض النظر عن الطرف السياسي الأكثر استفادة. واحتلت إسرائيل الضفة الغربية بما في ذلك غور الأردن، إلى جانب القدس الشرقية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان السورية، في حرب يونيو عام 1967. ويشكل غور الأردن أهمية استراتيجية بالنسبة إلى إسرائيل، حيث يقع ضمن مجال أطول حدود لإسرائيل مع دولة عربية أي الأردن الذي كان الغور تحت سيادته قبل عام 1967. وبالتالي فإن السيطرة عليه ضرورة أمنية وفق وجهة النظر الإسرائيلية. ويلقب غور الأردن بسلة الغذاء الفلسطينية، بالنظر إلى خصوبة أراضيه، واحتوائه على موارد مائية ضخمة ممثلة في نهر الأردن، والعديد من الآبار الجوفية. وتضع إسرائيل نصب أعينها هذه الموارد في ظل فقر مائي تعاني منه كامل المنطقة. ويتوقع، بحسب الدراسات، أن يتفاقم خلال العقود المقبلة. ولن يؤثر ضم إسرائيل لغور الأردن فقط على الفلسطينيين الذين سيجدون أنفسهم محشورين في مساحة تقل عن 40 بالمئة من المساحة الجملية للضفة الغربية، مقسمة إلى عدة كانتونات -في ظل انتشار المستوطنات- وفقيرة من حيث الموارد الطبيعية، بل أيضا على الأردن الذي سيجد نفسه في وضع خطير لجهة خشيته من تحويل إسرائيل لمجرى نهر الأردن، وهو الذي يعاني من شح خطير في المياه، ويصنف من بين الدول الأكثر فقرا مائيا. وليس هذا فقط ما يقلق الأردن بل أيضا هذه الخطوة ستعني تهجير الفلسطينيين الموجودين في المنطقة ويقدر عددهم بنحو 65 ألف، حسب آخر الإحصائيات. والمعضلة الأكبر هي نسف خيار دولة فلسطينية، لصالح صيغ أخرى ترتبط بالأردن، وهذه المسألة ستؤثر بشكل مباشر على الأخير. وسبق أن حذر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الموجود حاليا في الولايات المتحدة، من تداعيات “كارثية” في حال أعلنت إسرائيل ضم غور الأردن، مشيرا إلى أن “الخطوة سيكون لها أثر مباشر على العلاقات بين الأردن وإسرائيل، ولن يوفر ذلك الظروف المناسبة لإعادة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات”.

مشاركة :