تعقد جامعة الدول العربية اجتماعًا طارئًا على مستوى وزراء الخارجية العرب، الاثنين المقبل في القاهرة، بناءً على طلب دولة فلسطين، لمناقشة الموقف الأمريكي الجديد من المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي اعتبرتها واشنطن أنها لا تخالف القانون الدولي، فيما يمكن وصفه بأنه المسمار الأخير في نعش عملية السلام المتعثرة أصلًا منذ سنوات. موقف واشنطن الجديد يعد تراجعًا كبيرًا عن سياسة أمريكية دامت عقودا، اعتبرت خلالها المستوطنات غير قانونية وتعيق عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتتعارض مع حل الدولتين، بل تجعل عمليه السلام بلا جدوى، فالفلسطينيون لن يجدوا ما يتفاوضون عليه ولن يحصلوا على أرضهم مقابل إنهاء الصراع وإقرار السلام، وإنما ستتبقى لهم أجزاء متفرقة من أراض محاطة بمستوطنين إسرائيليين مدججين بالسلاح. ويأتي الموقف الأمريكي في سياق خطوات مماثلة متتالية في انحيازها لدولة الاحتلال على حساب الحقوق الفلسطينية المشروعة، سبق واتخذتها إدارة الرئيس ترامب، حيث اعترفت بالقدس المحتلة عاصمة للدولة العبرية في عام 2017 ، ونقلت بالفعل السفارة الأمريكية للمدينة المقدسة في عام 2018، ثم اعترفت بضم إسرائيل لهضبة الجولان التي استولت عليها من سوريا في 1967. ويعتقد كثير من المراقبين أن القرار الأمريكي بـ”شرعنة المستوطنات” غزل ترامبي لكتلة كبيرة ومنظمة من الناخبين الأمريكيين، عمادها جماعات الضغط الموالية لإسرائيل وأبرزها “إيباك”، واليمين الأمريكي الذي يتبنى أفكارًا متشددة تتلاقى كثيرًا مع اليمين الإسرائيلي تحت مظلة الأطروحات الصهيونية، حيث تبدو حاجة ترامب ملحة لدعم هذه الكتلة في ظروفه الحالية والانتخابات المقبلة، خاصة مع تزايد دعوات وأنشطة عزلة من منصبه، بعد الاتهامات الأخيرة الموجهة إليه بشأن الضغط على الرئيس الأوكراني فلاديمير زلنسكي، لإجراء تحقيق بخصوص عائلة جو بايدن المرشح الديمقراطي والمنافس المحتمل لترامب في انتخابات 2020 الرئاسية. وأيضًا يأتي توقيت القرار الأمريكي مقصودًا لمساعدة رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتنياهو، الذي يكافح بجهد جهيد للاحتفاظ بالسلطة بعد عمليتين انتخابيتين لم تسفرا عن نتائج حاسمة، ويواجه ملاحقة قضائية محتملة تتعلق باتهامات بالفساد، مما يجعل شرعنة المستوطنات قرارًا يرفع تصب أسهمه، باعتبار الأحلام الإسرائيلية تتحقق في عهده، وبفعل علاقات قوية تجمعه بالإدارة الأمريكية. غير أنه في المقابل، شرعنة المستوطنات تدمر خطط ترامب لإنجاز اختراق تاريخي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، عبر مبادرة للسلام “صفقة القرن” التي يجري العمل عليها منذ أكثر من عامين، وتنتظر تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة لترى النور، لكن”الصفقة” في ظل المواقف الأمريكية الجديدة أثارت شكوكًا واسعة النطاق حتى قبل الكشف عنها.
مشاركة :