* بداية كيف ترى القرار السعودي بالاعتذار عن العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن؟ ** هذا القرار مهم للغاية، وجاء في توقيت مهم، وقد لاقى ترحيبًا واسعًا في كثير من الدوائر السياسية، وإذا تحدثنا عن الشعب الفلسطيني فهو يرى فيه موقفًا صحيحًا وشجاعًا في نفس الوقت، وعلى المستوى العربي نجد أن العرب يقفون مع هذا القرار التاريخي، أمّا على مستوى العالم هناك الكثير من الدول والشعوب التي ترى فيه تحركًا وإنصافًا لقضايا مظلومة نتيجة لاستعمال حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن بشكل مجحف وخطير، فلا يتناسب استعمال الفيتو مع ما هو مناط به مجلس الأمن بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. ولذلك فإن القرار السعودي يشكل وقفة من قبل دولة رزينة تدرس أمورها بشكل جيد، ولها دور كبير ومكانة على المستوى العالمي، وتساهم في أمن واستقرار ليس المنطقة فحسب، وإنما أيضًا استقرار العالم، فمجلس الأمن ومن خلال الولايات المتحدة الأمريكية لم يستطع اتخاذ قرار منصف بسبب الفيتو الأمريكي الذي استعمل 42 مرة لحماية إسرائيل وعدوانها ضد الشعب الفلسطيني، وكان العرب في حالة غياب دائم، ونجد المملكة على مستوى قيادي ممثلًا في خادم الحرمين الشريفين عندما قابل الرئيس الأمريكي جورج بوش منذ سنوات عرض عليه أفلامًا تصوّر ما يجري في فلسطين، ولم ينقص الولايات المتحدة معلومات عن الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني. * وهل تعتبر موقف المملكة ربيعًا جديدًا ضد النظام الدولي؟ ** لا شك أن المملكة أطلقت شرارة وموقفًا شجاعًا إزاء مجلس الأمن، وهناك من الدول ما تتخذ من موقع العضوية في مجلس الأمن مجرد عضوية شرف، أو ديكور، لكن المملكة تأخذ هذه العضوية على محمل الجد، من منطلق القيام بالواجبات فيما يخص العالم، وبالتالي من الإنصاف أن أطالب بحقوقي، وهذا بدوره يعيدنا إلى الحديث الذي كررته مرارًا بأننا والولايات المتحدة الأمريكية أصدقاء لكن هناك خلل في العلاقة، وهذه الصداقة يجب أن تكون باتجاهين «واجبات» و»حقوق»، فلا يجوز أن نقدم الواجبات والجانب الآخر لا يدفع شيئًا، بل ويقف ضد مصالح الأمة العربية في أعز مقدساتها ألاّ وهي قضية القدس، وأشدد هنا على أن إسرائيل إذا كانت تظن أنها يمكن أن تهود القدس، فإنها واهمة تمامًا، ومن يدعون ذلك فهم من القيادات المغرورة التي يسيطرعليها هوس القوة والمنطق الخاطئ، لذلك فإن الموقف السعودي الآن سيحرك المجتمع الدولي في اتجاهات كثيرة، وعلى الولايات المتحدة بالدرجة الأولى -ولأن مجلس الأمن على أراضيها- وهي دولة عظمى ودائمة العضوية أن تتلقى هذه الرسالة من الأصدقاء قبل الأعداء حتى تكون هناك علاقات عربية - أمريكية سوية لابد أن تكون على مبدأ الشفافية والمساواة والحديث عن المصالح المشتركة. * هذا الأمر يقودنا إلى أهمية إصلاح مجلس الأمن وأجهزة الأمم المتحدة في ظل المتغيرات العالمية والإقليمية؟ ** هذا مطلب لابد من تحقيقه، لأن العالم يتحدث بصراحة تامة عن سياسة الكيل بمكيالين وكل القوى التي لديها حق النقض «الفيتو» تعطل ما تريد في أي موضوع، وبالتالي لا يجوز أن يكون هناك نظام مختل في مجلس الأمن، وهو المسؤول بشكل أساس عن حفظ السلم والأمن الدوليين، ونحن لا نريد كثيرًا من المآسي التي تتعرض لها الشعوب، وذلك لأن مجلس الأمن معطل بما يسمى حق النقض «الفيتو» . * بعيدًا عن القضية الفلسطينية نجد أيضًا مجلس الأمن لم يقم بدوره إزاء الأزمة السورية، وكذلك ملف إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، فما تعليقك؟ ** بالفعل فما يحدث في قضية نزع السلاح النووي والكيل بمكيالين في هذا الملف، خاصة وأن دولاً كثيرة تعرف أن إسرائيل تملك هذا السلاح بل وقدمت لها مواد تساعد في الحصول على أسلحة ذرية وكيماوية، لكن عندما يعرض هذا الموضوع أمام المحافل الدولية نجده يقابل بالكيل بمكيالين، فيما نجد إيران مثلا تعاقب، والعراق ضربت، ولا نسمع كلمة واحدة بشكل شفاف، علمًا بأن هذه الأسلحة الموجودة في إسرائيل هي خطر على إسرائيل، والعرب، والعالم، فليس من مصلحة أحد ألا تكون هناك شفافية، والعرب بدأوا في إنشاء منطقة منزوعة السلاح في الشرق الأوسط من خلال نداء وتحرك أطلقوه عام 1995 في الذكرى الـ50 لتأسيس الجامعة العربية، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن ونحن نواجه بموقف أقل ما يقال فيه إنه موقف غير مسؤول تجاه هذا الملف، وهناك أصوات إسرائيلية أيضًا بدأت تتحدث عن أهمية إخلاء المنطقة المنطقة من أسلحة الدمار الشامل. * إزاء الفيتو الأمريكي وفشل مجلس الأمن في التعامل مع القضية الفلسطينية، تتواصل أيضًا عمليات التهويد الإسرائيلية في الأراضي المحتلة كما نجد حديثًا ومفاوضات بين الجانبين الفلسطييني والإسرائيلي، هل ستكون هذه المفاوضات هي الفرصة الأخيرة بين الجانبين؟ ** اعتقد بالفعل أنها ستكون الفرصة الأخيرة، وأرى أننا في لحظات حرجة في تلك المفاوضات، وما يتسرب من قبل الجانب الإسرائيلي، وما تصرح به قياداتها، وما يتلاعب به رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتحويل قضية السلام إلى قضية دعائية، تكشف أنه ينفذ على الأرض عكس ما يتحدث عنه، والعرب يعرفون ذلك، والفلسطينيون يعايشون ذلك، وللأسف الصمت الدولي ومن قبل الدول المعنية غريب ومستهجن، وبالتالي فإن المفاوضات فرصة أخيرة لأن الشعب الفلسطيني وصل إلى الحافة. وأنبه في هذه المناسبة إلى أننا أمامنا مسؤولية ضخمة فالقيادات الفلسطينية جميعها بفصائلها، عليها أن تدرك أن الوحدة الوطنية أصبحت قضية حياة أو موت، خاصة ونحن نرى ما يحدث في الأقصى، والضفة الغربية وحصار غزة. * وكيف ترى تأثير الموقف السعودي على مسار التغيير المطلوب في مجلس الأمن؟ ** ما نتلقاه من مواقف دول العالم، وما نطالعه من تقارير أجنبية ومحللين ودوائر ومراكز أبحاث عربية وغير عربية، ترصد ما يجري، يكشف أننا سنجد تأييدًا واسعًا لهذه الخطوة لأنها بالتأكيد أحدثت شرارة نأمل أن تسير إلى أن تصبح وهجًا من نور ويتم إصلاح المجلس كضرورة أصبحت حتمية؛ لأن هذا المجلس تشكل منذ أكثر من 5 عقود، والآن هناك مقترحات كثيرة من دول عديدة، فهناك شعوب وقوى كبيرة ليست ممثلة في مجلس الأمن على مستوى الفيتو، ولذلك لا بد من إعادة التمثيل ولا بد من منع مسألة الفيتو منعًا كاملًا، فإذا كان هناك جهة ما كالمحكمة الدولية هي التي تعرض عليها حالات النزاع لتقول رأيها، فلا يجوز لدولة أن تصادر رأي الشعوب أو الدول في العالم من خلال «الفيتو»، وبرأيي أن «الفيتو»هو مبدأ خاطئ.
مشاركة :