أماكن العمل الحديثة مليئة بالموظفين المطالبين بـ"إحضار أنفسهم بالكامل إلى العمل" والبقاء "حقيقيين وعلى طبيعتهم" عند وصولهم إلى هناك. المشكلة هي أن بعض الموظفين أصبحوا على طبيعتهم أكثر من اللازم. تجدهم مرتاحين ومسترخين للغاية، في الواقع، يجلبون أجزاء من أنفسهم إلى العمل لا يريد أي شخص آخر أن يراها، أو يسمعها، أو حتى يشم رائحتها. هؤلاء هم الأشخاص الذين يضعون أكواما من منسوجات الليكرا النتنة تحت مكاتبهم، أو يقلمون أظافرهم أمام الجميع (نعم، حتى في "فاينانشيال تايمز")، أو يظهرون أنفسهم بأنهم مهووسون بعلب حفظ الطعام البلاستيكية مع عادات تناول طعام تجذب القوارض. العزاء الوحيد لأي شخصٍ مبتلى بزملاء عمل قذرين هو أن يسمع عن أماكن العمل الأخرى التي تكون فيها الأوضاع أسوأ بكثير. وهذا يفسر تماما الشعبية الكبيرة لمذكرة داخلية مسربة أرسلتها مديرة العمليات في هيئة السلوك المالي في لندن، معاتبة فيها الموظفين البالغ عددهم أربعة آلاف على الحالة "المخزية" لمقر الهيئة التنظيمية الجديد الذي كلف 60 مليون جنيه إسترليني. جورجينا فيليبو ذكرت أولا بعض المواقف البسيطة. من ذلك إساءة استخدام المرافق المجتمعية للطعام والشراب، مثل "ترك أدوات المائدة والأواني الفخارية في أنحاء المطبخ" من منا يستطيع أن يقول إنه ليس مذنبا بفعل هذه الإساءة؟ ثم انتقلت إلى قائمة متصاعدة من المخالفات المرتكبة، بداية من "سرقة النباتات" المحيرة، وصولا إلى الاحتجاجات على القذارة الواضحة على أرضية الحمامات. هيئة السلوك المالي في لندن ليست وحدها التي تواجه عدم الاحترام فيما يتعلق بالفضلات البشرية. رئيس آخر غاضب أرسل بريدا إلكترونيا العام الماضي يوبخ فيه الزملاء بسبب "إساءة استخدام حوض الاستحمام" في إحدى وكالات العلاقات العامة في لندن. لماذا يلوث الناس أماكن عملهم، خاصة مكاتب الاستقبال البراقة؟ غالبا ما تدور النصائح الحالية من الإدارة والقيادة حول الاحترام. إذا كانت تعاملاتنا مع الزملاء والرؤساء تتم على مستوى الراشدين، وليس على الأنموذج القديم القائم على رئيس متجهم صاخب ويتدخل في التفاصيل الصغيرة والكبيرة ويستصغر الموظفين، عندئذ ينبغي أن نكون (كما تقول النظرية) أكثر سعادة وإنتاجية. ثم إنه في عالم يسوده العدل، ينبغي ألا يشعر الموظفون السعداء الذين يحظون بمعاملة حسنة، مثلا، بأن عليهم أن يمسحوا المخاط على جدران الحمامات (وهي ظاهرة يبدو أنها شائعة بشكل مفاجئ، حتى في دورات مياه السيدات). حقيقة أن الأمور المنفرة تحدث في جميع أماكن العمل لها علاقة بالحدود، وفقا لتوماس روليته، كبير المحاضرين في نظرية التنظيم في كلية جادج لإدارة الأعمال في جامعة كامبريدج. يقول: "يمكن أن يصاب الناس بحيرة شديدة فيما يتعلق بالحدود بين العمل والحياة الشخصية، وهذه الحدود تصبح أكثر تداخلا من خلال ممارستين: العمل من المنزل والعيش في العمل". قال لي أحد المخبرين البائسين الذين أتعامل معهم إنه لا يزال يعاني تجربة الجلوس بجانب رجل كان "يرمي مخلفاته على الأرض مباشرة، حيث إنه في نهاية اليوم كانت هناك كومة من القمامة وأكياس الشاي وبقعة بنية كبيرة لوثت السجاد بشكل دائم". هذا المستوى من القذارة في المكاتب ربما يشير إلى الحزن والكرب. ربما ينبغي أن يتعامل المديرون مع ذلك بلباقة، تماما كما لو كنا سنتعامل مع شخص رائحة جسده كريهة. قد تكون مشاهدة شخص ما وهو يلقي أكياس الشاي المستعملة على الأرض علامة مهمة للغاية على أنك بحاجة إلى المطالبة بنقل مكتبك فورا. يجب أن يكون الابتعاد عن زملاء العمل المثيرين للاشمئزاز أمرا سهلا في ظل تزايد عدد أماكن العمل التي يكون فيها العمل المشترك أو "المرن" هو القاعدة. من الناحية النظرية، هذه فكرة رائعة. يمكنك اختيار مكان عملك. لكن للأسف، يقضي الموظف العادي أسبوعين في السنة في البحث عن مكان للجلوس، وفقا لدراسة بريطانية جرت العام الماضي. رغم أن سياسات المكاتب المشتركة التي تنص على عدم ترك أي أثر هي سياسات تسر العين وتحبط بسهولة أولئك الأشخاص الذين يحولون أي مكان عمل مخصص إلى عش فئران فعلي، إلا أن هذه الابتكارات لا تمنع الجراثيم. ارتفعت معدلات الإصابة بالأمراض في إحدى الهيئات المحلية التي يعمل بها أحد الأصدقاء عندما بدأوا العمل في مكاتب مشتركة وأخذوا يتشاركون لوحات المفاتيح المتسخة المحملة بالعدوى. تبدأ أوقات الصباح الآن بعملية تطهير شامل للأثاث المكتبي، على طراز ناعومي كامبل. أحد قراء "فاينانشيال تايمز" علق في الآونة الأخيرة قائلا إنه قضى وقتا في عدد من أماكن العمل المشتركة والمكاتب المخدومة وإن "إخفاء الهوية يولد احتقارا مطلقا ينتج عنه مقعد قذر". هذا التحليل يعطي شركة وي ويرك معنى جديدا تماما. مع هذا الافتقار إلى الملكية، أو في حالة المكاتب التقليدية، الافتقار إلى الشعور القديم والمنتشر الناتج عن وجود "جهة راعية" يصبح بعض العاملين غير مبالين أو حتى مستهترين. يقول روليه إنهم "مرتاحون للغاية على نحو مشابهة للطريقة التي يتوقع فيها طفل صغير أن يلتقط والداه الأشياء من ورائه في المنزل".
مشاركة :