سكورسيزي يواصل تعرية مجتمع العنف الأمريكي في فيلم الأيرلندي

  • 11/22/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يستكمل المخرج الأمريكي من أصول إيطالية، مارتن سكورسيزي، ملحمته في أفلامه حول العنف في الولايات المتحدة الأمريكية وارتباطه بالسياسة والسياسيين في فيلمه الجديد “الأيرلندي” كنوع من فضح هذا النظام بكامل تعقيداته الاجتماعية وتشابكاته الاقتصادية بين عالمي الجريمة والسياسة. وتظهر الاستمرارية بين أفلام “تكسي درافير” و”نيويورك جانجز” و”كازينو” في هذا الفيلم، الذي يستكمل فيه سكورسيزي ملحمته عن ارتباط العنف بالجريمة المنظمة والنظام السياسي، وهو يواصل أعماله في نهاية العقد السابع من عمره بإخلاص فريد من خلال قضية اختفاء الزعيم العمالي جيمس هوفا، مؤسس ورئيس نقابة سائقي الشاحنات، الغامض بسبب تعقيد هذه الشخصية وعلاقاتها مع السياسيين وعالم الجريمة المنظمة (المافيا الإيطالية) في الولايات المتحدة الأمريكية. والفيلم يستند إلى رواية “سمعت أنك تطلي المنازل” لتشارلز براندت وكتابة سيناريو ستيفن زاليان، التي تروي سيرة القاتل فرانك شيران  المعروف باسم الأيرلندي، الذي يؤدي دوره على الشاشة روبرت دي نيرو المقاتل في الحرب العالمية الثانية ضمن القوات الأمريكية في إيطاليا  قبل أن يتحول لقاتل بأمر من أحد زعماء المافيا راسل بوفاليني الذي يقوم بدوره جو بيشي والضحية جيمس رايدل هوفا الذي يجسد شخصيته آل باتشينو. يتهم سكورسيزي من خلال الفيلم المافيا بقتل هوفا إلى جانب مشاركة المافيا في قتل الرئيس الأمريكي الشهير جون كنيدي، وهما القضيتان اللتان لم تجدا إجابة لحل غموض عملية اختفاء الأول في منتصف السبعينات واغتيال الثاني أمام الجماهير في الستينات من القرن الماضي. ينتقل سرد الفيلم بين ثلاثة أزمنة الشباب والكهولة والشيخوخة بتقنية سينمائية جديدة تعيد الممثل إلى مستويات العمر المختلفة دون استخدام أي مكياج ولكن اعتمادا على تقنية رقمية يطلق عليها تسمية “سي جي أي” ليصبح ثلاثي الأوسكار دي نيرو وآل باتشينو وجو بيشي في مختلف المراحل العمرية  خلال انتقالات الفيلم الزمنية بين الماضي والحاضر. ويصور الفيلم عبر الانتقالات الزمنية التي يلجأ لها سكورسيزي عمل روبرت دي نيرو كسائق شاحنة يتعرف على زعيم المافيا جو بيشي، الذي يدفع حياته باتجاه آخر خارج سياق حياة المقاتل والسائق البسيط إلى قاتل محترف يقوم بالمهام، التي تسهل عمل المافيا وضمن الخدمات التي يقدمها زعيم المافيا إلى زعماء أسر المافيا في البلاد. وضمن هذه العلاقة يلحقه زعيم المافيا بالعمل لدى زعيم نقابات سائقي الشاحنات هوفا (ال بتشينو) بتصفية المعارضين ومن خلالها يصور علاقة عالم الجريمة بعالم السياسة من خلال هوفا وفرانك (الأيرلندي) في مواجهة الأحداث السياسية التي تصعد بجون كندي لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وتولي روبرت كندي منصب المدعي العام، الذي يقوم بملاحقة هوفا. ويشير الفيلم عبر الحوار والأحداث إلى أن اغتيال كندي قد يكون بالتنسيق بين هوفا الكاره لال كندي والمافيا صاحبة المصلحة الكبيرة في دعم هوفا للحصول على القروض من أموال النقابات، التي يقودها لفتح نوادي القمار والنوادي الليلية وغسل أموالهم المتوفرة لديهم عبر الجرائم المنظمة. وضمن رحلة تضم الأيرلندي وزعيم المافيا وزوجتيهما عبر البلاد يكلف زعيم المافيا الأيرلندي بقتل الرجل، الذي أصبح صديقه وتربطه به علاقة عائلية مميزة رئيس النقابة هوفا فيذهب برحلة سريعة بالطائرة يؤدي خلالها المهمة بقتل صديقه دون تنفيذا لأوامر لا يستطيع رفضها فاما قتل هوفا أو موته هو وزعيم المافيا وزوجتيهما. تبقى العلامة المضيئة في الفيلم ابنة الأيرلندي الصغري (بيغي) التي تراقب كل شيء وتدين عنف والدها منذ طفولتها ويزداد ابتعادها عنه كلما كبرت في العمر وأصحبت أكثر معرفة بمسلكية والدها وتزداد نظراتها تعبيرا عن اتهام والدها بالكثير من الجرائم إلى جانب ابتعادها عن صديق والدها رجل المافيا في حين تتقرب من هوفا ويؤدي مقتله إلى ابتعادها الكامل عن والدها كنوع من اتهامه بقتل الرجل الوحيد من أصدقاء والدها الذي أحبته وأحبت طفولتها معه. فأصبحت رمزا لضمير يعذب والدها القاتل الذي يحاول أن يتصالح مع نفسه فيلاحقها كي تغفر له وليتحدث إليها، إلا أنها ترفض ذلك في موقف يؤكد إدانتها له، وليتضح له أيضا من خلال، كما جاء في حوار بينه وبين ابنته الثانية أنهم يعرفون بجرائمه وأنهم لا يستطيعون التعامل معه بمثل هذه البساطة التي يحاول ويسعى اليها. وطبعا الفيلم رغم طوله الذي يصل إلى حوالي ثلاث ساعات ونصف الساعة من الأفلام التي تجعلك ملتصقا بالمقعد حتى المشهد الأخير فيه لجمالية الأداء لفناني الأوسكار الثلاثة، وجمالية الأدوار التي لعبها أصحاب الأدوار الثانية في الفيلم وسلاسة الانتقالات الزمنية بين الماضي الشاب ومراحل الكهولة وشيخوخة الرواي لأحداث الفيلم وهو هنا أيضا روبرت دينيرو (الأيرلندي).

مشاركة :