الكلمات لن تفي سعادة السفير الشيخ راشد بن عبدالرحمن آل خليفة سفير مملكة البحرين لدى جمهورية مصر العربية والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية حقه، مهما قلت وكتبت. هو (سفير من ذهب) .. هو (سفير استثنائي) بكل المقاييس، بصمته واضحة للعيان في كل مهمة يوكل لها بصورة ملموسة يشهد له بها الجميع، يعشق أي موقع يتولاه ويتفانى في أداء عمله، منذ ما كان مسؤولاً عن الإعلام الخارجي، ووكيلاً مساعدًا لقطاع الثقافة والتراث الوطني، ورئيسًا تنفيذيًا لهيئة الإذاعة والتلفزيون حتى صدور الأمر الملكي بتعيينه سفيرًا في مصر. تشرفت بالعمل معه عندما كنت قنصلاً في سفارتنا في القاهرة لمدة ثلاث سنوات تقريبًا. نقلت الى القاهرة مع (بوعبدالرحمن) في بداية الثلاثينات من عمرنا وعشنا معًا وخضنا تجربة دبلوماسية صعبة، ومحطات عديدة وكثيرة، حيث كان له الفضل بعد المولى عز وجل في صقل مهاراتي وخبرتي، فعلاقتي معه لم تكن علاقة عمل فقط، بل علاقة أهل، علاقة أخ، وصديق لا مثيل له اعتز بها كثيرًا. كانت (القاهرة) محطة دبلوماسية مهمة تعلمنا منها الكثير، وتمكنا من اكتساب المزيد من الخبرات، كانت محطة صعبة ودقيقة عاصرنا خلالها ثورتين شعبيتين، وأربعة رؤساء للجمهورية، وتسعة رؤساء وزراء، وستة وزراء للخارجية، وكنت (جزءًا منها) قبل أن أرجع الى البحرين في موقع آخر وفي مهمة عمل رسمية جديدة. (راشد بن عبدالرحمن) يتمتع بجميع الصفات التي يجب أن يتمتع بها الدبلوماسي، فبجانب دبلوماسيته الراقية وحب الناس والتواضع، فهو يتمتع بحسن السیرة والسلوك، ودماثة الأخلاق، ودوام الابتسامة، وسعة الثقافة والاطلاع، والصبر وحسن التصرف في المواقف الحرجة، وإقامة علاقات واسعة مع المسؤولین والأفراد والدبلوماسیین. هذا من واقع تجارب شخصية مرَّت بي خلال المدة التي عملت فيها معه، فكم من مرة دخلت مكتبه في السفارة وأنا مثقل بالضغوط التي يتعرض لها الموظف عادة، أو المشكلات والعقبات التي تعترض طريقه، ولكن ما إن يبدأ الحديث معي إلا وأشعر بأن كل تلك الأحاسيس قد تبددت وحل محلها نقيضها. (راشد بن عبدالرحمن) كان العین الساهرة على مصالح مملكتنا، ورعاية ومساعدة البحرينيين المتواجدين في مصر، وكذلك التعاون والتنسیق والاطمئنان على سیر عمل الملحقیة الثقافية ونادي الطلبة وغیرها، وكذلك تسهيل مهام زوار مصر والوفود اليومية المشاركة في اجتماعات جامعة الدول العربية واللجان التابعة لها وغيرها. الصورة التي أحاول في هذه السطور القليلة أن أرسمها لشخصية (بوعبدالرحمن) لا تقتصر على هذه الجوانب، بل تتعداها إلى خصلتين أو سمتين أخريين: الأولى في العقلية الاستراتيجية والفكر التكتيكي الذي يتمتع به، مع ما يترتب على ذلك ويؤدي إليه من وضوح تام في الرؤية، وقدرة كبيرة على تنفيذ ما يقتنع ويؤمن به، أو ما يسعى إلى تحقيقه من أهداف وغايات مهما كانت درجة المصاعب التي تعترضه أو العقبات التي تحول دون تمكنه من تحقيقها. وكثيرة كانت هي المناسبات التي شهدت فيها بنفسي تجليات تلك العقلية وذلك الفكر، شاهدتها في المحادثات والمفاوضات التي كان يجريها والاجتماعات التي كان يحضرها، وأرى بأم عيني كيف كان الجميع ينصت إلى وجهة نظره للقضايا، وتحليلاته للأوضاع، وشروحاته للمواقف، وكيف ينهلون من حكمته، ويتأثرون بأطروحاته، ويحترمون آراءه وأفكاره، ويتجلى ذلك أيضا في إدارته للاجتماعات والمؤتمرات التي كان يقودها بكل جدارة وكفاءة واقتدار. فإذا أضفت إلى كل هذه الصفات والخصال والسمات ما يتميز بها من أخلاق عالية، وتواضع، وأدب جم، وتهذيب كبير، وأسلوب راقٍ في التعامل مع موظفيه وزملائه ومعارفه والناس كافة، وقدوة في الولاء والانتماء والانجاز سياسيًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا، لوجدت أن محصلة ذلك كله يمكن اختصارها في كلمتين: (راشد بن عبدالرحمن).
مشاركة :