خواطر في غربلة التراث

  • 11/23/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عبد اللطيف الزبيدي هل مؤلفات تراثنا من معاجم وعلوم لغة، هي حقاً عمل معجمي موثوق، وعلوم لغوية تستحق التصديق؟ أم هي تحتاج إلى إعادة تحقيق وتدقيق وتوثيق؟ المبحث عميق، والبحث فيه سحيق. سؤال: هل المجامع اللغوية هي المسؤولة عن إرشاد الناس إلى ما في القواميس وعلوم اللغة، من معلومات مغلوطة غير مضبوطة؟ حتى الساعة لا تزال المعاجم التراثية هي تيجان العمل المعجمي لدينا، وننسى أن ابن منظور صاحب «لسان العرب» مرت على ارتحاله سبعة قرون، وأن القواميس التي حظيت بمستدرك على محتواها، شأن اللسان، لا يقدم أي نقد وتصويب للمواد المعجمية. لنأخذ مثالاً يزيد العربي شوقاً إلى ظهور المعجم التاريخي للغة العربية، الذي سيرى النور بفضل جهود«مجمع اللغة العربية في الشارقة». أهل اللغة، حين كانت معرفة الجذور تستعصي عليهم، يختلقون تجذيراً من عندياتهم، وبمهاراتهم يبتكرون منطقاً قواعدياً واشتقاقياً وقياسياً، لا يدع للقارئ الحسن الظن مجالاً للشك في المعطيات. في مادة«حيا» نقرأ في لسان العرب الأعجوبة التالية بكل تقعيداتها وتعقيداتها: «الحياة: نقيض الموت، كُتبت في المصحف بالواو ليُعلم أن الواو بعد الياء في حدّ الجمع، وقيل على تفخيم الألف». لم يسأل ابن منظور نفسه: ما سبب ذلك؟ لماذا يكتبها الأديب والنحويّ والفقيه بالألف، وفي كتاب الله وحده تكتب بغير ذلك؟ لماذا لا يكون على الناس أن يعلموا أن الواو بعد الياء كذا وكذا إذا وردت المفردة في الشعر؟ الأطرف في ما يلي، إذ يضيف المعجم: «حكى ابن جني عن قطرب: أن أهل اليمن يقولون الحَيَوْة بواو قبلها فتحة، فهذه الواو بدل من ألف حياة وليست بلام الفعل من حَيَوْتُ. ألا ترى أن لام الفعل ياء؟ وكذلك يفعل أهل اليمن بكل ألف منقلبة عن واو كالصلوة والزكوة.» كل هذا الجهد الاجتهادي الالتوائي العجيب، سببه أن الأستاذ ابن منظور لم يكن يعلم أن صلوة وزكوة مفردتان آراميتان (سريانيتان) وقد كتبت كلمة حيوة مثلهما بالواو، لأن الكتابة الآرامية صلوت، زكوت، حيوت. لا شك في أن النسخ الأولى من المصاحف كتبت بالخط الآرامي، وأبجديته اثنان وعشرون حرفاً بلا تنقيط، هي حسب الترتيب الآرامي: أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت. لزوم ما يلزم: النتيجة الغربالية: التراث بلا تنخيل، ميراث بلا تأصيل. abuzzabaed@gmail.com

مشاركة :