بعد نصف قرن من الزمان تمكن رائد التصوير السينمائي البحريني من تحقيق أمنية شغلت باله كثيرا، وهي تسليم أسرة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر فيلما قام بتصويره لجنازته في عام 1970، حيث جاء من البحرين حاملا نسختين من الفيلم أهدى الأولى لجمال خالد عبدالناصر حفيد الزعيم، ومن المقرر أن يهدي النسخة الثانية في الأسبوع القادم إلى ابنه عبدالحكيم عبدالناصر. «أخبار الخليج» سجلت تحقيق الفنان المصور خليفة شاهين لهذه الأمنية الغالية، ونبشت في ذاكرته الفنية التي تضم العديد من المواقف التي عاشها وراء الكاميرا على مدى أكثر من 62 عاما، والتي قدم خلالها 20 فيلما وثائقيا من تصويره وإخراجه، و68 شريطا للأنباء عرضت في دور السينما، هذا بالإضافة إلى عمله في فيلم «حمد والقرصان» الذي أنتجته شركة والت ديزني العالمية عام 1970، ولم يكتف فيه بالتصوير بل مثل أيضا دور القرصان. يقول: كنت صبيا في الخامسة عشرة عندما هبطت طائرة الزعيم جمال عبدالناصر لأول مرة في المحرق، في شهر أغسطس من عام 1955، وخرج البحرينيون يتسابقون إلى المطار على أمل مصافحة الزعيم الذي تعلقت به قلوبهم، وبالطبع لم يتحقق أملي وظلت رؤية جمال عبدالناصر حلما لسنوات طويلة، ولكني لم أكن أعرف أن الفرصة الوحيدة التي ستتاح لي للاقتراب منه كانت لتصوير جنازته، والتي كان يحضرها سمو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه. فوق رأس الأسد مازال الرجل يتذكر تفاصيل ما حدث منذ نصف قرن، كنت أصور «شريط أنباء البحرين» الذي يعرض في دور السينما الست في البحرين آنذاك، قبل عرض الفيلم عندما أبلغني بالسفر إلى القاهرة مع سمو الأمير الراحل لتصوير الجنازة، وتوجهت إلى مكتب الدكتور عبدالقادر حاتم وزير الإعلام المصري آنذاك، والذي أمر بخروج مرافق دائم معي يمكنني من اختراق الزحام الرهيب في مسار الجنازة، حيث خرج مئات الآلاف من المصريين لتشييع عبدالناصر. وبمساعدة المرافق تمكنت من تسلق أحد أسود كوبري قصر النيل الأربعة الشهيرة، وذلك لالتقاط لحظة خروج الجثمان من مقر مجلس قيادة الثورة، وعبوره فوق جسر قصر النيل، ولا يمكن أن أنسى هذا الصوت الرهيب المدوي الذي أطلقه المشيعون في القاهرة كلها لحظة خروج الجثمان ملفوفا بالعلم المصري، ومازلت أشعر بالقشعريرة كلما تذكرت هذا الصوت إلى اليوم، وبدأت التصوير والمرافق ممسك بأرجلي حتى لا أسقط من هذا الارتفاع، ومع اقتراب الجثمان تدافع المشيعون وصعد بعضهم إلى جواري فسقطت من فوق الأسد، ولحسن حظي أن الكاميرا لم تنكسر، وكانت إصابتي بسيطة في قدمي حتى أنها لم توقفني عن متابعة التصوير والصعود إلى سطح فندق هيلتون النيل لالتقاط صور للجنازة المهيبة والحشود الهائلة. يقول: تمكنت من تصوير 30 دقيقة من الجنازة، وبعد المونتاج تم اختيار 12 دقيقة منها عرضت في شريط الأنباء، بدور السينما البحرينية الست لمدة شهر كامل، أي أن الفيلم عرض 180 مرة داخل دور السينما، ومن يومها وأنا أحلم بأن أسلم نسخة منه لأبنائه، وأقول لنفسي «إذا كنت لم أسعد بلقاء جمال عبدالناصر فليتني أحظى بلقاء أسرته لإهدائهم نسخة من الفيلم». مع السادات وجلالة الملك { هل صورت مشاهد أو لقاءات سياسية أخرى في مصر لعرضها في شريط أنباء البحرين؟ في عام 1973 تشرفت بمرافقة جلالة الملك وكان وليا للعهد آنذاك، وصورت استقبال الرئيس الراحل أنور السادات لسموه، عقب حرب أكتوبر حيث كرمه الرئيس ومنحه وساما عرفانا منه بالمشاركة البحرينية في الحرب.. ثم رافقت سموه إلى مدينة بورسعيد والتقطت مشاهد سينمائية للخراب الذي خلفه القصف الجوي على مبانيها. ويستطرد قائلا: لي موقف إنساني لا أنساه أيضا مع جلالة الملك عندما كان وليا للعهد وقائد قوة الدفاع، حيث تشرفت بالسفر في معيته إلى العراق، لتصوير زيارة عسكرية، وبعد وصولنا إلى بغداد ركبنا طائرة عسكرية، وأخذت الكاميرا وأخذت ألتقط صورا لسموه خلال أحاديثه مع القادة العسكريين على متن الطائرة، وفجأة مرت الطائرة بمطب هوائي كبير أفقدني توازني للحظات، ولكني عدت بعدها لمواصلة العمل وبسبب خبرة سموه في مجال الطيران طلب منه التوجه إلى مقعدي حرصا على سلامتي، فقد توقع عدة مطبات أخرى ربما تكون أقوى، وهو ما حدث بالفعل. جدتي وحب السينما يعترف الفنان خليفة شاهين بأن جدته هي التي فتحت عينيه على عالم السينما وجعلته يتعلق بها، ويقول: كانت هناك سينما صغيرة في سوق المحرق تعرض الأفلام على حائط أبيض اللون، وكانت جدتي سابقة لأوانها، وكانت تحب السينما وخاصة أفلام وأغنيات فريد الأطرش، وكنت أشاهد معها ومع جدي الأفلام التي أبهرت الناس في ذلك الوقت، ومن يومها تعلقت بالسينما وتمنيت أن أعرف عنها الكثير، ولم يتحقق لي ذلك إلا بعد سنوات من التحاقي بشركة نفط البحرين «بابكو». ويستطرد قائلا: بعد أن أنهيت دراستي في مدرسة الصناعة، ذهبت إلى بابكو للعمل كنجار وكان ذلك عام 1954، وبعد 3 سنوات أتيحت لي الفرصة للالتحاق بدائرة الأفلام في دائرة العلاقات العامة ببابكو وهنا بدأت علاقتي بالتصوير الفوتوغرافي الذي درسته جيدا، ومنه تعلمت التصوير السينمائي وبدأت رحلتي في هذا الحلم الساحر الذي حلمت به كثيرا. الكاميرا والحظ { خلال هذه الرحلة الطويلة هل هناك موقف لا تنساه أبدا؟ - مواقف كثيرة لا تنسى لكن من أهمها عندما ذهبت لتصوير زيارة سمو أمير البلاد الراحل إلى إيران، وكان زيارة مهمة بعد فترة من القطيعة والخلافات، ويومها استقبل الشاه سمو الأمير في قصر «نيافران»، ولسوء حظي علق الفيلم داخل كاميرا التصوير السينمائي، ومررت بلحظات صعبة للغاية، فاضطررت لأن أتنحى جانبا لتحريك الشريط داخل الكاميرا، ثم عدت إلى مكاني لأجد الاستقبال قد انتهى، ولم استسلم فقد حاولت التصوير مرة أخرى، واعترضني أحد رجال الأمن فبدأت أناقشه بالانجليزية بضرورة أن أصور، لكنه لم يقتنع ومع طول المناقشة لاحظ الشاه الموقف فأمر رجال الأمن أن يتركوني أمارس عملي حتى النهاية بعد أن انصرف المصورون كلهم، وأدركت أن الحظ حالفني فقد صورت كافة مراحل اللقاء وحدي من تبادل الهدايا والتجول داخل حدائق القصر إلى جانب جزء من المباحثات وخرجت بلقطات لم تتح لأي مصور آخر في هذا اللقاء. { ماذا عن تجربتك في فيلم «حمد والقرصان» حيث ظهرت كممثل أيضا؟ - كانت شركة «والت ديزني العالمية» تنتج أفلاما قصيرة عن حكاية صبي من كل بلد، لتعرض في مختلف البلدان كان المقرر أن يتم عمل فيلم قصير عن صبي من البحرين، ولكن بعد أن التقيت بالمخرج وتحدثنا عن حضارة دلمون العريقة، وعن التراث البحريني وكيف يمكن تصويره بصورة شيقة، تم تغيير التخطيط، وقمنا بعمل فيلم «حمد والقرصان» سنة 1970 وأصبحت مدته ساعة و26 دقيقة، وكان المخرج فقط أمريكيا، أما معظم عناصر العمل فكانت بحرينية، وكنت أنا مساعدا للمخرج ومديرا ماليا، وقمت بتصوير كافة المشاهد الخاصة بالتراث وبالتحديد عن الغوص، وقمت أيضا بتمثيل دور قبطان سفينة القراصنة، وبدأ عرض الفيلم عام 1971 في العديد من دول العالم وهي تجربة أعتز بها كثيرا. 7 البومات سياحية { أعلم أن لديك أرشيفا هائلا من الصور كيف يمكن الاستفادة به؟ - احتفظ في أرشيفي بحوالي 800 ألف صورة لمعالم البحرين منذ أواخر الثلاثينيات حتى اليوم، بعضها التقطته وبعضها الآخر جمعته لآخرين، وهو كنز من الصور التي تؤرخ لحياة البحرينيين في 90 عاما تقريبا. وقد تم مؤخرا الاتفاق مع هيئة السياحة البحرينية التي وافقت مشكورة على طبعها في سبعة مجلدات سوف تصدر قريبا، وسوف تعمل على جذب السائحين إلى البحرين من خلال إلقاء الضوء على مناطق لها تاريخ وعلى حرف وأنشطة تراثية وأشياء جميلة في مملكتنا الحبيبة.
مشاركة :