تحقيق إيمان سرور أيام قليلة تفصلنا عن بدء امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام الحالي، ومع اقتراب الامتحانات يلجأ العديد من الطلاب للدروس الخصوصية، اعتقاداً منهم أن نجاحهم مرهون بالدروس الخصوصية، في حين يعتبرها عدد من أولياء الأمور «شراً لا بد منه»، حيث تكلفهم مبالغ باهظة، وتكرس في الوقت ذاته عادات الاتكالية وعدم التفكير، والخمول العقلي لدى أبنائهم.والسؤال الآن: كيف ننقذ أبناءنا من هذه الظاهرة التي عجز القائمون على التربية والتعليم عن التصدي لها، وما أبرز العوامل التي أدت إلى تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية وكيفية مواجهتها بفاعلية.. «الخليج» التقت كل أطراف العملية التعليمية، وكان هذا التحقيق. إجراءات حازمة يؤكد خالد المنصوري استشاري شؤون الأسرة أن مواجهة الدروس الخصوصية، والقضاء عليها أو الحد منها يحتاج إلى اتخاذ إجراءات حازمة، عبر أكثر من محور، منها أولاً إعادة الدور القيادي للمعلم داخل المدرسة، وزيادة رواتب المعلمين في المدارس الخاصة، وتحديد حد أدنى لراتب المعلم يتماشى مع الكلفة المعيشية، وتدريب المعلمين وتطوير مهاراتهم، وتقليل الأعباء غير التدريسية المفروضة على المعلم لإتاحة المجال له للتدريس بشكل أفضل، وإلزام جميع المدارس بعمل مجموعات تقوية مجانية أو برسوم مقبولة.وحمَّل نصر الدين عبدالرحيم - اختصاصي اجتماعي - كل أطراف العملية التعليمية (الطالب والأسرة والمعلم والمدرسة) المسؤولية عن تفاقم ظاهرة الدروس الخصوصية، وقال إن أبرز الأسباب التي تدفع الطلبة لتلقي الدروس الخصوصية هو الضعف في بعض المواد، وكثرة غياب البعض، وعدم الانتظام في الدراسة، وتقليد الأصدقاء في تلقي دروس خصوصية، إضافة إلى ضعف مستوى بعض المعلمين، وانشغال كثير من المعلمين بالأعباء الإدارية، وطول المنهاج مقارنة بعدد أيام الدراسة الفعلية، إضافة إلى تدني رواتب معلمي المدارس الخاصة. وترى ابتسام الحواني، اختصاصية خدمة مجتمعية، أن حل تلك الظاهرة ممكن عن طريق تقليل المتطلبات الأكاديمية والواجبات الدراسية، والحد من كثرة الاختبارات، والاهتمام بالتدريس الأكاديمي، وتقليل الأنشطة الصفية التي تستهلك معظم اليوم الدراسي. أمر حتمي في المقابل، يعتقد عدد من أولياء الأمور أن الدروس الخصوصية أمر حتمي وشر لا بد منه، حيث لا غنى عنها لمساعدة أبنائهم، لأن المناهج وطبيعة الدراسة في وقتنا الحالي تحتاج إلى مساعدات ومساندات في مسألة التدريس والمذاكرة، وخاصة فترة الامتحانات.يؤكد طه منير سليمان، ولي أمر، أن تلقي الأبناء للدروس الخصوصية وهم في الصفوف الأولى للتعليم، يرجع سببه إلى صعوبة المناهج، واهتمام المدارس بالأنشطة على حساب المادة العلمية، إلى جانب التزامات بعض الآباء بالعمل، وضغوط الحياة، وهو ما يدفعهم إلى الاستعانة بمعلمين خصوصيين لأبنائهم، لمتابعتهم في المذاكرة وحل الواجبات والاستعداد للامتحانات. وتتابع سلمى علي الظنحانبي، ولية أمر، أن لجوء بعض أولياء الأمور إلى خيار الدروس الخصوصية يعود إلى المتطلبات وزيادة الأعباء الدراسية، وصعوبة المناهج، واستبدال الكتاب المدرسي، بدروس يتم تحميلها من مواقع المدارس. ويفيد عمر الياسي، ولي أمر، أن إعلانات الدروس الخصوصية عادت اليوم بقوة، وأصبحت تملأ المنشورات الإعلانية وعلى الإنترنت، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، كما ينشط معلمو الدروس الخصوصية في مدارس أبنائنا في الترويج عن ذواتهم، وعن تنظيم حصص دروس خصوصية تنافسية لجذب الطلبة لتلقي دروسهم بعد الدوام المدرسي أو خلال العطلة الأسبوعية، كما أن بعض المعلمين يقدمون عدداً من الحصص مجاناً. ويؤكد محمد الفاتح سعيد، ولي أمر، أن الدروس الخصوصية مرهقة مالياً، إلا أن أولياء الأمور لا يستطيعون التغاضي عنها، نظراً لصعوبة المناهج الدراسية، خصوصاً الأمريكية والبريطانية، في مدارس التعليم الخاص، وكثرة المواد الدراسية المقررة في المنهاج الوزاري، مشيراً إلى أن العديد من الأسر تجد صعوبة في مساعدة أبنائها، وخاصة أن المناهج باللغة الإنجليزية، وتحتاج إلى متخصصين.وتقول صباح الهاشمي، ولية أمر: إن الدروس الخصوصية باتت تشكل عبئاً مالياً على الأسر، نظراً لارتفاع كلفتها، حيث يصل متوسط سعر الساعة إلى 300 درهم، وفي حال حصل الطالب على دروس خصوصية في مادتين، فإن الكلفة الشهرية تصل إلى 4000 درهم، لافتة إلى أن أغلبية الأسر لديها أكثر من ابن في التعليم، وهذا ما يضعها في مأزق. عادة وليس حاجة ويرى مسؤولون بالمدارس أن الدروس الخصوصية عادة وليست حاجة، خاصة أن الوزارة توفر عدداً من البرامج البديلة، والتي يمكنها الارتقاء بالمستوى العلمي للطلاب، وتقول عائشة الشامسي، منسقة قطاع مدارس، أن كثيراً من الأسر تلجأ إلى الدروس الخصوصية لرفع عبء متابعة أبنائها أكاديمياً، وإسناد هذا الواجب إلى المعلم الخصوصي، مشيرة إلى أن أولياء الأمور يلعبون الدور الأكبر في استمرار وتنامي الظاهرة، خصوصاً أن البدائل المجانية متوفرة، سواء في خطط الدعم الأكاديمي الفردية بالمدارس، أو البرامج التي تطلقها الوزارة. وتلفت موجهة الدعم الأكاديمي حصة اليافعي إلى أن وزارة التربية والتعليم أطلقت خلال العام الدراسي الماضي برنامجاً للطلبة يحمل عنوان «دبلوم الصغار»، وهو برنامج يعد بديلاً مجانياً للدروس الخصوصية، ويلبي احتياجات المتعلمين، حيث يرتكز على الاحتياجات الأساسية لكل متعلم على حدة. ويؤكد عمر مبارك الجنيبي، اختصاصي الخدمة الاجتماعية في مدرسة حمدان بن زايد، أن سوق الدروس الخصوصية (أون لاين)، اتسع خلال العامين الماضيين، ومن المتوقع له التمدد هذا العام، والاستحواذ على 20% من سوق الدروس الخصوصية في الدولة، لسهولة الحصول عليه، مشيراً إلى أن دروس التعلم عن بُعد باتت تحتل الصدارة في قائمة «أون لاين»، والطلب على الدروس الخصوصية أصبح يتزايد. دروس على الإنترنتويقول محمد شهاب عبدالرسول، معلم: إن الأجيال الجديدة تنجذب أكثر إلى الطرق الجديدة في التعليم، حيث لاقت فكرة الدروس الخصوصية عبر الإنترنت انتشاراً في أوساط الطلبة، أولاً لأنها دروس بكلفة مالية أقل 50% من الدروس الخصوصية التقليدية، لافتاً إلى أنها بدأت أولاً بين طلبة الجامعات، ثم انتقلت إلى طلبة المدارس، وأوضح أن أكثر الدروس انتشاراً في «أون لاين» هي دروس اللغة الإنجليزية والرياضيات. وترى أمينة الماجد، مستشارة شؤون الأسرة، أن الدروس الخصوصية لم تعد ظاهرةً مرتبطةً بالطلبة ضعاف المستوى، بل تحولت إلى موضة لا يكاد يخلو منها أي بيت كما أنها تحولت إلى آفة قد تقضي على إبداعات الطالب، وترى أن تعميم استخدام التكنولوجيا في التعليم له أثر إيجابي في القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية، مشيرة إلى أن تحول المدارس إلى ذكية يحمل غداً مشرقاً للجميع، وقد يضع نهاية للدروس الخصوصية.وتفيد الدكتورة كريمة العيداني، استشارية علم النفس التربوي، إلى أن اللجوء إلى معلم من خارج المدرسة يعود إلى انخفاض مستوى المعلم في الفصل، موضحة أن الدروس الخصوصية إحدى الظواهر التي تؤرق الميدان التربوي، وتؤثر في شخصية المتعلم، ليس فقط عندما ينهي المرحلة الثانوية، بل تنتقل معه إلى مراحل الدراسات العليا، حيث تخلق نوعاً من الاتكالية وعدم المبادرة والخمول العقلي.
مشاركة :