عبد اللطيف الزبيدي هل يصلح أبو الطيب للغزل؟ يبدو أن الناس إذا كان الشاعر كبيراً، فقدوا القدرة على معرفة الجيّد من الرديء. من أشهر قصائده «ما لنا كلنا جَوٍ يا رسولُ». مقدمتها الغزلية هي في سمع الكثيرين من عيون الغزل العربي، لكن القلم يراها عيوناً بها كل أمراض العيون: قصر النظر، الرؤية الضبابية، عمى الألوان، الحوَل إلخ. في هذه الأبيات مجموعة متناقضات. الأنا لدى المتنبي متضخمة إلى حد الدوس على كل إيتيكيت وبروتوكول. يمدح سيف الدولة قائلاً: «ليعلمِ الجمع ممّن ضم مجلسنا..بأنني خير من تسعى به قدمُ». في لاميته المذكورة يهبط مستوى الأنا فجأة وينتفخ فجأة. المطلع: «ما لنا كلنا جَوٍ يا رسولُ.. أنا أهوى وقلبك المتبولُ»؟ كلنا بمعنى كلانا. منطقياً، الرسول موظف، مندوب مراسلات، فكيف صار ندّاً لصاحب الشأن؟ لغوياً المتبول أشد عشقاً من حامل الهوى، فالمتبول هو من أسقمه العشق. المتنبي يعلم أن المندوب عاشق ويوكل إليه أمر «المفاوضات». صاحب الشركة يكلف الموظف بعقد صفقة، وهو يعلم أن الشخص يريدها لنفسه. الشاعر لا يقول: «ها المرة تربيت»: «كلما عاد من بعثت إليها..غار مني وخان فيما يقول»: «كلما عاد» أي حدث مراراً، ولم يحرك ساكناً، ظل بارداً مثل كامل الشناوي في «لا تكذبي»، الفيلم أمامه بالصورة والصوت والصمت الرهيب، وغيرته كغيرة الحجر. يلوم الرسول: «تشتكي ما اشتكيتُ من ألم الشوقِ إليها والشوق حيث النحولُ». أين خيانة الرسول يا سي المتنبي، فهو يشكو إليك معاناته؟ ما لم يفهمه شاعرنا هو أن المعنيّة ساوت بينهما، وأن المدير العام جعل المندوب ندّاً منافساً له. يا للخيبة! أين الهيبة؟ الآن، المصيبة السوداء، ينفخ المتنبي ريشه فجأة فقد تضخمت الأنا، يمسك بدماثة الشيم الغزلية، واللباقة الرومانسية، ويضرب بهما عرض الحائط، فإذا الحبيبة مجرد سلعة لها مدة صلاحية محددة، وإذا هو يتكلم بصيغة الجمع، نحن: «زوّدينا من حسن وجهك ما دام فحسن الوجوه حالُ تحولُ»: نرجو تزويدنا بمئة عبوة حسن «ما دام» أي ما لم تنته صلاحيته. أي اقطعي الإمدادات عندما تنتهي القابلية للاستهلاك. العلاقة التجارية الأنكى: «وصِلينا نصلْك في هذه الدنيا فإن المقام فيها قليل». يا أستاذ الشعراء، أهكذا الحب عندك مقايضة بضاعة ببضاعة؟ لزوم ما يلزم: النتيجة المنطقية: أغلب الظن أن شهرة القصيدة تعود إلى أن الكثيرين يرونها مرآة عقليتهم. abuzzabaed@gmail.com
مشاركة :