لن أكون مبالغاً إن قلت إن مستقبل بلادنا الحقيقي يبدأ من الكليات التقنية للبنين والبنات والمعاهد الصناعية المنتشرة بمختلف مناطق المملكة، لأنها في تقديري اللبنة الأولى والمنطقية لأي نهضة صناعية نرجوها ونحلم بها.. كثيرة هي الأخبار السارة، والتي تعبر عن قدرة الإنسان السعودي على مواجهة التحديات ومقارعة نظرائه في بلدان العالم كافة، بل تفوقه عليهم وإثبات نديته وجدارته، ولكنها للأسف في خضم زحمة الأحداث وتوتراتها، دون أن تأخذ نصيبها المستحق من التغطية أو الإشادة والتشجيع. ما حدث مؤخراً، من حصول متدربي الكليات التقنية بمؤسسة التدريب التقني على ست ميداليات (ذهبيتين، وفضيتين وبرونزيتين) في معرض IENA الدولي للابتكارات بنورمبيرغ في ألمانيا.. وبوجود أكثر من 800 مبتكر يمثلون 30 دولة من مختلف أنحاء العالم، ورفع العلم السعودي عالياً في هكذا محفل دولي، يؤطر نوعاً جديداً من المنافسة الشريفة التي يخوض غمارها بعض من شباب وأبناء هذا الوطن، يستدعي ألا يمر بسهولة أو يضيع في زحمة السباق على المقاعد الجامعية التي يؤثرها غالبية أبنائنا، حتى لو كان بعضها غير ذات جدوى لسوق العمل في بلادنا. الخبر في حد ذاته، يعيد الاعتبار لمنظومة التعليم الفني بأكملها، ويدعونا جميعاً لإعادة صياغة نظرتنا لمفهوم هذه النوعية من التعليم المرتبط بالتدريب بالدرجة الأولى، بل أتمنى أن يقلب موازين النظرة الاجتماعية لمدخلات العملية التعليمية بأكملها، بحيث نبدأ في التأسيس الجدي لمنظومة تعليمية تقنية تتبنى المهارات الفردية وترعى الكفاءات وتتوسم في القدرات الفتية مستقبلاً نوعياً وجديداً ينهي احتكار ما يسمى بكليات القمة المعروفة والتي يتسابق عليها الجميع، وبدء خارطة طريق استراتيجية تربط ما بين الفكر التعليمي المتوسع في شتى العلوم الفنية، وما بين توسيع قاعدتها العريضة لتلبي مخرجات سوق العمل في بلادنا بالاعتماد على الأيدي العاملة المحلية في شتى قطاعات ومجالات الأعمال. ولأننا في عصر التحول النهضوي الكبير الذي تتبناه رؤية 2030 الاستراتيجية، بما تعنيه من رسم الأطر المستقبلية اعتماداً على توطين ثقافة العمل، لا شك أن كل الخطط الموضوعة ترسخ هذا المفهوم الذي لا يعتمد على مجرد شهادة تعليمية قد تنتهي بها الحال على حائط أحد الجدران، بل يتعداه لربط هذه الشهادة بكم معرفي وخبرة تقنية متنوعة تقتحم غمار كل التحديات على الأرض، ولن أكون مبالغاً إن قلت إن مستقبل بلادنا الحقيقي يبدأ من الكليات التقنية للبنين والبنات والمعاهد الصناعية المنتشرة بمختلف مناطق المملكة، لأنها في تقديري اللبنة الأولى والمنطقية لأي نهضة صناعية نرجوها ونحلم بها. من أجل ذلك، لا بد أن تكون منظومة تعليمنا التقني والفني وبداية من هذه المرحلة مرحلة استيعابية لكل الطاقات والقدرات الفعلية، نستطيع من خلالها إعادة تقويم وتقييم مصاريفنا التعليمية وتوجيهها سواء على مستوى الدولة أو الأسر، لما يبني فعلاً ركائز ومحطات تنموية حقيقية بدلاً من مجرد شهادات شكلية قد لا تسمن أو تغني من جوع. ربما يكون ما حققه بعض أبنائنا من متدربي الكليات التقنية بمؤسسة التدريب التقني، في ألمانيا، محطة متفائلة جداً لما نرجوه ونأمل فيه، بمثل ما يكون دافعاً لتغيير النظرة المجتمعية التي لا تزال - للأسف الشديد - تعاني بعض القصور في تقييم تجربتها الفعلية. تحية تقدير من القلب لهذه الثلة من أبنائنا الذين كانوا على قدر التحدي.. وتحية لمنظومة التعليم التقني، بانتظار التقدير اللائق إعلامياً ومجتمعياً، كي لا يمر خبر مهم كهذا مرور الكرام..
مشاركة :