قبل خمسين عاما من الآن، ذهب ليفربول لمواجهة واتفورد، الذي كان يعاني بالقرب من منطقة الهبوط في دوري الدرجة الثانية، في الجولة السادسة من كأس الاتحاد الإنجليزي. وخسر ليفربول على هذا الملعب الرهيب بهدف دون رد من توقيع باري إنديان. وعقب نهاية المباراة، وصف المدير الفني لليفربول آنذاك، بيل شانكلي، واتفورد بأنه «أسوأ فريق هزمنا على الإطلاق». وكان شانكلي يدرك جيدا أن تداعيات هذه الخسارة قد تكون هائلة وقد تطيح به من منصبه، بنفس الطريقة التي فقد بها سلفه فيل تايلور منصبه بعد الخسارة أمام ورسستر سيتي في عام 1959. وقال شانكلي: «كنت أعرف أنه يتعين علي القيام بعملي وأن أطور فريقي إلى الأحسن. كان يتعين علي القيام بذلك، وإذا فشلت فإن هذا يعني أنني لم أف بالتزاماتي». وعلى الرغم من أن ليفربول كان قد أنهى الموسم السابق في المركز الثاني في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز، فإنه كان يعاني من تراجع واضح على مستوى النتائج والعروض، حيث لم يحقق الفوز إلا خمس مرات فقط في آخر 18 مباراة له في الدوري. وانفعل شانكلي في غرفة خلع الملابس بعد الخسارة أمام واتفورد وأخبر عددا من اللاعبين بأن مسيرتهم مع الفريق قد انتهت. وخلال الأسابيع التالية، لم يشارك كل من تومي لورنس وإيان سانت جون ورون ييتس وجيوف سترونج في أي مباراة مع الفريق. كما رحل بيتر طومسون، الذي كان يعاني من إصابة في غضروف الركبة، عن الفريق بعد بضعة أشهر. وقد تغير القوام الأساسي للفريق، لكن طريقة اللعب ظلت كما هي. وقال شانكلي عن ذلك: «الطريقة التي يلعب بها الفريق الجديد هي نفس الطريقة التي كان يلعب بها الفريق القديم. لقد لعبنا على استغلال نقاط القوة لدينا، وضغطنا على الجميع وجعلنا اللاعبين يركضون بشكل أكبر داخل الملعب». وفي كرة القدم، دائما ما يكون هناك وقت لا يتعين فيه إقالة المدير الفني بمجرد أن يتعرض الفريق لأي هزة أو عثرة، والدليل على ذلك أنه بعد ثلاث سنوات من هذه الفترة الصعبة على ليفربول، تمكن الفريق من الفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز وكأس الاتحاد الأوروبي. وبعد ذلك بعام واحد، قدم ليفربول أفضل مستويات له تحت قيادة شانكلي وسحق نيوكاسل يونايتد في المباراة النهائية لكأس الاتحاد الإنجليزي ليقرر المدرب الاعتزال وهو في القمة. لكن كرة القدم الحديثة لم تعد تتعامل مع الأمور بهذه الطريقة، وخير مثال على ذلك إقالة المدير الفني الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو من على رأس القيادة الفنية لتوتنهام هوتسبير، حيث أصبحت كرة القدم الحديثة تعمل على تحديد الأزمة ثم تبحث عن الضحية، والذي يكون دائما هو المدير الفني. وقد تكون إقالة المدير الفني هي الأفضل من الناحية الاقتصادية، لأن ذلك سيكون أرخص بالطبع من التخلص من نصف لاعبي الفريق. وقد أشار مديرون فنيون، مثل بيلا غوتمان وغوردون ستراكان، إلى أن العام الثالث لأي مدير فني يكون «قاتلا»، نظرا لأن هذه هي الفترة التي يشعر فيها معظم اللاعبين بالملل والتعب من طرق التدريب، ويعتادون على خصائص وصفات المدير الفني ويشعرون بأنه لا يوجد شيء جديد، وبالتالي يتعين على المدير الفني أو اللاعبين في تلك الفترة أن يتغيروا. وقد تمكن عدد من المديرين الفنيين، مثل السير أليكس فيرغسون وفاليري لوبانوفسكي، من تحقيق نجاح كبير على مدار فترات زمنية طويلة، لأنهم يمتلكون القدرة على تحديث وتطوير فرقهم بشكل متواصل. وقد اعترف شانكلي أنه قد انتظر طويلا حتى يعيد الفريق إلى المسار الصحيح، لكنه تمكن من إحداث «ثورة ثانية» في ليفربول. لكن بوكيتينو لم يحصل على هذه الرفاهية في توتنهام هوتسبير. وقد وضع بوكيتينو، الذي كان يتولى القيادة الفنية لتوتنهام هوتسبير منذ عام 2014، يده على المشكلة الحقيقية داخل الفريق، حيث أدرك أن مهمته لا تقتصر على تكوين فريق قوي فحسب، إذا كان يشكو على مدار عامين من أن الفريق بحاجة إلى التجديد. لكن عندما استجاب مجلس إدارة النادي وتعاقد مع ثلاثة لاعبين جدد - تعرض اثنان منهم للإصابة - كان الوقت قد تأخر. ويجب الإشارة إلى أن ما حدث لتوتنهام هوتسبير هذا الموسم واحتلاله للمركز الرابع عشر في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز كان بسبب ما حدث الموسم الماضي عندما لم يتعاقد الفريق مع أي لاعب لتدعيم صفوفه. وقد تفاقمت المشكلة بسبب عاملين: الأول هو أن الطريقة التي يلعب بها بوكيتينو تتسبب في إرهاق اللاعبين، لأنه يعتمد على الركض المستمر والضغط المتواصل على حامل الكرة. وعندما يفقد اللاعبون الحافز، فإن التراجع يكون دراماتيكيا. وقد حدث هذا الأمر مع نادي بوروسيا دورتموند، على سبيل المثال، في آخر موسم له تحت قيادة المدير الفني الألماني يورغن كلوب، كما حدث نفس الأمر مع بوكيتينو كلاعب في أول ناد يلعب معه (نيولز أولد بويز) الذي حصل على لقب الدوري الأرجنتيني في موسم 1990 - 1991 ووصل إلى المباراة النهائية لكأس كوبا ليبيرتادوريس في عام 1992، لكن المدير الفني للفريق مارسيلو بيلسا رحل وتراجع مستوى الفريق بشكل مخيف لدرجة أنه احتل المركز الأخير في جدول الترتيب في الموسم التالي. ويجب الإشارة إلى أن بوكيتينو ليس تلميذا غير مرن لأستاذه مارسيلو بيلسا، فهو لا يتبع أساليبه بحذافيرها، مثل خورخي سامباولي على سبيل المثال، لكن تأثير بيلسا على بوكيتينو واضح للغاية، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى بعض المشكلات. يقول المدافع السابق لنادي نيولز أولد بويز، مانويل لوب إنها «طريقة تؤدي إلى مستوى معين من التعب والإرهاق. ليس إرهاقا بدنيا فحسب، لكنه إرهاق ذهني وعاطفي أيضا، نظرا لأن مستوى التنافس مرتفع للغاية، وبالتالي يكون من الصعب مواكبة ذلك لفترة طويلة. ويأتي وقت يتعين فيه على الشخص أن يسترخي ويشعر بالراحة. هذا لا يعني أن اللاعب يستسلم أو لا يبذل المجهود الكافي، لكنه يشعر بالإرهاق والملل عند نقطة معينة». وإذا تم النظر إلى خسارة توتنهام هوتسبير على ملعبه بسبعة أهداف مقابل هدفين أمام بايرن ميونيخ في دوري أبطال أوروبا على أنها شيء غريب، فإن أسوأ أداء لتوتنهام هوتسبير خلال الموسم كان أمام برايتون في المباراة التي خسرها بثلاثية نظيفة. ويجب الإشارة إلى أن تسعة من التشكيلة الأساسية للفريق في هذه المباراة يلعبون في النادي منذ أربع سنوات أو أكثر. وربما يكون هؤلاء اللاعبون قد شعروا بالتعب، وهو الأمر الذي يفسر تراجع ضغط الفريق على الفرق المنافسة في المباريات السابقة. وتشير الإحصاءات والأرقام إلى أن توتنهام هوتسبير في كل موسم من المواسم التي لعبها تحت قيادة بوكيتينو كان دائما واحدا من بين الستة الأوائل في الدوري الإنجليزي الممتاز فيما يتعلق بقطع الكرات واستخلاصها من الفرق المنافسة في مساحة تصل إلى 40 مترا من مرمى الفريق المنافس، لكن خلال الموسم الحالي يحتل الفريق المركز الخامس عشر في هذا الصدد. ولا يمكن استبعاد أيضا حقيقة أن اللاعبين يشعرون بالضيق عندما يعلمون أنهم يحصلون على رواتب أقل كثيرا من لاعبي الفرق المنافسة. لقد جعلنا بوكيتينو نشعر بأن تأهل الفريق للعب في دوري أبطال أوروبا بات شيئا طبيعيا ومنطقيا، رغم أن الفريق من الناحية المالية يأتي في المركز السادس بين جميع أندية الدوري الإنجليزي الممتاز، وهذا هو السبب الذي جعل كثيرين يشعرون بالاستياء من إقالة المدير الفني الأرجنتيني خاصة أن معاناة توتنهام في الوقت الحالي لم تضعه بعد في المراكز المهددة بالهبوط، بالشكل الذي حدث لميدلسبره وأجبره على إقالة غاريث ساوثغيت من قيادة الفريق، أو كما حدث لوست بروميتش ألبيون بقيادة روبرتو دي ماتيو. كما لم تكن الأجواء بين بوكيتينو وتوتنهام هوتسبير مشحونة بالشكل الذي كان موجودا بين جوزيه مورينيو وتشيلسي في الأسابيع الأخيرة للمدير الفني البرتغالي في «ستامفورد بريدج». وحتى مع اقتراب عقود أربعة لاعبين من العناصر الأساسية للفريق من نهايتها، كانت كل الأمور قابلة للعلاج والإصلاح. لكن بدلا من ذلك، اختار توتنهام هوتسبير طريق إقالة المدير الفني واستبداله بواسطة آخر. ربما وصلت الأمور لمرحلة صعبة للغاية وربما شعر بوكيتينو بأنه لم يعد قادرا على العمل في ظل هذه الظروف والتقشف المالي، لكن توتنهام دفع 12.5 مليون جنيه إسترليني كتعويض لمدربه الأرجنتيني، الذي يحظى باحترام كبير ومطلوب من الكثير من الأندية الكبرى، ولديه سجل حافل في عالم التدريب، وقادر على تحقيق نتائج جيدة في أصعب الظروف من أجل التعاقد مع مورينيو، الذي دائما ما يشكو من نقص الأموال المخصصة للتعاقد مع لاعبين جدد، كما أنه معروف بعدم اعتماده على اللاعبين الشباب. وإذا كان بوكيتينو يعتمد دائما على الضغط المتواصل على حامل الكرة، ففي المقابل كان مانشستر يونايتد تحت قيادة مورينيو هو الأقل ركضا في الدوري الإنجليزي الممتاز عندما تمت إقالته قبل عام من الآن. ربما سيرحب بعض اللاعبين الذين أصيبوا بالإرهاق بهذا التغيير، لكن هذا يعد تحولا كبيرا للغاية، كما أنه يعد مغامرة هائلة في حقيقة الأمر، وهو ما يؤكد أن كرة القدم الحديثة لم تعد تعتمد على أي منطق!
مشاركة :