أسعد عرابي يجرد شظايا الذاكرة المكانية

  • 5/16/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

دبي - غيث خوري: يستضيف غاليري أيام في دبي معرض العودة إلى التجريد للفنان والناقد السوري أسعد عرابي، وهو أحد الرواد في الفن المعاصر الذين عملوا على مدى سنوات ضمن التعبيرية الموسيقية منتجاً سلسلة تصويرية مملوءة بالألوان متضمنةً تصوير شخصية أم كلثوم الإبداعية. يستند عرابي في ابتكاراته إلى التجريد الغنائي محافظاً على نبض اللوحة وتناغمها ضمن تراكيب متداخلة بشكل انسجامي. يبتكر عرابي أعماله الجديدة يإيحاء من المؤلفات الموسيقية والحياتية الناتجة عن المدن التي أثرت عليه شخصياً على مدى السنين، وهي صيدا جنوبي لبنان ودمشق موطنه الأصلي، كما يعتبر أن باريس التي عاش فيها منذ 1975 مصدر إلهام من خلال غناها المعماري وإرثها الموسيقي. ويؤكد عرابي أن شخصية لوحاته تتمايز في برزخ متوسط بين التجريد والتشخيص، متناسلة من موروث رسوم المخطوطات العربية وتصاوير أيقوناتها السوريانية وحرفياتها الشعبية، مثل عرائس خيال الظل، والصناعات النورانية على غرار شمسيات الزجاج المعشق. ويضيف أنه من الضرورة بمكان توضيح الفرق بين التشخيص التعبيري والواقعية الوصفية، فرغم متانة ممارستي الأكاديمية سواء في المناظر أو البورتريه، فلوحتي لم تستعن أبداً بالواقع المباشر، خاصة وأنها تعكس ترحالي الدائم عن المكان الأول، وتحدوني منذ البداية قناعة بأن الذاكرة تصفي المتذكر من التفاصيل المرهقة للوحة وقد تكون الدرجة الأولى في سلم تجريد من صفته الدلالية والأدبية، فعندما تنسحب تفاصيل المدينة القديمة من الذاكرة لايبقى منها إلا مايستحق البقاء، وهنا أصل في تجريد الموضوع حتى النهاية، وذلك باقتصاري على لملمة شظايا الذاكرة ولملمة خاماتها المتباعدة. ويمكن للمتفرج أن يستشعر موضوعات أعمال عرابي من خلال عناوينها التي يبتكرها بعد رسمها بهدف تحقيق سرد حميمي مع المتفرج، ففي عمله مدينة الصمت، تظهر حالة من المؤثرات البصرية الحياتية على الرغم من تجريدية الأسلوب، وذلك من خلال هيمنة تشكيلات من اللونين الأخضر والأصفر بشكل متضارب مع خلفية من تعددية لونية عسلية، يريد عرابي أن يتلاعب بشكل تناغمي بين ضربات الريشة والتناقضات اللونية، جامعاً بعناية منظومة موسيقية تركيبية من التشكيلات المكتنفة في أنحاء المدينة. وفي لوحة لحن الغروب تتوضح المعالم الدارجة للبيئة المدينية من خلال التشكيلات القرمزية، والتي تتداخل فيها مفردات تشكيلية سوداء اللون مايؤدي إلى تشكيل بورتريه متعدد الأبعاد للمدينة التي تتدفق منها النوتات الموسيقية الزاهية، والتي من الممكن أن تملأ أنسجة المدينة وشوارعها. ويلمح عرابي في عمله ذاكرة من الأخضر، إلى العملية الإبداعية المستخدمة في مجمل أعماله والتي تستند إلى فكرة أن اللوحة يجب أن تبتكر من خلال ذكريات الفنان أكثر من الطبيعة المتاحة. يتحوَّل عرابي عن رسم المباني نحو الموسيقى والرموز ظاهرياً من التصوير نحو التجريد ولكن بشكل سلس للغاية راجع إلى الإنسيابية في الطرح التشكيلي الجديد، حيث تكثر النغمات السامية للمشاهد المرسومة، مترجماً الحالة المدنية المنظورة إلى لحن موسيقي يكاد يكون مسموعاً عند مشاهدة لوحاته.

مشاركة :