المال السهل يخفي صدوعا عميقة في الهند

  • 11/25/2019
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

محافظو البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم يبذلون قصارى جهدهم لضمان بقاء أسعار الأصول المالية مرتفعة. لكن إحدى تبعات إبقاء أسعار الفائدة منخفضة هي أنها تركت صناديق الديون المتعثرة في موقف يتعين عليها فيه أن تختار بين عدد قليل من الأصول التي يمكنها الحصول عليها بخصم حاد. على الصعيد الإقليمي يستمر رأس المال في التدفق إلى الأسواق الناشئة، حتى إلى تلك الأسواق ذات الآفاق الأكثر كآبة. الهند تعد واحدة من أكبر الدول المستفيدة من هذا الاتجاه. أسواق السندات والأسهم في البلاد شهدت تدفقات داخلة بلغ مجموعها 16 مليار دولار منذ بداية 2019 حتى الآن، ما عكس التدفقات الخارجة التي شهدتها العام الماضي. في الوقت نفسه، ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر 20 في المائة، وفقا لبيانات من راديكا راو، الخبيرة الاقتصادية الهندية لدى "دي بي إس" في سنغافورة. لكن هذه الأرقام الإيجابية تتعارض مع مزاج قاتم، خاصة في نيودلهي، العاصمة. الصناعيون والمستثمرون هناك يقولون بدلا من مطاردة فرص الاستثمار في الداخل، فإنهم يرسلون 250 ألف دولار حدا أقصى في شكل تحويلات شخصية إلى دبي وسنغافورة كل عام. هناك تبقى الأموال في الحسابات المصرفية تدر ربحا قليلا إلى جانب راحة بال أصحابها. التحدي الأكبر اليوم هو أن قطاع الشركات في الهند مثقل بديون كثيرة للغاية. ينبغي أن يعني ذلك أوقاتا جيدة لتلك الشركات الأقل تبذيرا، ولديها نقد يقلل من اعتمادها على الاقتراض. أحد كبار الشخصيات في شركة استثمار دولية يقول: "نصف الهند غارق في الديون. إذا كان لديك تدفق نقدي، فإن خندقك الضخم أصبح أكثر عمقا". إذا كانت شركة ما تحتاج إلى طرح أسهم جديدة، فإن الأجانب على استعداد للاستثمار فيها. لكن هناك دلائل تشير إلى أن رأس المال الأجنبي لم يعد موضع ترحيب كبير: يظهر ذلك، مثلا، في تأخيرات الإصلاحات مثل وضع نظام إفلاس جديد. في الوقت نفسه، يتذمر الصناعيون المحليون وخبراء سوق المال من الملكية الأجنبية. "لقد منحنا هذه البلد للأجانب"، يشكو رئيس أحد المصارف الاستثمارية المحلية. لكن إذا لم تكن الأموال الأجنبية موضع ترحيب، فليس من الواضح من أين سيأتي رأس المال الجديد لسد الفجوات في الميزانيات العمومية للشركات والحكومات. وبدون رأس المال لا يمكن للبلد أن ينمو. بالتالي تسود الكآبة على نطاق واسع. الاقتصاد الهندي نما 5 في المائة فقط في الربع الثاني وهو أدنى معدل للنمو في ستة أعوام. شركة كابيتال إيكونوميكس التي خفضت تقديراتها للتو، تتوقع نموا بنسبة 4.7 في المائة فقط في الربع الثالث. في هذه الأثناء، تكافح الشركات في قطاعات مثل التمويل والإسكان والبنية التحتية والعقارات التجارية والاتصالات، لجمع أموال بأسعار مقبولة. كثيرون تفاقمت محنتهم بعد الانهيار المفاجئ العام الماضي لشركة الإقراض غير المصرفية "آي إل آند إف إس"، الأمر الذي زعزع الثقة في قطاع مصرفية الظل. "كثير (من المقترضين) كانوا سيظلون على ما يرام لو لم تتوقف الموسيقى فجأة"، بحسب المستثمر الكبير، مضيفا: "الآن خياراتهم آخذة في النفاد". بنك الاحتياطي الهندي خفض سعر الفائدة المرجعي بشكل متكرر تحت ضغط من حكومة ناريندرا مودي، رئيس الوزراء. وأشار أيضا إلى مزيد من التخفيف عقب تقليص 135 نقطة أساس منذ شباط (فبراير)، ما دفع سعر الفائدة إلى أدنى مستوى في تسعة أعوام لكن على الرغم من هذه الجهود، يظل رأس المال نادرا ومكلفا. استثمارات القطاع الخاص المحلي في حالة توقف تام. الإقراض من مصارف القطاع العام، الذي يمثل أكثر من نصف إجمالي القروض، انخفض ليصبح مجرد 5 في المائة على أساس سنوي، وفقا لآشيش جوبتا، من "كريدي سويس" في مومباي. وهذا أقل بكثير من معدل النمو الاسمي البالغ 8 في المائة. الإقراض المصرفي لمطوري العقارات انخفض بمقدار النصف تقريبا بين عامي 2018 و2019. "كيه كيه آر"، شركة الاستثمار في وول ستريت، قالت في عرض تقديمي أخير: "حتى الأصول الجيدة تواجه صعوبة في الحصول على تمويل". تخفيض الضرائب على الشركات الذي يجعل الهند أقرب إلى أسعار الفائدة لدى جيرانها ومنافسيها، لم يكن له تأثير كبير في تحفيز الاستثمار. سوق الأسهم حققت أداء جيدا، بارتفاعها نحو 13 في المائة هذا العام، متفوقة قليلا على مؤشر مورجان ستانلي العالمي للأسواق الناشئة. لكن الانتعاش كان ضيق النطاق؛ أفاد بشكل عام الشركات الأكثر قوة في البلاد، مثل "إتش دي إف سي" و"باجاج للتمويل" و"هندوستان يونيلفر". أما الصورة الأعم فهي أقل تشجيعا. 60 في المائة من الشركات المدرجة لم تحقق أهداف الأرباح للربع الأول من السنة المالية التي تنتهي في آذار (مارس) المقبل، وفقا لـ "كيه كيه آر". الأجانب ذوو الجيوب العميقة انتهزوا الفرصة. مثلا، شركة بلاكستون العقارية المحلية اشترت عقارات من شركة إنديابولز، وهي تكتل محلي، في حين اشترت شركتها الفرعية للأسهم الخاصة أصولا من شركة إقراض متعثرة هي"ديوان هاوسنج". من السهل فهم الاستياء المحلي عندما يبدو أن المستثمرين الأجانب يستغلون الصعوبات المحلية لصالحهم. من بين عمليات الاستحواذ الكبرى في الأعوام الأخيرة شراء شركة روسنفت الروسية لمجموعة إيسار في صفقة قيمتها 13 مليار دولار، وعرض شركة أرسيلور ميتال التي تتخذ من لوكسمبورج مقرا لها، شراء شركة إيسار ستيل مقابل ستة مليارات دولار، الذي لم يتم الاتفاق عليه بعد. لكن التأخير، والمطالبات بالضرائب ذات الأثر الرجعي، وتغيير القواعد كلها عوامل تثبط الاستثمارات الداخلة اليوم حتى في الوقت الذي تواجه فيه الشركات المحلية آفاقا أضعف من أي وقت مضى. بيد أن خيارات الهند محدودة. إذا كان رأسمال النمو معروضا بالفعل، فلا ينبغي أن تهتم الشركات كثيرا بمصدره.

مشاركة :