تقف الواقعية السياسية حاجزًا أكثر من أي وقت مضى بين القضاء الدولي والمسؤولين عن الفظاعات التي ترتكب في سوريا رغم تراكم الادلة منذ أكثر من أربع سنوات من النزاع في هذا البلد، برأي المحللين. وقامت منظمات غير حكومية بتوثيق الجرائم التي وقعت خلال النزاع فيما اعلنت مجموعة من المحققين الدوليين الجمعة ان لديها ما يكفي من الادلة لملاحقة بشار الاسد ومعاونين بارزين له. لكن ان كان محققو لجنة العدالة والمساءلة الدولية يؤكدون اعداد ثلاث قضايا ضد نظام دمشق بسبب ارتكاب جرائم حرب واخرى ضد الانسانية، فان الاسرة الدولية ليست على استعداد لمقاضاة دمشق. وتمنع اسباب سياسية اي محكمة من النظر في اخطر الجرائم التي ارتكبت في هذا النزاع الذي اوقع اكثر من 220 الف قتيل بينهم ما لا يقل عن 67 الف مدني و11 الف طفل. وقال مارك كيرستن الخبير في القانون الدولي ومقره في لندن: «من المرجح ان يكون هذا اول نزاع يثير هذا العدد من التحقيقات في ارتكاب فظاعات وجرائم حرب وجرائم بحق الانسانية، من غير ان يؤدي ذلك الى انزال العدالة». فالمحكمة الجنائية الدولية التي تنظر في اخطر الجرائم، لا تملك اي صلاحيات في سوريا التي ليست من دولها الاعضاء، كما ان روسيا حليفة دمشق ستستخدم حق الفيتو في مجلس الامن الدولي لمنعه من اصدار قرار يجيز للمحكمة الجنائية فتح تحقيق. وأوضح اوليفييه ريبلينك الباحث في معهد «تي ام سي اسر» في لاهاي ان هذه المحاكم الخاصة أنشئت «في غمرة نهاية الحرب الباردة» مؤكدًا أن «الأمور مختلفة اليوم». وقال: «ينبغي انتظار تغيير للنظام في سوريا مع تشكيل لجنة لكشف الحقيقة، من نوع اللجان التي تعقب الثورات». كما ان الصلاحية العالمية التي منحتها بعض الدول لنفسها من اجل النظر في الجرائم المرتكبة خارج اراضيها لا تبدو خيارًا ممكنًا في حالة سوريا. وقال ريبلينك: «إن السلطات القضائية الغربية قد تستخدم ادلة ضد جهاديين عائدين الى البلاد. لكن أحدًا لن ينطلق في محاكمة ضد نظام الاسد او ضد الاسد نفسه». وحتى لو لم تؤد الادلة التي جمعتها لجنة العدالة والمساءلة الدولية الى محاكمة، الا انها لن تكون بدون فائدة. ورأى كيرستن أنه «إن انتظرنا تحقيقًا من المحكمة الجنائية الدولية أو من محكمة خاصة، فإن قسمًا من هذه الأدلة سوف يضيع» محذرًا أنها «قد تدمر، ثم انه مع مرور الزمن لن يعود الاشخاص يذكرون الاحداث بسهولة». وقال اوليفييه ريبلينك: إن مجرد وجود هذه الادلة يمكن ان ينعكس سلبًا على بشار الأسد؛ لأنها «قد تجعل من الصعب على بعض الدول الاستمرار في دعم النظام». وفي مطلق الاحوال، ليس من المؤكد ان ملايين الوثائق والصور والفيديوهات التي جمعتها لجنة العدالة والمساءلة لقاء مجازفة كبرى سيكون من الممكن الأخذ بها أمام محكمة. وسبق ان تم استخدام ادلة جمعها محققون مستقلون امام القضاء الدولي ولا سيما امام المحكمة الجنائية الدولية، غير ان جيل كوستر فان فورهوت الباحثة في معهد لاهاي للعدالة الدولية حذرت من مصاعب قد تظهر في هذا السياق. وقالت: «قد تقوم عقبات، على سبيل المثال حين لا تكون الادلة جمعت من اجل محاكمة» مضيفة إنه «في مثل هذه الحالة، فإن الادلة قد تعتبر غير صالحة وبالتالي قد لا يتم قبولها او قد تعتبر ذات قيمة قانونية دُنيا». والوسيلة الوحيدة لاختبار متانة الاثباتات براي كيرستن تكون باجراء محاكمة، وهو ما تملك الاسرة الدولية وحدها السلطة لتحقيقه. وختم «كل شيء مرهون بالارادة او بالسياق السياسي الذي يجعل الملاحقات ممكنة، ليس فقط بحق الاسد بل كذلك بحق الذين يحملون اكبر قدر من المسؤولية (عن الجرائم) من طرفي النزاع».
مشاركة :