تأهيل المدمنين يتجاوز العلاج إلى بناء حياتهم من جديد ووقايتهم من «الانتكاسة»

  • 5/16/2015
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

عندما نتحدث عن ظاهرة الإدمان ومواجهتها وطرق التعامل مع المدمنين فإننا نتحدث عن أهم المهمات التي تتعلق بالمدمن ذاته وأسرته وكافة المتعاملين معه، ومن ثم ينسحب هذا على المجتمع بأكمله، فالكثير من المدمنين أو حتى العامة من الناس يعتقد أن مستشفيات الأمل والصحة النفسية تشبه إلى حدٍ كبير السجون، وأنها بمثابة العقاب وليس العلاج للمدمنين، ناهيك عن الكثير من الاعتقادات التي يروجها المدمنون فيما بينهم عن ما يتعرضه المنومون داخل تلك المصحّات. وللوقوف على واقع مستشفيات الصحة النفسية، قامت"الرياض" بزيارة لمجمع مستشفى الأمل بالدمام حيث طلبنا من إدارة المجمع أن ترافق "الرياض" المتعافون والمرضى على مدى يومٍ كامل، مع مراعاة خصوصيتهم، وهو ما تم حيث سهلت إدارة المجمع مهمتنا في التنقل بين الأجنحة والغرف ومقابلة نزلاء المستشفى، ومشاركة المرضى في برامجهم الترفيهية التي يتيحها لهم مجمع الأمل بالدمام، بمرافقة مدير خدمات المرضى محمد القرني. حالات إدمان النساء والأطفال لاتتجاوز إشغال الأسرّة بداية تحدث بعض النزلاء لنا عن بعض المفاهيم التي كانوا يعتقدونها قبل الدخول للمستشفى والتي كانت رائجه بين المتعاطين وتشكل مخاوف لدى الكثير من المتعاطين، وقال "ص.ع" 24 عاماً، مدمن مادتي الحشيش والكبتاجون، كنت أسمع أن معاملة المرضى داخل المسشتفى تشبه السجون، بالإضافة للمخاوف من إجبار المرضى على تناول الحبوب النفسية، ولكن بعد دخولي للمستشفى منذ أسبوعين تغيرت لدي الكثير من المفاهيم، حيث وجدت تعاملاً مغايراً لكل ماكنت أعتقده، فالمستشفى أشبه بمرحلة النقاهة والاستجمام، فالبرامج التي نخضع لها الآن في القسم التأهيلي تتنوع بين الترفهية والتثقيفية وتعلم كيفية العيش بعيداً عن المخدرات وبراثنها. وقال المريض "ف.س" 43 عاماً، مدمن على مادة الهروين، هذه المرة الرابعة التي أدخل للمستشفى بمبادرة شخصية مني، وكانت المرة الأخيرة قبل عامين أقلعت بعدها عن التعاطي ولكني عدت من جديد للأسف، وبعد أن فقدت وظيفتي وعائلتي لم أجد إلا المستشفى الذي قررت أن أعيد تجربة التعافي فيه والعودة من جديد لإصلاح ما يمكن إصلاحه. من جهته قال المشرف العام على المجمع د. محمد الزهراني: إن المجمع بالإضافة إلى الخدمات العلاجية التي يقدمها يقوم أيضاً بإعادة بناء حياة المريض من الناحية البدنية والذهنية والمهنية وكذلك النفسية والاجتماعية، ويهدف إلى التأهيل والمحافظة والاستمرار بالتعافي من الإدمان من خلال العديد من الأنشطة المتنوعة واكتشاف القدرات الذاتية وتأكيد الذات من خلال العمل والإنتاج، مبيناً أن من أهم البرامج التي يقدمها المستشفى، برنامج الرعاية المستمرة، ويعد مركز الرعاية المستمرة والذي يستضيف المتعافي لمدة عام كامل داخل إسكان يعرف (بمنزل منتصف الطريق) معد ومجهز لبدء مرحلة التعافي التام، أو من خلال المراجعة الدورية والحضور اليومي للبرنامج من منزل عائلته، ويعد المركز امتداداً للإجراءات العلاجية بالمجمع حيث تبين أنه من خلال معدل الانتكاسة العالية يجب أن تكون فترة العلاج أكثر طولاً وليس داخل المجمع ولكن من خارجها ولهذا جاءت الفكرة العلاجية لإنشاء وحدة الرعاية المستمرة، مضيفاً أن المركز أصبح وبعد النتائج الكبيرة التي تحققت من خلاله مندمجاً بشكل كبير مع باقي الأقسام العلاجية بالمستشفى من ناحية وضع الخطة العلاجية لخروج المريض وطريقة إلتحاقة بالمركز والذي يمتد على مدى 24 شهراً يتحول من خلالها المريض إلى عضو فعال في مجتمعه وأسرته، كما يقوم المركز بمتابعة المتعافين من خلال إشراك المريض بالبرنامج العلاجي بالمركز، حيث تتم مراقبة الانتظام بحضوره والتأكد من عدم تعاطيه لأية مادة مخدرة أو منشطة وذلك من خلال عينة التحليل الدورية. ومن أبرز الأهداف التي يقوم عليها المركز غير توفير الجو الصحي للمتعافي، مساعدة المتعافي على اتباع الأنظمة والقوانين التي ستواجهه في حياته الجديدة ومساعدته في الأعتماد على نفسه وتكوين علاقات صحية جديدة، كما يقوم المركز بمساعدة المتعافي على إيجاد عمل وسكن وتكوين نفسه بنفسه، كما أن المركز لايقتصر على إعادة تأهيل المتعافي وإنما إشراك الأسرة في العملية العلاجية ومساعدتها في التعامل مع المشاكل الملحه في علاقتها مع المتعافي مستقبلاً، ومساعدته في تعلم طرق الاتصال الصحية وخصوصاً عند التعبير عن مشاعره وفهم طبيعة ونتائج مختلف الحالات المزاجية، ومن أهم البرامج التي يقوم عليها المركز مايعرف ببرنامج الوقاية من الانتكاسه عبر مساعدته المريض على فهم ظروفه التي قد تعرضه لخطر الانتكاسه مثل الحالة المزاجية والظروف الأسرية والاجتماعية والمهنية بالإضافة إلى مساعدته على تطوير إستراتيجيات التعامل مع مهددات تعافيه وذلك من خلال تطوير المهارات العقلية والسلوكية. وأبان الدكتور الزهراني إن المستشفى يقوم بعملية توسع ونقلة نوعية كبيرة من حيث البرامج ومن حيث التوسع في الطاقة السريرية من خلال المجمع الجديد. مركز الرعاية المستمرة من جهتة أوضح نائب المشرف العام ورئيس برنامج علاج الإدمان د. عبدالسلام الشمراني "إن مراحل العلاج بمركز الرعاية المستمرة تشمل أربعة مراحل حيث تمتد المرحلة لمدة أربعة أشهر ويتم وضع الخطة العلاجية للمتعافي من خلال المختصين عن طريق العديد من البرامج من أهمها برنامج الوقاية من الانتكاس والمساعدة الذاتية، وكيفية الابتعاد عن الجرعة الأولى والشوق للمادة المخدرة والتي تعد أولى مراحل الانتكاسة، وفي هذه المرحلة تتكون صداقات مع مدمنين متعافين عن طريق إعطاء النزيل إجازات بعد إكماله الشهرين وذلك في عطلة الأسبوع وأيضا لتحسين أوضاعه مع أسرته. وفي المرحلة الثانية التي تعرف بالمرحلة المتوسطة وتمتد أيضاً لمدة أربعة أشهر يقوم المختصون فيها على تقليل التدخل المباشر في حياة المريض ومنحه فرصة الخروج من السكن ومراجعة الدوائر الحكومية لإنهاء أوراقه الرسمية إذا دعت الحاجة لذلك، والبدء في معاونة المتعافي للبحث عن عمل بمساعدة المركز، حتى يصل لمرحلة الاعتماد على الذات تدريجياً، مضيفاً أن المرحلة الثالثة والأخيرة في المركز تعرف بالمرحلة المتقدمة وتمتد كذلك لفترة أربعة أشهر يكون خلالها قد التحق المتعافي بعمل، ويكتفى بمراجعة المركز مرتين إسبوعياً حتى ينخرط بشكل كامل في المجتمع، ويمنح المتعافي في هذه المرحلة فرصة الاستمرار في البرنامج لأكثر من سنه وبحد أقصى سنتين وفق شروط يحددها المسؤولون في المركز إذا دعت الحاجة لذلك. حالات إدمان النساء وعن مدى انتشار حالات الإدمان بين النساء، قال الدكتور الزهراني أن فكرة إنشاء أقسام علاج المدمنات ليست حديثة وإنما بدأت 1421 ه من خلال تخصيص 5 أسرة لحالات الإدمان النسائية، مبيناً أن طوال هذه المدة لم يتجاوز عدد إشغال الأسرة النسائية أكثر من 3 أسرة في وقتٍ واحد، مؤكداً في الوقت نفسه أن هذه الأعداد قليلة ولايمكن في نفس الوقت أن تعكس مدى انتشار ظاهرة التعاطي بين النساء، حيث إن بعض الحالات تذهب لمستشفيات أخرى خارج المنطقة الشرقية أو حتى خرج المملكة، وعن حالات الإدمان بين الأطفال أو حديثي السن أوضح أن المستشفى في وقتٍ سابق خصص 10 أسرة لحالات الإدمان في الأعمار بين 14 - 18 سنة، ومكثنا 6 أشهر دون أن يأتي مرضى فأضطرننا إلى إقفال القسم ، موضحاً في الوقت نفسه أن هذا لايعني عدم وجود حالات إدمان بين هذه الفئة بل هناك حالات ولكن في المسشتفى لدينا لم تصل إلى حد الظاهرة. المبنى الجديد ويقع المبنى الجديد لمجمع الأمل للصحة النفسية بالدمام على الطريق السريع الظهران - أبو حدرية وتصل سعته السريرية إلى 500 سرير، ويشمل المبنى قسمين رئيسين هما قسم علاج الإدمان وقسم الصحة النفسية بالإضافة إلى أقسام التأهيل والتغذية والعيادات الخارجية والطوارئ والمباني الإدارية ويقدم المستشفى الخدمة العلاجية الكاملة، لعلاج الإدمان والأمراض النفسية، وعلاج مكافحة التدخين ومركز الرعاية المستمره ومنزل منتصف الطريق، وما يعرف بنفطيات الاستشارات النفسية واللجان النفسية بمختلف القطاعات، وفق أعلى المعايير الدولية في منهجية علاج الإدمان، ويخدم المبنى الحديث كلاً من المنطقة الشرقية ومنطقة الحدود الشمالية، وسكاكا بالإضافة الى المرضى من دول مجلس التعاون الخليجي يحث يقدر عدد سكان المناطق التي يخدمها المستشفى وتقع تحت مسؤوليته الجغرافية أكثر من 4 مليون نسمة. السوار الإلكتروني وخلال جولة "الرياض" في المستشفى الجديد أوضح الدكتور محمد الزهراني أن المستشفى روعي في تجهيزه أن يكون وفق المعايير الدولية، حيث يشبه إلى حدٍ كبير تجهيز الفنادق والمنتجعات الصحية التأهيلية، التي أثبتت الدراسات العلمية أن تلعب دوراً كبيراً في تقبل المريض لمراحل العلاج، مضيفاً أن التصميم الداخلي والديكورات وأجنحة التنويم لاتوحي للمريض بأنه داخل مستشفى أو مصحة نفسية، كما أن المبنى الجديد يقوم على سياسة المراقبة الاكترونيه حيث يعكف الآن الزملاء بقسم الامن الاكتروني، على أعداد سياسة منهجية مكتوبه للتدخل وكيفية استرجاع التصوير الاكتروني في حال وجود شكاوى أو سوء معاملة للمريض، أو ملاحظات على الخدمات حيث يخضع كل اجزاء المجمع للمراقبة الاكترونية والتي تصل مدة التسجيل بها الى حفظ لمدة 10 سنوات، ويعتزم مجمع الامل للصحة النفسية في الدمام تطبيق نظام "السوار الالكتروني" لمتابعة مرضى الذهان العقلي ومعرفة مدى امكانية خروجهم خارج المجمع والتمتع بحياة طبيعية دون الحاجة الى التنويم الدائم داخل أقسام التنويم، حيث تعمل هذه السوارة الالكترونية على تحديد موقع المريض بعد خروجه من مركز التأهيل. وذكر الزهراني أن فكرة الإسوارة ستطبق للمرة الأولى على مستوى الشرق الأوسط ونبعت فكرة تطبيق هذا النظام بعد ان لوحظ عدم تمكن أهل المرضى من استقبال تلك الحالات من المرض في المنزل أو وجود عائق اجتماعي ويعوق من وجود المريض وسط عائلته حيث يحق له الخروج واندماجه في الحياة اليومية تحقيقاً لرغبة اقاربه في زيارته ومجالسته لأوقات محددة، وسيتم تطبيقها على 30 مريضاً ومريضة مصابين بالفصام أوالذهان لتلافي السلبيات التي قد تحدث ومن ثم تعميمها على بقية المرضى بالتأهيل .

مشاركة :