وجهة نظر: الكراهية وحرية التعبير ـ لا للصمت!

  • 11/26/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

من الناحية القانونية يمكن اعتبار الكراهية رأيا. لكن المجتمع لا يمكن ولا يحق له قبول الكراهية، لأنه يدمر بذلك الاجماع الديمقراطي، كما يرى ماتياس كفينت في تعليقه التالي. مجسم الذئب في مدينة كمنيتس الألمانية كرمز ضد النازية. في الخلف كتبت عبارة معناها: المكان الذي يجري فيه التأليب (ضد الآخرين) سيكون لاحقا مكانا للدوس (عليهم) منذ اغتيال فالتر لوبكه رئيس حكومة مدينة "كاسل" في يونيو/ حزيران، يدور في البلاد نقاش حول الكراهية والعنف اليميني. مرة أخرى، وفي جميع أنحاء ألمانيا يتم الإبلاغ عن تهديدات لسياسيين في بلديات وولايات وداخل البرلمان. مستغلون ومتطرفون متشجعون يبعثون بتهديدات قتل ويتسببون في انعدام جماعي للأمن. وهذا يطال مثلا أشخاصا تولوا في بلديات صغيرة منصب العمدة الشرفي. ولهذا يصبح من الصعب بشكل متزايد العثور على متطوعين مستعدين لتحمل المسؤولية من أجل الصالح العام، عندما يوسع أفراد أو أقلية عالية الصوت الضغوط والتهديدات ضد عمليات سياسية راسخة. من يضع نفسه رهن التصرف؟ والعواقب بالنسبة إلى الثقافة الديمقراطية قد تكون وخيمة: فمن يريد، بغض النظر عن الواثقين إيديولوجيا، وضع نفسه رهن تصرف مهام ومناصب سياسية عندما يكون الثمن لذلك هو الخوف والاحتقار؟ وهذا لا يحتاج فقط إلى حماية حكومية أفضل من التهديد والعنف، بل أيضا الاعتراف بالالتزام التطوعي من كافة المجتمع ـ حتى تجاوزا لحدود الأحزاب. والحقيقة تشمل أيضا القول بأن السياسة تركت الكراهية طوال سنوات تنمو وتتوغل. وعندما طال رصاص النازيين المهاجرين والمشردين أو اليساريين، فالدولة لم تتحرك. وعندما أقدم نازيون جدد على قتل مهمشين وأجانب ومثليين سكت الكثيرون. ومنذ 1990 تم قتل 198 إنسانا على الأقل على أيدي جناة يمينيين، كما أحصت مؤسسة أماديو أنطونيو. وعدد السياسيين العاملين بينهم كان واحدا. والآن فقط تتحرك الحكومة والشرطة الاتحادية لترد على الخطر القديم من أقصى اليمين. ولكي تمس الإجراءات الراديكاليين اليمينيين، يجب على الولايات أن تساير الركب، فيما يتصل بتقوية الشرطة والعدالة المسؤولتين في عين المكان عن الملاحقة الجنائية وحماية جميع الناس من الكراهية والعنف. نظرة إلى أعماق مجتمعنا منذ أن بات سهلا بفضل الانترنت مضايقة الناس وإهانتهم وتهديدهم بالقتل، يمكن لنا في كل وقت مشاهدة التدهور الإنساني داخل مجتمعنا. لكن من شاهد المهرجانات الخطابية لحزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي أو حركة "بغيدا" وكيف يتم الصراخ فيها والهجوم على صحفيين ورجال شرطة ومتظاهرين مضادين يخلص إلى نتيجة أن تلك التعليقات ليست فقط سطحية تصدر بسرعة من قبل مجهولين. فالكراهية موجودة بشكل أعمق وأعمق. ماتياس كفينت، عالم اجتماع ومدير معهد الديمقراطية والمجتمع المدني في يينا ومن الناحية القانونية يمكن النظر إلى الكراهية على أنها رأي. فحرية الكلام مكسب ثمين ومتناقض في آن واحد: فهي تحمي أيضا التصريحات المهينة والعدوانية في مواجهة الدولة ـ ما دامت تلك التصريحات لا تخرق القوانين المعمول بها. كما أن الكلام الشجاع المضاد لذلك كله محمي أيضا وكذلك الاعتراض وانتقاد معاداة السامية والعنصرية والتمييز أو التحيز الجنساني وغيرها من الأيديولوجيات الأخرى والممارسات، النابعة من عدم المساواة. وحاليا يدور في ألمانيا نقاش مُنْفَعِل حول ما إذا كان ذلك يشكل تقويضا لحرية الرأي عندما تصطدم أشكال تمييز وتحقير لم تلق إلى حد الآن الاعتراض بالرفض في خضم التوعية الإجتماعية والسياسية. فحزب البديل من أجل ألمانيا مثلا يجرح بشكل منهجي كرامة الإنسان ولذلك يواجه النقد مرارا وتكرارا. ومن يهاجمون القانون الأساسي (الدستور الألماني) يتخيلون إذن نهاية حرية التعبير ويستأنسون بلعب دور الضحية. نطاق الرأي في ألمانيا يزداد اتساعا لكن في الواقع يتوسع مجال الرأي في ألمانيا. فالأصوات التي تم تجاهلها في السابق ولم يتم سماعها لا يمكن قمعها لفترة أطول. فداخل مجتمع يزداد تنوعه تتبارى بنجاح أصوات وقصص النساء والأقليات والمضطهدين في مجالهم العام. فالصحفي كريستيان بانغيل مثلا ساعد من خلال هاشتاغ #Baseballschlägerei في منح صوت لكل أولئك الذين تعرضوا في السنوات الأخيرة للهجوم من طرف نازيين، ليس فقط في شرق ألمانيا. وأنا أيضا أنتمي إلى هؤلاء الناس. وبالنسبة لنا فإن الكراهية والعنف والخوف والإقصاء ليست بأشياء جديدة. ومن المنطقي أن تكشف جميع أصوات المتحررين والمهمشين والمقهورين عباءة الجهالة واللامبالاة وأن تضع علامة استفهام في النهاية على سيطرة أولئك، الذين تمكنوا طيلة عقود، عبر هيمنتهم الثقافية، من إزاحة وجود المضطهدين إلى خارج الوعي العام. عدد متزايد من الناس في ألمانيا يفهمون أن الهجمات من اليمين تستهدف الإجماع الديمقراطي. فكل تعليق كراهية ضد المهاجرين والنساء أو اليهود هو خرق للقانون الأساسي. والعالم الليبرالي لجميع الديمقراطيين ـ سواء أكانوا مواطنين أو سياسيينـ يواجه هجوم الكراهية. ولهذا وجب على الغالبية الالتزام معا متجاوزين للحدود الحزبية من أجل تضامن حقيقي والاعتراف "بالآخر". وتعلمنا من التاريخ أنه قد لا يوجد في وقت ما شخص قادر على التدخل عندما تتسع دائرة الكراهية. ماتياس كفينت *** الدكتور ماتياس كفينت عالم اجتماع ومدير معهد الديمقراطية والمجتمع المدني في يينا. وصدر له في أغسطس/ آب كتاب حول اليمين المتطرف وتطلعه لنيل السلطة وكيفية منع ذلك.

مشاركة :