أن تنقل نصا لكاتب أمريكي، ويقرأه المتلقي العربي، فيضحك من فرط سحر الإحساس، وجمال الأدب الذي يقرأه. أن تقرأ نصا مترجما، فتصعد المترو وتتجه إلى واشنطن دون أن تفاجئك (الفروة) في طريقك، وبين أن تقرأ نصا مترجما فتشعر بأنك ما زلت تجلس على ذات الكرسي في شارع «التحلية» تشرب قهوة «الكابتشينو» ذاتها، وتشاهد برج «الفيصلية» بينما غبار الرياض يعبر من خلاله، وأنت ما زلت ممسكا بالجريدة تقرأ هذا النص تعيس الترجمة، وتشعر بالهواء الحار يلفح وجهك على الرغم من أنك تقرأ قصة قصيرة تحكي عن قرية ريفية ذات هواء عليل.. أن تعبر النهر دون أن تبتل، أن تنقل لي نصا من وجهة نظرك، من خلال عينيك، أن تعبر النهر ولا تبتل، أن أشتم رائحة القهوة العربية داخل القصة الإنجليزية، وأتذوق «الكبسة» في بلاد «السوشي»، وأسير في شوارع تكثر فيها الحفريات..! لا أرغب حقا بقراءتك أيها المترجم الكريم إلا حين تعطيني نصا بذات الدهشة الأولى، أن أشعر وكأنه كتب بلغته الأم، أن لا تقحم خلفيتك الثقافية ووعيك المجتمعي في النص. أن تبتل بماء النهر، أن يغطيك، أن أرى الماء ينساب بين يديك ومن خلفك، فأقرأ نصا غاية في الإبهار، وأرغب حقا بتقبيل جبينك. أتذكر فيما مضى حين وقفت أمام رف المكتبة في الجزء الخاص بالروايات المترجمة، كنت أنوي شراء رواية «الأخوة كارامازوف»، وقفت في حيرة من أمري؛ لأني وجدتها لمترجمين مختلفين، وفي النهاية، قررت أن الحل بين اثنين، الأول: ألا أشتريها حتى أقرأ لكلا المترجمين، والثاني: أن أشتري كلا الكتابين وأقرأهما معا، فيما بعد عرفت أن المترجم المحترف الذي تقرأ اسمه على الغلاف، فلا تتردد لحظة واحدة في شراء الكتاب. وحين نذكر المترجم المحترف لا يمكن أن ننسى المترجم العظيم «صالح علماني»، وأقتبس هنا كلامه من حوار أجري معه بجريدة الرياض: «لا بد أن يعطي المترجم هذه الحرفة حقها من القراءة والاطلاع واحتراف اللغة، التي يترجم منها وإليها، إلى جانب أن يكون ملما إلماما كافيا بالأدب الذي يترجم منه وإليه، وأن يكون مطلعا على تاريخ الآداب العالمية بوجه عام، وواسع الثقافة الأدبية بصفة خاصة، ومتذوقا للأدب وعارفا بالفن الذي يتصدى لترجمته، ليستطيع من خلال كل هذا أن يكون قادرا على ترجمة النص ترجمة جيدة». ومن هنا أبعث بتحية احترام ومحبة لكل مترجم يجتهد في الفعل الثقافي، ويثريه من خلال سعيه الحثيث لإثراء المكتبة العربية، وكل مترجم ينقب داخل الأدب ليخرج للمتلقي العربي جمانة الأدب الغربي من داخل محارات الثقافة الغربية.
مشاركة :