غابت الأجواء الاحتفالية عن جلسة الكنيست الإسرائيلية (البرلمان) مساء أول من أمس لدى عرض رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو حكومته الرابعة (الحكومة الرابعة والثلاثون في تاريخ إسرائيل) لنيل الثقة. ورافقت وسائل الإعلام العبرية الساعات الأخيرة التي سبقت الجلسة الرسمية للإعلان عنها بمزيج من التهكم والانتقادات اللاذعة لرئيس الحكومة على ما وصفوه «إذلال نواب ليكود» الذين لم يعرف عدد منهم الحقائب التي ستسند إليه قبل أن يعلنها نتانياهو على الملأ. ووصف معلقون ما حصل بـ «المسرحية الهزلية»، و»البازار التركي»، و»سوق الكرمل» (أشهر سوق خضار في إسرائيل)، و»السيرك المتحرك»، متوقعين أن يضطر نتانياهو بعد أقل من عام إلى تشكيل حكومة جديدة ذات قاعدة برلمانية أوسع أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة. وتأخر افتتاح الجلسة الافتتاحية لساعتين حيال المعارضة التي واجهها نتانياهو من عدد من نوابه الذين رفضوا خياراته لتوزيرهم. وتمثلت المشكلة الرئيسة برفض الوزير السابق يغآل اردان الذي حلّ أولاً في الانتخابات الداخلية في «ليكود»، اقتراح تعيينه وزيراً للأمن الداخلي، مطالباً بحقيبة الخارجية التي قرر نتانياهو الاحتفاظ بها لنفسه. ونفذ اردان وعيده برفض أي اقتراح آخر، وبقي خارج الحكومة. من جهته، عدل الرجل النافذ في الحزب سيلفان شالوم عن تهديده بالبقاء خارج الحكومة في حال لم يعد إلى وزارة الخارجية، ورضي بتعيينه وزيراً للداخلية مع اللقب الفخري «النائب الأول لرئيس الحكومة». واضطر نتانياهو إلى تعيين بعض النواب من المعسكر المشاكس له داخل الحزب وزراء لتفادي غضبهم، في مقدمهم حاييم كاتس (وزيراً للرفاه الاجتماعي) وميري ريغف (للثقافة) وداني دانون (للعلوم). كما ابتكر حقائب ووظائف وزارية جديدة ليمنحها لآخرين هددوا بعدم التصويت إلى جانب الحكومة، واحدة للنائب الدرزي المتطرف أيوب القرا الذي، بحسب وصف القناة العاشرة، مثّل مسرحية عندما نقل إلى المستشفى بداعي شعوره بآلام في الصدر، لكنه غادر المستشفى بعد اتصال هاتفي من نتانياهو الذي خشي تغيّب القرا عن الجلسة، ما سيحول دون نيل الحكومة الثقة، فاستدعاه إلى مكتبه ليعينه «نائباً لوزير في مكتب رئيس الحكومة ومسؤولاً عن شؤون المواطنين الدروز». وفاجأ نتانياهو الوزير السابق بيني بيغين الذي استدعاه قبل الانتخابات للترشح في مكان مضمون لاستقطاب مصوتي «ليكود» القدامى، بتعيينه «وزير دولة» من دون أن يبلغه بذلك. كذلك فعل مع نائب وزير الخارجية السابق تساحي هنغبي، وهو أيضاً بين الذين طمحوا بالحصول على حقيبة الخارجية عندما شكره على منصة الكنيست على قبوله بأن يكون رئيس الائتلاف الحكومي في الكنيست، ورئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، ليصدر الأخير بياناً قال فيه إن أحداً لم يسأله رأيه عن هذا التعيين. نتانياهو والسلام وقهقهة النواب وافتتحت الجلسة بكلمة من نتانياهو بدأها بالإعلان رسمياً عن تشكيل حكومته، مضيفاً أن هذه الحكومة «ستحافظ على الأمن وتسعى الى السلام»، هنا ارتفعت قهقهات النواب في القائمة العربية المشتركة بشكل متعمد، فسألوه عن أي سلام يتحدث، وذكروه بتصريحه العنصري يوم الانتخابات بأن «العرب يتهافتون على صناديق الاقتراع». وتوقفت الجلسة لدقائق، فضاق خلق رئيس الكنيست يولي ادلشتاين، ليأمر بإخراج ثلاثة من النواب العرب خارج القاعة. وتابع نتانياهو حديثه ليعد الإسرائيليين بأنه سيعمل على «تطوير الاقتصاد وسد الفجوات الاجتماعية». وعزا الصعوبات في طريق تشكيل حكومته إلى نظام الحكم، ودعا إلى تغيير طريقة تشكيل الحكومة، مناشداً المعارضة التعاون معه لتوسيع الحكومة والعمل على تحقيق ذلك. لكن زعيم المعارضة رئيس «المعسكر الصهيوني» اسحق هرتسوغ رد على نتانياهو بخطاب شديد اللهجة وصفه مراقبون بأنه الأفضل له منذ انتخابه، إذ أعلن رفضه التعاون مع نتانياهو، مكرراً أنه لن يدخل الحكومة، ناصحاً رئيس الحكومة بتعيين نائب من حزبه «ليكود» وزيراً للخارجية بدل التلويح بأن المنصب في انتظاره (هرتسوغ). وأضاف: «لا يمكن لزعيم نزيه أن يقبل لنفسه الانضمام إلى هذا السيرك... لقد أقمتَ حكومتك في اللحظة الأخيرة بفارق صوت واحد فقط كي تضمن بقاءك على كرسيك». من جهتها، قالت الشخصية الثانية في الحزب شيلي يحيموفتش إن المعارضة ستستغل كل ثغرة من أجل تقصير أجل هذه الحكومة. هرتسوغ والانضمام للحكومة لكن نواباً في الحزب طالبوا هرتسوغ بعقد جلسة لكتلة الحزب البرلمانية لاتخاذ قرار ملزم يتضمن تعهداً أن الحزب لن يدخل الحكومة في المستقبل، وذلك حيال تقارير صحافية عن احتمال الانضمام بعد نصف عام، وبعد أن تمرر الحكومة الجديدة موازنة العامين المقبلين. ورفضت أوساط هرتسوغ هذا الطلب بداعي أنه لا يجوز فرض مثل هذا القرار على زعيم الحزب، وأنه ليس منطقياً «تكبيل اليدين بقرار كهذا والإعلان أننا لن ندخل الائتلاف بكل ثمن... فماذا لو جاءنا نتانياهو باقتراح مغرٍ؟». وبعد نقاش ساعتين وقبل منتصف الليل، منحت الكنيست بغالبية 61 نائباً الثقة للحكومة الجديدة، في مقابل معارضة 59 نائباً. بعدها عقد نتانياهو اجتماعاً احتفالياً للحكومة الجديدة أكد في بدايته أن هذه الحكومة ستسعى الى تسوية سياسية «لكن مع الحفاظ على المصالح الأمنية الحيوية لإسرائيل». واعتبر معلقون سلوك نتانياهو مع وزير السابق يغآل اردان «خيانة»، واصفين الأخير بأنه كان خلال المعركة الانتخابية الأخيرة أشد الأوفياء لنتانياهو وزوجته. واستذكروا أنه كان الشخصية الوحيدة في الحزب التي دافعت بشراسة عن الزوجين نتانياهو. ولم يجد المعلقون تبريراً لرفض نتانياهو إسناد حقيبة الخارجية لأردان سوى أن نتانياهو يعمل دائماً على قصقصة جناحي من يعتبره «الرقم 2» ومهدداً لزعامته، ويسعى الى تقزيم منافسيه، معتبراً ترقيتهم بروزاً على حسابه. واستذكروا مصيراً مماثلاً لوزراء سابقين: ديفيد ليفي، وسيلفان شالوم، وموشيه كحلون، وجدعون ساعر، وحملت اثنين منهم (ليفي وكحلون) إلى مغادرة الحزب وخوض الانتخابات على رأس حزب جديد، فيما اختار ساعر الذي كان حتى قبل عام أبرز المرشحين لخلافة نتانياهو، إلى ترك الساحة السياسية. ولم يدل أردان بأي تصريح في شأن ما حصل له باستثناء الإشارة إلى أنه سيشرح في المستقبل كيف تم تشكيل الحكومة.
مشاركة :