وقعت الحكومة المالية وثلاث حركات مسلحة، أمس، على مشروع اتفاق سلام قدمته الجزائر، التي تقود فريق الوساطة الدولية، في غياب الحركات المسلحة المتمردة التي تدعو إلى إدخال تعديلات على الاتفاق قبل التوقيع عليه بشكل نهائي. وجرى حفل التوقيع في العاصمة المالية باماكو بحضور رؤساء عدة دول أفريقية، وفي مقدمتهم رئيس زيمبابوي روبير موغابي، الذي يتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي، والرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، والنيجري محمدو يوسوفو، بالإضافة إلى رؤساء كل من بوركينا فاسو وغينيا وكوت ديفوار، كما حضر ممثلون عن أكثر من 20 حكومة ومنظمة دولية. ووقعت على الاتفاق الحكومة المالية وممثلون عن ثلاث حركات، توصف بأنها موالية لها وهي: تنسيقية شعب أزواد، وتنسيقية الحركات والجبهات الوطنية للمقاومة (ميليشيا الغونداكوي)، وفصيل من الحركة العربية الأزوادية. وحظي الحفل بتغطية إعلامية واسعة واهتمام كبير في الأوساط الشعبية داخل باماكو، حيث يراهن عليه كثيرون لتحقيق السلام في البلاد بعد أكثر من ثلاث سنوات من عدم الاستقرار، تمكنت خلالها حركات جهادية من السيطرة على شمال البلاد، والزحف نحو الجنوب، ما أسفر عن تدخل عسكري فرنسي. ورغم أهمية التوقيع على الاتفاق ومستوى الحضور الدولي للحفل، فإنه تأثر بغياب ثلاث حركات متمردة رئيسية، رفضت الحضور إلى باماكو، بحجة أنها لا تريد «التوقيع النهائي» على الاتفاق من دون إدخال بعض التعديلات عليه، مع أنها وقعت عليه بالأحرف الأولى أول من أمس (الخميس) في الجزائر، وفي هذا الشأن قال بلال أغ الشريف، الأمين العام لمنسقية الحركات الأزوادية، إن «التوقيع بالأحرف الأولى على الوثيقة والتوقيع على الاتفاق النهائي يبقيان مختلفين قانونيًا». وكانت الجزائر، التي تقود الوساطة الدولية في أزمة مالي، قد طرحت أمام أطراف الأزمة في 1 مارس (آذار) الماضي بعد جولات من المفاوضات الشاقة استمرت أكثر من ثمانية أشهر، وثيقة تحت عنوان «اتفاق السلام والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر»، ووافقت الحكومة المالية وثلاث حركات مسلحة موالية لها على الوثيقة، ووقعت عليها بالأحرف الأولى، فيما رفضتها ثلاث حركات مسلحة هي: الحركة الوطنية لتحرير أزواد، والمجلس الأعلى لوحدة أزواد، وفصيل من الحركة العربية الأزوادية، وهذه الحركات تسعى إلى حكم ذاتي في شمال مالي. وطالبت الحركات الثلاث الرافضة للاتفاق بإدخال تعديلات، قدمتها في وثيقة في 17 مارس الماضي إلى فريق الوساطة الدولية، ودعت فيها إلى إدخال «الهوية الأزوادية» في إقليم شمال مالي، والاعتراف به ككيان مستقل يدار من طرف مجالس محلية، وعدم حل الحركات المسلحة، مع وضع سياسة تنموية تركز على التنمية في المناطق الشمالية، وهي المطالب التي ترفضها مالي بشدة. وبعد التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق، أوضح أغ الشريف أن «وثيقة فاتح مارس 2015 لا يمكن أن تعتبر اتفاقا نهائيا، ولن يُشرع في تنفيذها قبل التوصل إلى اتفاق بين الأطراف»، وأضاف أن منسقية الحركات الأزوادية «تجدد التذكير بأن النقاط الرئيسية المقدمة لعناية الوساطة الدولية بتاريخ 17 مارس 2015 في كيدال، ستتم مناقشتها بين طرفي النزاع والوساطة قبل أي توقيع على وثيقة نهائية». ودعت الحركات المتمردة الثلاث إلى استئناف المفاوضات من جديد لتسوية النقاط العالقة، إذ قال أغ الشريف إن توقيعهم بالأحرف الأولى على وثيقة الجزائر «جاء استجابة لطلبات المجتمع الدولي، والدول المجاورة والصديقة، وهو خطوة أولى قبل التوقيع النهائي، وكل ذلك لإثبات حسن نواياها للتقدم نحو السلام». من جانبها، تراهن مالي على اتفاق السلام الذي اقترحه فريق الوساطة الدولية من أجل إحلال السلام واستعادة الاستقرار في شمال البلاد، إذ قال الرئيس المالي إبراهيما ببكر كيتا في اتصال هاتفي أول من أمس (الخميس) مع وزير الخارجية الجزائري رمضان العمامرة، إنه كان بإمكان منسقية الحركات الأزوادية الحضور إلى باماكو والتوقيع على الاتفاق النهائي. وفيما كانت الأنظار مشدودة إلى العاصمة باماكو، تحركت وحدات مسلحة تابعة للمتمردين الطوارق والعرب باتجاه مدينة منكا، التي تقع في أقصى شمال شرقي مالي بالقرب من الحدود مع النيجر، لاستعادة السيطرة عليها من قبضة ميليشيات موالية لباماكو سيطرت عليها قبل شهر تقريبًا، وتحدثت المصادر المحلية عن أكثر من 80 سيارة عابرة للصحراء كانت تحمل مدافع ثقيلة حاصرت المدينة، ودخلت في اشتباكات عنيفة مع مقاتلي الميلشيات الموالية لباماكو، فيما لم تعرف حصيلة الاشتباكات. وتدور منذ عدة أسابيع أعمال عنف واقتتال عنيف في شمال مالي بين المتمردين الطوارق والعرب من جهة، والجيش المالي والميليشيات الموالية له من جهة أخرى، فيما يتبادل الطرفان الاتهامات بالمسؤولية عن خرق اتفاق إطلاق النار الموقع في كيدال شهر مايو (أيار) العام الماضي بوساطة من الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز. من جهة أخرى، خرج عشرات المحتجين الرافضين للتوقيع على اتفاق السلام، صباح أمس في شوارع مدينة كيدال، في أقصى شمال شرقي مالي، وهي المدينة التي يسيطر عليها المتمردون الطوارق وتشكل مركز قوتهم؛ وهاجموا قوات بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام التي يتهمونها بالانحياز للحكومة المالية.
مشاركة :