تواجه "أوبك" وحلفاؤها أو ما يعرف بـ OPEC+ تحديا كبيرا في الوقت الذي تستعد فيه للاجتماع بداية الشهر المقبل. حيث يمكن أن تستمر إمدادات النفط العالمية في الارتفاع بوتيرة سريعة عام 2020، متجاوزة الزيادة في الطلب العالمي. وفقا لأرقام جديدة صادرة عن وكالة الطاقة الدولية، فإن العرض من خارج "أوبك" قد ينمو بمعدل كبير جدا يبلغ 2.3 مليون برميل يوميا، أي ما يقرب من ضعف الزيادة التي تتوقعها الوكالة للطلب العالمي على النفط البالغة 1.2 مليون برميل في اليوم. هذا التوقع في نمو الإمدادات لا يعتمد فقط على نمو كبير من النفط الصخري في الولايات المتحدة "رغم أنه كذلك حسب الوكالة"، لكن أيضا على الزيادات المتوقعة من البرازيل، النرويج وغيانا. هذه الزيادة في الإنتاج ستعقد مهمة "أوبك" مع اقتراب اجتماعها المقبل. من المفترض أن ينتهي العمل بقرار خفض الإنتاج في نهاية مارس 2020، لكن من المتوقع على نطاق واسع أن تمدد "أوبك" وحلفاؤها هذا الاتفاق حتى نهاية العام المقبل. في هذا الصدد قالت الوكالة في تقريرها الشهري الأخير: "الإمدادات الضخمة التي من المحتمل أن تتراكم خلال النصف الأول من العام المقبل ستمثل تحديا لوزراء "أوبك" وحلفائها المجتمعين في فيينا في بداية الشهر المقبل". ومع ذلك، فإن الأسواق المزودة بالإمدادات بشكل جيد ستوفر الدعم لاقتصاد عالمي هش. بالفعل العرض المتراكم يحدث مشكلات لـ"أوبك" وحلفائها. من دون شك ستواجه المجموعة تحديا كبيرا عام 2020، حيث من المتوقع أن ينخفض الطلب على نفط المنظمة بشكل حاد. في هذا الصدد تشير أرقام الوكالة إلى أن الطلب على نفط "أوبك" سينخفض إلى 28.2 مليون برميل في اليوم خلال النصف الأول من عام 2020، مقابل 30.2 مليون برميل في اليوم في الربع الرابع من عام 2019. وبعبارة أخرى، فإن الزيادة المتوقعة في الإمدادات من الولايات المتحدة، غيانا، البرازيل والنرويج قد تضطر "أوبك" وحلفاؤها إلى خفض مزيد من الإنتاج. وهذا ما أكده أيضا كومرتس بنك Commerzbank، حيث أشار في مذكرة له أن "هذا يسلط الضوء على الحاجة إلى خفض آخر في الإنتاج". لكن هذه التوقعات تحمل في طياتها كثيرا من عدم اليقين. حيث تعترف الوكالة بالتحديات الكبيرة التي تواجه منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة. وقالت الوكالة في هذا الجانب: "إن خفض النفقات وعدم المبالاة من قبل المستثمرين يقيدان الاستثمار". تحذر شركات الخدمات النفطية من هذا التباطؤ أيضا. كما تعترف شركات النفط الصخري المستقلة بأنها ستحجم عن آفاق النمو. في الوقت نفسه، تقوم شركات النفط الكبرى بتوسيع عمليات الحفر بقوة. مع كل هذا، ما زالت وكالة الطاقة الدولية ترى أن إنتاج النفط الأمريكي سينمو بمعدل 1.2 مليون برميل يوميا عام 2020، وهذا الرقم لم يتغير عن تقريرها السابق، على الرغم من صدور عدد من تقارير أرباح الربع الثالث لبعض الشركات التي قدمت بعض الأدلة على التباطؤ. تجدر الإشارة هنا إلى أن الوكالة الآن تعد من أكثر المتفائلين بنمو إمدادات النفط الصخري في الولايات المتحدة. على سبيل المثال، خفض "جولدمان ساكس" توقعاته للعرض لعام 2020 من النفط الصخري إلى 600 ألف برميل في اليوم. البعض ذهب أبعد من ذلك مثل شركة IHS Markit، وتوقع تباطؤا أكثر دراماتيكية. حيث تتوقع الشركة نموا في المعروض في الولايات المتحدة قدره 440 ألف برميل يوميا فقط عام 2020، وهو اختلاف كبير عن أرقام وكالة الطاقة الدولية. وقالت شركة IHS Markit في تقرير صدر في وقت سابق من هذا الشهر، إن النفط الصخري في الولايات المتحدة يتباطأ بسرعة. وفي عام 2021، ترى الشركة توقف نمو النفط الصخري. مما لا شك فيه أن الانتقال من نمو بحدود مليوني برميل يوميا عام 2018، وهو رقم قياسي عالمي غير مسبوق، إلى عدم نمو بحلول عام 2021، يجعل من الواضح تماما أننا بصدد عصر جديد من الاعتدال لمنتجي النفط الصخري. وهذا بالفعل يعد تحولا كبيرا بعد عدة أعوام عندما كان النمو السنوي أكثر من مليون برميل يوميا هو السائد. على جانب الطلب، قلصت الوكالة توقعاتها لهذا العام قليلا إلى 0.985 مليون برميل في اليوم، منخفضة من مليون برميل في اليوم سابقا. في العام المقبل، تتوقع الوكالة ارتفاع هذا الرقم إلى 1.2 مليون برميل في اليوم. بالفعل تشير البيانات الصادرة حديثا إلى تباطؤ كبير في نمو الإنتاج الصناعي العالمي منذ نهاية عام 2018. ويعزو صندوق النقد الدولي هذا التباطؤ إلى انخفاض حاد في إنتاج السيارات ومبيعاتها، وضعف الثقة بقطاع الأعمال وتباطؤ نمو الطلب الصيني. وغني عن القول، إن نتائج الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين لها تأثير كبير في الطلب. في هذا الصدد قالت الوكالة إن الطلب العالمي على النفط سيكون أعلى بنحو 400 برميل في اليوم عام 2020 إذا تم إلغاء التعريفات الجمركية. لكن الافتراض العام هو أن معظم التعريفات ستبقى على الرغم من الاتفاق الجزئي المعلق الذي يمكن أن يعلق أو يؤخر فرض بعض الرسوم. بالعودة إلى اجتماع المنظمة المقبل، تواجه "أوبك" وحلفاؤها خيارا صعبا وهي تستعد للقاء. إذا كانت توقعات وكالة الطاقة الدولية صحيحة وكان من المتوقع أن يرتفع نمو العرض العالمي في العام المقبل إلى 2.3 مليون برميل يوميا، فإن المنظمة تخاطر بحدوث انهيار في الأسعار إذا لم تقم بخفض أكبر في الإنتاج. ومع ذلك، يمكن لـ"أوبك" وحلفائها أن يشعروا بالارتياح في ظل حقيقة أن النفط الصخري في الولايات المتحدة يتباطأ بشكل كبير ويعتقد عدد متزايد من المحللين أن الوكالة تبالغ في تقدير قدرة هذه الموارد.
مشاركة :