مفاوضات اللجنة الدستورية السورية رهينة "لعبة الأمم"

  • 11/27/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تعثّر انعقاد اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف، الثلاثاء، بسبب تواصل الخلافات بين النظام والمعارضة على أجندتها، في ظل مساع أممية لتقريب وجهات النظر بينهما. واتهم قيادي في وفد المعارضة السورية في تصريحات لـ”العرب” “النظام بتعطيل الجلسات ومخالفة القواعد الاجرائية”. وفي تطابق مع معلومات جرى الحصول عليها من فريق المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، كشف القيادي المشارك في اجتماعات جنيف أن “وفد النظام لم يلتزم بالقواعد الإجرائية لعمل اللجنة، والمتضمن أن يسلّم الرئيس المشترك لكل وفد جدول الأعمال المقترح قبل 72 ساعة من بدء الاجتماعات، وانتظر حتى صباح الدورة الثانية، الاثنين. واشترط التوافق على ما سمّاه الركائز أو الثوابت الوطنية قبل الدخول إلى قاعة الاجتماعات ومناقشة بنود الدستور”. واعتبر المعارض أن “استمرار النظام في التمترس خلف شروطه التي لا علاقة لها بعمل اللجنة السورية وطبيعتها وولايتها يعود إلى الدعم الروسي”، لافتا إلى أن “الروس يسعون إلى إسعاف وفد النظام مع إدراكهم أنه يعرقل إحراز أي تقدم”. وردا على تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الاثنين، اتهم فيها مكتب بيدرسن بالتدخل في عمل اللجنة الدستورية، شدد القيادي في المعارضة المشارك في أعمال اللجنة على أن “المبعوث الأممي وفريقه يلعبان دور الميسر فقط ولا يتدخلون في عمل اللجنة”. وكان لافروف دعا بيدرسون إلى “ضرورة أن يلتزم بالتفويض الممنوح له، ويضمن احترام كل الأطراف من دون استثناء، لمبدأ توصّل السوريين بأنفسهم إلى اتفاقات وعدم السماح بأي محاولات للتدخل في هذه العملية”. وشدد لافروف على أهمية “تحقيق التوازن في كادر موظفي مكتب المبعوث الأممي، والذي يجب أن يعتمد مبدأ التمثيل الجغرافي العادل المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة”. واعتبرت أوساط دبلوماسية أن التوصّل إلى تفاهم سوري-روسي حول الخروج بتعديلات دستورية أو دستور جديد لا يمثل الحل النهائي للأزمة في هذا البلد، بل مسارا أوليا في جهود التسوية. ومع ذلك، لا يبدو، وفق تلك الأوساط، أن دمشق كما الراعي الروسي مستعجلان لإحداث نقلة نوعية تقنع السوريين كما العواصم الغربية بجدية الورشة الدستورية التي تستضيفها جنيف. ولفت مراقبون لسياق العملية الدستورية إلى أن تشكيل اللجنة استغرق وقتا طويلا تجاوز العامين بسبب تدخل كافة أطراف النزاع الإقليميين والدوليين في الاتفاق على أعضائها، وأن التبشير بتشكيل هذه اللجنة لم يعن إلا الدخول في متاهات جديدة تهدف إلى تمييع أي حلول سورية داخلية بانتظار تسويات وتقاطعات وتفاهمات الخارج. ورأى هؤلاء أن من الصعب على هذه اللجنة تجاوز العقبات المصطنعة قبل أن ترسم خرائط “لعبة الأمم” في المنطقة برمتها، وقبل أن تتم صياغة “نظام إقليمي” جديد في المنطقة. ويرى خبراء في الشؤون الاستراتيجية أنه من غير الممكن التعويل على نص دستوري حديث لحل أزمة معقدة دون وجود إرادة دولية جامعة. ولفت هؤلاء إلى أن التعديلات الدستورية التي توصّل إليها اللبنانيون في مدينة الطائف السعودية عام 1989، ليست سبب إنهاء الحرب الأهلية في البلد (1975-1990 بل جاء نتاج توافق دولي إقليمي فرض على المتنازعين المحليين الحل وفرضوا إخراجه عبر “اتفاق الطائف الشهير”. ولفتت مصادر سورية إلى أن وفد النظام جاء إلى جنيف في هذه المرحلة حاملا هدفا واحدا وهو تجنب النقاش في المسائل المتعلقة بصياغة الدستور، وجر الحديث نحو مواضيع إشكالية أخرى. وأن الورقة التي حُملت من دمشق وسلمت إلى مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن بعنوان “ركائز وطنية تهم الشعب السوري” نتدرج في هذا السياق. ويدور السجال بين نظام ومعارضة حول مقاربتين. مقاربة المعارضة التي تستند على كيفية العمل وفق روحية القرار الدولي 2254، ومقاربة النظام الرافض للقرارات الدولية ويسعى إلى تجاوزها وتدجينها، معولا على النجاحات العسكرية التي حققها من خلال الدعم الروسي لفرض أمر واقع جديد يفترض أن يتجلى داخل نصوص الدستور العتيد. وأظهرت مجريات جنيف أن المعارضة والمبعوث الدولي وقفا في خندق واحد مستظلين بالمرجعية الدولية، فيما وقف وفد النظام في خندق مقابل، مستقويا بالموقف الحازم الذي أطلقه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ضد بيدرسون شخصيا، وهو الأمر الذي نبّه المراقبون إليه. وتحدثت أنباء من جنيف عن أن المعارضة لا تريد الخوض في جدل دستوري نظري دون أن تواكب هذه العملية بانفراجات ميدانية تخفف معاناة السوريين. وأضافت الأنباء أن هناك جهودا، أزعجت الجانب الروسي، تبذل من أجل خلق زخم دولي أكبر للضغط على النظام، لإجباره على وقف عملياته العسكرية في إدلب وغيرها من المناطق السورية. وقالت المعلومات إن المعارضة تودّ تحقيق تقدم في ملف المعتقلين، خصوصا أن وفد النظام تسلّم مرغما ورقة حوله خلال الجولة الماضية. وكان ممثلو المجتمع المدني قد اجتمعوا مع بيدرسن معتبرين أن استمرار العمليات العسكرية يعيق عمل اللجنة الدستورية، ومطالبين بلقاءات مع وفود دولية لبحث الموضوع. والواضح أن دمشق تسعى للمماطلة في إعطاء رأي في جدول الأعمال، ولا تريد أساسا الانخراط في المضمون، معولة على الجدل حول ما هو إجرائي طالما أن سياسة موسكو الراهنة لا تتطلب أكثر من ذلك. وعُلم في هذا الصدد أن المبعوث الدولي التقى رئيس وفد النظام أحمد الكزبري من أجل التحقق في ما إذا كان وفد النظام يحمل مقترح جدول أعمال الجلسات، على غرار ما قامت به المعارضة السورية التي قدّمت مقترحها قبل بدء الجولة الحالية بأيام. وتقول مصادر مرافقة لبيدرسن إن وفد النظام كان جاهزا للرد على تساؤلات المبعوث الدولي من خلال المسارعة إلى إخراج ورقة تحتوي على ما سمّاه أسسا يجب التوافق عليها للبدء بالجلسات. وترى المصادر أن الأسس التي تطالب بموقف موحد في شؤون وهي مكافحة الإرهاب، واعتبار كل من حمل السلاح بوجه النظام أنه إرهابي، ورفع الحصار الاقتصادي عن سوريا، وإدانة التدخل التركي، هي ملفات لا يتفق عليها السوريون، وهي من أسس الأزمة الدموية التي لا يمكن للنظام فرض وجهة نظره بوصفها قاعدة أولية تسبق أي نقاش. وترى المعارضة أن اللجنة الدستورية معنية فقط بإنتاج دستور جديد يمثل عقدا اجتماعيا جديدا بين السوريين وسقفا لحكم البلاد، فيما القضايا الخلافية الأخرى يعود النقاش فيها إلى هيئة التفاوض. والظاهر أن موقف بيدرسون الذي بدا مؤيدا لردّ وفد المعارضة هو ما أغضب دمشق وموسكو على السواء. ويعتقد محللون أن أي تطور في رؤية موسكو وفق مداولاتها مع عواصم العالم من شأنه تطويع دمشق ووفدها داخل اللجنة الدستورية، وبالتالي فإن أسس دمشق السابقة للنقاش قابلة للسقوط في حال قررت روسيا الدفع بشكل جدي بالواجهة الدستورية للصفقة الكبرى.

مشاركة :