عواصم - وكالات: نشرت مجلة «فورين بوليسي تقريرا حول مكافحة الهجرة غير الشرعية، وكيف أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وأستراليا تقوم بتشجيع الأنظمة الاستبدادية، وتأجيج الانتهاكات والفساد، وإذكاء التعصب في الداخل. وجاء في التقرير الذي كتبه الأكاديميان روبين أندرسون وديفيد كين، إن «السياسيين الغربيين استطاعوا تمرير أفعال وحشية باسم الأمن الحدودي، من سياسيي اليمين المتطرف إلى أحزاب المؤسسة القديمة، ف(مكافحة الهجرة غير الشرعية) هي اللعبة الجديدة التي تمارس اليوم من كانبيرا إلى واشنطن عبورا ببروكسل وروما، ومع أن الغضب طبيعي من سجن الأطفال، أو تجريم إنقاذ المهاجرين من البحر عندما كان ماتيو سالفيني وزيرا للداخلية، فللأسف لا يمارس هذه اللعبة المميتة قليل من السياسيين المتطرفين، لكنها ممنهجة». ويشير الكاتبان إلى أن جزءا رئيسيا من هذه اللعبة كان لسنوات طويلة هو الطلب من دول الجوار الأفقر للقيام بالعمل القذر لردع الهجرة، وعلى المدى القصير فإن هذه الاستراتيجية مربحة جدا من ناحية سياسية، لكن لو ألقينا نظرة أبعد، فإننا سنجد أن تسليم عملية السيطرة على الهجرة لطرف ثالث يشكل هزيمة ذاتية، ليس فقط من ناحية إنسانية، لكن أيضا من ناحية سياسية. ويقول الباحثان: لو أخذنا حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية مثلا، فقد شرحنا في تقرير في يوليو كيف قام الاتحاد الأوروبي بتوكيل ردع الهجرة إلى أوروبا لدول مثل تركيا وليبيا والنيجر، تاركا تداعيات خطيرة لا تتم في العادة مناقشتها، وبالقيام بملء جدول النتائج، فإن عدد اللاجئين الذين يصلون إلى أوروبا أقل من الرقم القياسي الذي وصلوا إليه عام 2015، ويستطيع السياسيون التفاخر بهذا النجاح المزعوم في مكافحة الهجرة عن طريق الدوريات والجدران والردع الصارم، وانطلت قصة النجاح هذه على معظم الإعلام الذي خفف نشر الأخبار عن الموضوع، في الوقت الذي صمتت فيه الأصوات الأكثر تقدمية؛ خشية إثارة الوحش المتمثل في اليمين المتطرف، وهذا النجاح الزائف يغطي على فشل أخلاقي وسياسي أكبر سيبقى يعود ليطارد الاتحاد الأوروبي. ويلفت الكاتبان إلى أنه من معسكرات الاحتواء، التي تصفها منظمة العفو الدولية بأنها (غير آمنة وغير محترمة) في اليونان، إلى دفع المهاجرين للعودة إلى جحيم ليبيا، من طرق صحراوية خطيرة، إلى الغرق بأعداد كبيرة في البحر الأبيض المتوسط وهو ما يمكن تجنبه، فإن حرب أوروبا ضد الهجرة غذت انتهاكات تقوض دور الاتحاد الأوروبي العالمي والقيم التي يصرح بها. ويفيد الباحثان بأنه في داخل أوروبا ذاتها، فإن عقلية الأزمة الدائمة غذت شعورا بالحصار والنذير بالشر، وهو ما يفيد اليمين المتطرف فقط، وفي آخر مثال على هذا فقط، يجعجع حزب فوكس اليميني المتطرف في إسبانيا حول بناء (جدران لا يمكن تجاوزها) في حدودها في سبتة ومليلة، حيث السياج العالي والتكنولوجيا العسكرية والقوى العاملة كلها ساهمت بالفوضى. ويجد الكاتبان أنه مع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي، مثل أمريكا، ضاعف تركيزه على هذه المسألة، وفي أجندته الاستراتيجية على مدى الخمس سنوات القادمة اتفق حول مشروع يمكن اعتباره خارجا من دليل اليمين المتطرف، حول حماية الحدود، وليس الناس، والطريق إلى الأمام بحسب تلك الأجندة هو عن طريق محاربة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر من خلال تعاون أفضل مع بلدان المنشأ وبلدان العبور. ويوضح الكاتبان أن الاستراتيجية بسيطة: جعل المشكلة خارجية، وكما أشار المجلس الأوروبي إلى أن هذا يتضمن الاستعانة (بدول أخرى سجلها الحقوقي سيئ لضبط الحدود)، أو ببساطة احتواء التهديد بعيدا - بعيدا عن الأنظار وبعيدا عن التفكير- بتصدير ثمن ومخاطر مكافحة الهجرة إلى أنظمة بغيضة ما دامت مستعدة للقيام بالعمل القذر، من ردع للهجرة من خلال الاعتقال اللاإنساني، أو الطرد التعسفي، أو منع المغادرة بالقوة وغير ذلك. وينوه الباحثان إلى أن الجمعيات الحقوقية تقوم بتسجيل المعاناة التي تحصل في ساحة أوروبا الخلفية، وقد وصل عدد الوفيات الناتجة عن هذه السياسة منذ عام 1993 إلى 30 ألف شخص، ومع ذلك فإنه لعمل مضن محاولة الكشف عما يحصل للناس المحكوم عليهم بالنفي إلى وسط الصحراء، أو داخل مراكز الاعتقال في ليبيا، والمدعومة من الاتحاد الأوروبي. ويقول الكاتبان إن هذه المعاناة تبقى مخفية حتى تقع حوادث عنف مذهل، مثل الأخبار التي انتشرت في يوليو عندما قتل 44 شخصا في هجوم لقوات حفتر على مركز احتجاز في طرابلس، والصمت بشكل عام يجعل هذه المعاناة تتقيح وتؤثر على علاقات أوروبا بجيرانها، ولخصت وزيرة الثقافة المالية السابقة، أميناتا تراوري، ذلك بقولها: (إن أوروبا تعاقدت مع من يقوم بالعنف عنها في أفريقيا). ويبين الباحثان أنه بكسب أوروبا المعركة ضد الهجرة فإنها تخسر حرب التأثير وتقوض القيم التي من المفروض أن المشروع الأوروبي يقوم عليها. والأسوأ من هذا هو أنها بدفع المشكلة مؤقتا فإنها تغرس بذور الاعتداء والقمع وحتى عدم الاستقرار على نطاق أوسع,.
مشاركة :