في زيارة له إلى كازخستان عام 2013 حرص الرئيس الصيني شي جنغ بنغ على تذكير مضيفيه بدورهم التاريخي في خط قوافل طريق الحرير التجارية قبلألفي عام أو أكثر. ومضى الرئيس في توسيع نطاق فكرة طريق الحرير عبر إنشاء طوق اقتصادي يخدم ازدهار القارة الآسيوية. ورغم أن حديث بنغ لم ينتبه إليه الكثير من إعلاميي العالم يومذاك، إلا أن الرجل تبنى بعد أقل من عامين شعار طوق واحد خطة طريق واحدة لتفعيل طريق حرير بحري بات محور تحركه في إطار نشاطه على صعيد السياسة الخارجية وعلى صعيد الاستراتيجية الاقتصادية التي يعتمدها عالمياً. ولا شك أن التحالفات التجارية المهمة للمنطقة وللشركات العالمية سوف تسير جنباً إلى جنب مع التعقيدات الجيوسياسية غير المحسوبة في بعض مناطق العالم، حيث تتضارب المصالح التنافسية لدول مثل الولايات المتحدة وروسيا والهند واليابان. وكانت حاجة بكين لتعزيز فرص نشاطها الاقتصادي على الصعيدين المحلي والدولي ظاهرة للعيان لبعض الوقت. فالعديد من صفقات التبادل التجاري مع دول في إفريقيا وغيرها قائمة على استيراد السلع الأساسية ، لم تجد نفعاً من حيث فاعليتها التجارية ناهيك عن سوء تنفيذ بنودها وتضجر شركاء الصين على المستوى الشعبي في بعض الأحيان. كما أن طفرة الاستثمارات والعقارات الصينية بلغت نهايتها ما وضع الصين في حالة من فرط الطاقة الإنتاجية في قطاعات الصناعة والإنشاءات، فضلاً عن بروز مشاكل مستعصية منها الانكماش وإدارة الديون. أضف إلى ذلك أن الصين تعبت من حمل جبال من سندات الخزانة الأمريكية وغيرها من سندات الديون وباتت تفضل عمليات الاستثمار المباشر خارج حدودها. وطالما أعلنت الصين عن معارضتها لهيمنة الدولار والأمريكيين على مؤسسات العالم المالية خاصة صندوق النقد والبنك الدولييين. ولهذا اتخذت بكين العام الماضي ثلاث مبادرات. أولاها تأسيس بنك التنمية الجديد شراكة مع مجموعة بريكس، وهو نسخة طبق الأصل عن صندوق النقد الدولي، والثانية بنك الاستثمار في البنى الأساسية الذي تحملت نصف تمويله وبلغ عدد الدول الأعضاء فيه حتى الآن 57 دولة. وفي حال تمت معالجة القضايا المالية واللوجستية والإدارية بنجاح سوف يوفر البنك قروضاً تبلغ قيمتها 20 مليار دولار سنوياً وهو رقم غير بعيد عن إجمالي القروض التي يلتزم بها البنك الدولي البالغة 30 مليار دولار سنوياً. لكن المبادرة الأهم التي تعتبر المبادرتين الأولى والثانية من أدوات تنفيذها هي مبادرة طوق واحد خطة طريق واحدة. والظاهر للعيان أن هذه المبادرة تهدف لربط 65 دولة يبلغ تعداد سكانها مجتمعين 4.5 مليار نسمة، بدءاً من مقاطعة شي الصينية، العاصمة التاريخية ومنطلق طريق الحرير القديم، مروراً بدول آسيا والشرق الأوسط وروسيا حتى أوروبا. وتم رسم خط طريق الحرير البحري الجديد ليربط بحر الصين الجنوبي مع المحيط الهندي ثم البحر الأحمر فالمتوسط. وهذا بلا شك يتطلب من الصين تأمين القوة البحرية اللازمة لحمايته أولاً. والتمويل سيتم من بنوك التنمية الصينية التي حصل أكبرها مؤخراً على 60 مليار دولار نقداً لتمويل عمليات جديدة. ولا شك أن الصين تخطط لتوظيف احتياطياتها من القطع الأجنبي البالغة 4 تريليونات دولار في مشاريع مماثلة. لكن قد يكون ذلك أشبه بوضع العربة أمام الحصان. فالمبادرة وأدواتها قد تكون نقطة تحول لكن ليس بالمعنى المجرد وإنما يعتمد نجاحها على حرص بكين على تحقيق أهدافها الاقتصادية والسياسية على المدى البعيد. وتتضمن تلك الأهداف رفع نصيب الفرد الصيني من الناتج الإجمالي إلى مستويات نصيب نظيره الأمريكي، وتبني سياسة حوكمة صارمة، واستعداد الدول الأخرى لتبني وجهة النظر الصينية، وأخيراً تطور العملة الصينية من أداة لتمويل العمليات محلياً إلى عملة عالمية رئيسية تصلح كعملة احتياطيات. *زميل في جامعة أكسفورد- المركز الصيني
مشاركة :