استثمارات غير مالية بعوائد مالية

  • 11/29/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ربما تكون الودائع المصرفية وعقود المرابحة من أفضل قنوات الحفاظ على الثروات من الخسائر، لكنها ليست محمية بالكامل، فالتعامل بها يعرض الشخص لدائرة متنوعة من المخاطر، بعضها مرتبط بالاقتصاد وبعضها بالسوق وأخرى بالطرف الذي نتعاقد معه، إذ إن له وضعا ائتمانيا معينا لا يخلو من احتمالات الخسارة والضرر، وهذا الأمر طبيعي يؤخذ في الحسبان من المستثمر الحصيف. لكن هناك استثمارات غير مالية ذات عوائد مالية، مضمونة النتائج. وهذا ما يجب البدء به عند الرغبة في الاستثمار تحقيقا للأهداف المالية. لن أقول إن الطريقة تكمن في الحصول على شهادة جامعية محددة، لأن الواقع اليوم مليء بمن لم يتمكنوا من الاستفادة من شهاداتهم، فالشهادة دون قدرات صاحبها لا قيمة لها؛ لكن هي مجموعة من الخطوات التي يمكن تنفيذها للحفاظ على الثروات الشخصية وتنميتها. الاستثمار في المعرفة والسلوك أمر لا يشك في جدواه أحد، لكن هذه عبارة عامة جدا. تحديدا هناك ما يمكن بذله بالمال والوقت والسلوك لصنع وتنمية الثروة، ليس بالضرورة بحثا عن الدخول إلى نادي الأغنياء، لكن لتحقيق العوائد بمخاطر مقبولة وتمكين الفرد من الوصول إلى الأمان والحرية المالية؛ ونقول: للوصول إلى درجة مرضية من السيطرة المالية التي تمكن الشخص من اتخاذ قراراته غير المالية دون التأثر سلبا بظروفه المالية. حسب المؤلفين والمدربين والأثرياء المتحدثين، هناك قائمة من الاستثمارات التي لا يمكن التشكيك في قوة عوائدها. قبل سرد أهمها، أود البدء بتعريف قاموس كامبريدج لمصطلح الاستثمار، إذ يعرفه بطريقة واسعة تعكس الفكرة التي نتحدث عنها: "وضع النقود أو الوقت أو الجهد في إطار ما لتحقيق الأرباح أو العوائد". من يشغل نفسه بالخيارات الاستثمارية المالية التقليدية ويحاول المقارنة بينها قبل بناء الاستثمارات الشخصية غير المالية يرفع مستوى المخاطرة التي يقوم بها بشكل كبير، على الأرجح يرفع المخاطرة إلى مستوى غير مقبول بالنسبة له. مثل هذا مع الأسف لن يكتشف نتيجة أسلوبه إلا بعد فوات الأوان وخسارة كثير من الوقت، وهذا يعني خسارة كثير من الفرص كذلك. الاستثمار الأول هو الاستثمار في الإمكانات الذهنية بكل ما تعنيه من معنى. قيادة وتوجيه السلوك والقرار المالي تحصل نتيجة للأهداف الواضحة والأفكار السليمة، وهذا يتطلب حالة جيدة من الصفاء الذهني، تفكير إيجابي متصاعد، سيطرة على المشاعر، واستقلالية معقولة عن الآخرين. الاستثمار في هذا الجانب يعني تمرين النفس على معرفة الانحيازات الخاصة بها ثم الابتعاد عنها، معرفة الذات وبناء الثقة، القراءة لتمرين العقل على التعامل مع مختلف الخيارات والظروف، المراجعة الدورية لتتابع الأفكار وتطورها والتقليل من الانحراف والخروج عن المسار لا إراديا. هذا الاستثمار الفكري المهم يعني بذل الوقت والجهد لمنح فرصة لذواتنا للخروج من دائرة الأحداث إلى دائرة الأفكار وتشييد الإطار المطلوب لرسم الأهداف الشخصية. الانشغال بالأحداث والظروف والتوافه على حساب هذا الاستثمار يعني التشويش المستمر على التوجه الاستراتيجي الشخصي وبالتالي الفوضى أو الخمول، وبالطبع لن تتحقق أي عوائد هنا. الاستثمار الثاني يقوم على توثيق علاقتنا بالوقت بشكلها الصحيح. هناك عدة مفاهيم وممارسات خاطئة مرتبطة بالوقت تكبدنا كثيرا من الخسائر. الاستثمار في الوقت -فهما وحيازة وتعاملا- مطلب رئيس للحصول على العوائد المالية، دون ذلك نرفع من المخاطرة بشكل كبير ولا نحقق أي عوائد! وكما يقول وارن بافيت: "الوقت هو الشيء الوحيد الذي لا أستطيع شراءه". الاستثمار في الوقت يبدأ من فهمه، قبل استغلاله. فهم تأثير الوقت في الظروف الاقتصادية والشخصية حجر أساس في بناء الثقافة المالية المؤثرة، ومن ذلك يأتي فهمنا لتأثير الزمن في النقود والفرص. ثم يندرج تحت باب الوقت إدارته بشكل فعال وهذا باب آخر واسع ومتاح للجميع. وأخيرا تأتي لعبة الانتظار والصبر، وهي في الحقيقة ليست مسألة انتظار أكثر من كونها مسألة تزامن والتزام، أي ضبط السلوك أثناء الربط بين المعطيات والنتائج باستمرار خط الزمن. تختلف نتائج الممارسات المالية على المدى الطويل عن النتائج اللحظية، وهذا مبدأ لا يمكن رؤيته بشكل واضح ومباشر إلا بعد مرور الوقت، لذا لا يؤخذ في الحسبان بشكل جيد. الاستثمار الثالث هو الاستثمار في القدرات والمهارات الشخصية، وذكر هذا الاستثمار تكرار لا بد منه. يعتقد البعض أن الوظيفة المرموقة مدخل للثراء، ويؤكد آخرون أن الرزق الحقيقي في التجارة فقط، لكن ما يثبته الواقع أن هذه مجرد مداخل أو سياقات لصناعة الثراء. تتحقق وتتزايد العوائد المالية بمجموعة من السمات التي ترفع فاعلية وكفاءة الشخص. منها المرونة وتحمل الظروف المتغيرة والتكيف معها، صناعة العلاقات وإدارتها، مهارات التعلم السريع، الوعي الاقتصادي والمالي، الانضباط والتنظيم الشخصي وتفويض المهام، بذل الجهد المركز والاندماج وغير ذلك. العبرة ليست في حضور الدورات، وإنما في صنع العادات الجديدة وممارسة هذه السلوكيات بشكل منتظم وثابت، وهذا في حد ذاته كفيل بتحسين العوائد إجمالا والعوائد الاستثمارية دون أدنى شك.

مشاركة :