مالت أسعار النفط أمس إلى التراجع بسبب بيانات عن ارتفاع مستوى المخزونات النفطية بشكل مفاجئ، بينما لا تزال الأسعار تتلقى دعما من توقعات الإعلان عن اتفاق جزئي بين الولايات المتحدة والصين يضع حدا للنزاعات التجارية ويعزز مستويات الثقة بنمو الاقتصاد العالمي ومن ثم الطلب على النفط. يوشك المنتجون في "أوبك" وخارجها على وضع اللمسات الأخيرة على الاجتماع الوزاري الخميس المقبل الذي يجيء في توقيت دقيق يتسم بزيادة المصاعب التجارية والجوسياسية، ويرجح المحللون أن يتم التوافق على تمديد العمل بتخفيضات الإنتاج لامتصاص وفرة في المعروض قد تهيمن على السوق خلال النصف الأول من العام المقبل. يعتقد المحللون أن اجتماع "أوبك+" الأسبوع المقبل سيناقش كيفية المضي قدما في اتفاق خفض الإنتاج، كما يواجه تحديات عديدة، منها ضعف التزام بعض الدول بمستوى مطابقة الإنتاج، لافتين إلى أن الإنتاج الروسي سجل بعض الزيادات خلال الأشهر الأخيرة بعدما تعافي من أزمة النفط الملوث، التي تسببت في قطع إمدادات خطوط الأنابيب الروسية إلى مصافي التكرير في أوروبا الشرقية وألمانيا لعدة أشهر. أشار المحللون إلى أن السعودية -وهي أكبر الدول المنتجة في "أوبك"- تعد في الوقت نفسه أكثر الدول التزاما بخطة خفض الإنتاج، حيث تقوم بتخفيضات إضافية تصل إلى 400 ألف برميل يوميا لتسريع وتيرة استعادة التوازن في السوق وتحفيز تماسك الأسعار. في هذا الإطار، أوضح لـ"الاقتصادية"، جوران جيراس مساعد مدير بنك "زد إيه إف" في كرواتيا، أن الطلب النفطي من المتوقع أن يتباطأ خلال العام المقبل، خاصة إذا لم يتم إحراز تقدم جيد ومؤثر في ملف نزاعات التجارة، مشيرا إلى أن النمو في الصين ما زال قويا رغم التباطؤ الملحوظ في نشاط الصناعة، ولولا تماسك الصين لكان وضع الطلب حرجا، لافتا إلى أن أحدث الإحصائيات تؤكد أنه باستثناء الصين فإن أكبر 18 مستهلكا للنفط على مستوى العالم سجلوا انخفاضا جماعيا للاستهلاك بنسبة 0.9 في المائة في شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس) الماضيين. وأضاف جيراس أن "الهند تحتفظ بمعدلات نمو قوية للطلب النفطي، كما أنها تتمتع بتوقعات نمو مستقبلية جيدة، ويراهن عليها كثيرون أنها ستقود الطلب النفطي خلال الأعوام المقبلة بتأثير من تسجيل معدلات النمو المرتفعة والزيادة السكانية المستمرة، بينما نجد وضع الطلب على النفط في الاتحاد الأوروبي ضعيفا، نظرا إلى اتساع مخاوف الركود في ألمانيا خلال الربع الثالث". من جانبه، يقول لـ"الاقتصادية"، آندريه جروس مدير إدارة آسيا في شركة "إم إم إيه سي" الألمانية، "إن الحرب التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين تلعب الدور الأكبر في زيادة المخاوف على مسيرة النمو العالمي، وهو دور لا يقل عن تأثيرات التوتر المتزايد في الشرق الأوسط وارتفاع المخاطر الجيوسياسية في أغلب أسواق العالم". وذكر جروس أن أغلب التوقعات تصب في مصلحة زيادة المعروض النفطي في العام المقبل، وهو ما ورد في بيانات وكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك، لافتا إلى أن نموا قويا ومستمرا سيحدث في الإنتاج الأمريكي إلى جانب الإمدادات الأخرى لدول مثل البرازيل والنرويج وهو ما سيؤثر في التوازن العالمي بين العرض والطلب ويوجهه إلى الفائض، وبالتالي فإن المنتجين يواجهون ضغوطا لاتخاذ آليات أكثر فاعلية لتحقيق التوازن السوقي، وقد لا تكون هناك بدائل كثيرة متاحة، وفي الأغلب سيتم اللجوء إلى خيار تعميق التخفيضات. من ناحيته، يؤكد لـ"الاقتصادية"، روبين نوبل مدير شركة "أوكسيرا" الدولية للاستشارات، أن العقوبات الأمريكية على فنزويلا وإيران تتجه إلى مزيد من التشدد، وهو ما سيؤدي إلى تأثيرات واسعة في السوق أبرزها الحد من العرض، مشيرا إلى أن الأسعار المنخفضة باستمرار تسهم في إبطاء نمو إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة. وأوضح نوبل أن التقارير عن احتمال تمديد تخفيضات "أوبك+" الأخرى بدأت بالفعل في إنعاش الأسعار نسبيا وإنقاذها من موجة تراجعات حادة جديدة، مرجحا أن يعمل تحالف المنتجين في "أوبك" وخارجها على تحسين مستويات المطابقة، خاصة مع حدوث ارتفاعات أخيرا في إنتاج روسيا والعراق ونيجيريا، عادّا ارتفاع مستوى المخزونات بنسب مفاجئة ما زال مصدر القلق الرئيس على الطلب، وعلى قدرة المنتجين في السيطرة على مجريات السوق ودفعها إلى التوازن المستدام. بدورها، تقول نينا أنيجبوجو المحللة الروسية ومختص التحكيم الاقتصادي، "إن روسيا ملتزمة بتقييد إنتاج النفط كجزء من الاتفاقية مع "أوبك" لإعادة التوازن إلى السوق، وإن كان الأمر يعتريه بعض الصعوبات الفنية ويصطدم بخطط الشركات الرامية إلى التوسع في الاستثمار والإنتاج مخافة استحواذ النفط الصخري الأمريكي على حصة أكبر في السوق". وتضيف لـ"الاقتصادية"، أن "اجتماع روسيا و"أوبك" في فيينا خلال أيام سيركز على مناقشة كيفية مضي تحالف "أوبك+" في إدارة سوق النفط العام المقبل خاصة مع قرب انتهاء العمل باتفاقية خفض الإنتاج الحالية في آذار (مارس) المقبل"، منوهة بأن روسيا ستواصل التعاون مع "أوبك" للحفاظ على استقرار السوق. وفيما يخص تعاملات الأسواق، تراجعت أسعار النفط للجلسة الثانية على التوالي أمس بعد أن أفادت بيانات رسمية أن مخزونات الولايات المتحدة من الخام والبنزين ارتفعت بالمخالفة للتوقعات مع بلوغ الإنتاج مستوى قياسي. بحسب "رويترز"، انخفضت العقود الآجلة لخام برنت تسعة سنتات بما يعادل 0.14 في المائة إلى 62.92 دولار للبرميل، بعد هبوط 0.3 في المائة أول أمس. ونزل خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 20 سنتا أو 0.34 في المائة إلى 57.92 دولار للبرميل بعد انخفاض 0.5 في المائة في الجلسة السابقة. ذكرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن مخزونات النفط في الولايات المتحدة ارتفعت الأسبوع الماضي، وكذلك مخزونات البنزين ونواتج التقطير. وارتفعت مخزونات الخام 1.6 مليون برميل للأسبوع المنتهي في 22 تشرين الثاني (نوفمبر)، بينما توقع المحللون انخفاضها 418 ألف برميل. وانخفضت مخزونات الخام في نقطة التسليم في كاشينج في ولاية أوكلاهوما 97 ألف برميل، حسبما ذكرت إدارة المعلومات. وأظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة تراجع استهلاك الخام في مصافي التكرير 101 ألف برميل يوميا، وهبط معدل تشغيل المصافي 0.2 نقطة مئوية. وأفادت الإدارة أن مخزونات البنزين صعدت 5.1 مليون برميل، في حين توقع المحللون في استطلاع أن ترتفع 1.2 مليون برميل. ونمت مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، 725 ألف برميل، مقابل توقعات بزيادة قدرها 750 ألف برميل. وانخفض صافي واردات الولايات المتحدة من النفط 235 ألف برميل يوميا الأسبوع الماضي. وكانت أسعار النفط صعدت بداية هذا الأسبوع بفعل توقعات بأن الصين والولايات المتحدة، أكبر مستخدمين للنفط في العالم، ستوقعان قريبا اتفاقا أوليا يضع حدا لنزاعهما التجاري المستمر منذ 16 شهرا.
مشاركة :