أعلن رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي عزمه على الاستقالة، غداة أكثر الأيام دموية في حركة الاحتجاج المستمرة منذ شهرين.وبدا واضحًا للمرة الأولى دعم المرجع الديني علي السيستاني (89 عامًا) للاحتجاجات الغاضبة التي تدعو منذ الأول من أكتوبر إلى «إقالة الحكومة» وتغيير الطبقة السياسية التي تسيطر على العراق منذ 16 عامًا، مع اتهامها بالفساد وهدر ثروات هذا البلد.وقال السيستاني في خطبة الجمعة التي تلاها ممثله السيد أحمد الصافي في كربلاء، إن «مجلس النواب الذي انبثقت منه الحكومة الراهنة مدعو الى أن يعيد النظر في خياراته بهذا الشأن ويتصرّف بما تمليه مصلحة العراق والمحافظة على دماء أبنائه، وتفادي انزلاقه الى دوامة العنف والفوضى والخراب». وبعد ساعات، أعلن عبدالمهدي (77 عامًا)، المستقل الذي تولى منصبه منذ أكثر من عام، عزمه على الاستقالة، وقال في بيان: «سأرفع الى مجلس النواب الموقر الكتاب الرسمي بطلب الاستقالة من رئاسة الحكومة الحالية، ليتسنّى للمجلس إعادة النظر في خياراته». وعلى الفور، هتف متظاهرون في ساحة التحرير بوسط بغداد، معبّرين عن فرحهم بهذه الخطوة التي تندرج في إطار مطالبهم بـ«إسقاط الحكومة» وتغيير القادة السياسيين. وقال أحد المتظاهرين لوكالة فرانس برس: «هذا أول نصر لنا، وستكون هناك انتصارات أخرى على الآخرين». وأضاف وسط هتافات وأبواق عربات «التوك توك» ثلاثية العجلات التي باتت رمز الاحتجاجات في بغداد «إنه انتصار كذلك للشهداء الذين سقطوا» خلال الاحتجاجات. ويقدر عدد هؤلاء بأكثر من 400 عراقي منذ الأول من أكتوبر، إضافة الى آلاف المصابين والمعوقين وفق حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس استنادًا الى مصادر طبية وأمنية.وقتل 15 متظاهرًا بالرصاص الحي وأصيب عشرات الجمعة في مدينة الناصرية بجنوب العراق، خلال مواجهات دامية بين المحتجين وقوات الأمن، بحسب ما أفادت مصادر طبية.وكان مدير شرطة المدينة الجنوبية أعلن، في وقت سابق الجمعة ،استقالته غداة استقالة المحافظ وإقالة القائد العسكري المكلف إدارة خلية الأزمة، عقب أعمال الفوضى الدامية في المدينة التابعة لمحافظة ذي قار التي تضم آثارًا تاريخية.ومن غير المرجّح أن تحد الخطوة التي اتخذها رئيس الوزراء من موجة العنف التي تضرب مناطق جنوب العراق، حيث التقاليد العشائرية، بعد مقتل وجرح عدد كبير من أبناء تلك العشائر. ورحّبت جهات بينها كتل سياسية بالدعوة التي كان اطلقها المرجع الشيعي، وقال تحالف النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي: «ندعو مجلس النواب العراقي لعقد جلسة خاصة غدًا (السبت) لسحب الثقة عن الحكومة وتشكيل حكومة جديدة مستقلة».وكان الزعيم الشيعي مقتدى الصدر أكد مرارًا أن عدم استقالة الحكومة سيكون «بداية النهاية بالنسبة للعراق». كما أعرب تحالف «الفتح» الذي يمثل فصائل الحشد الشعبي المدعومة أغلبها من إيران، ويُعد ثاني أكبر الكتل البرلمانية، عن موقفه المؤيد لتوجيهات المرجعية الشيعية.وقال قيس الخزعلي، أحد أبرز قادة فصائل الحشد الشعبي في تغريدة: «أمري لأمركم متبع»، في إشارة إلى المرجعية الشيعية. ورغم قمع التظاهرات، يواصل المحتجون التمسّك بمطالبهم بـ«إسقاط النظام» السياسي الذي شكله الأمريكيون بعد إسقاطهم نظام صدام حسين عام 2003، خصوصًا مع النفوذ المتنامي لإيران، سواء في صفوف الطبقة السياسية أو على الصعيد الاقتصادي. وأدى العصيان المدني والاحتجاجات الى إغلاق مؤسسات حكومية ومدارس ومقار مختلفة في عدد كبير من المدن، خصوصًا في جنوب العراق، حيث يعيش واحد من كل خمسة أشخاص تحت خط الفقر رغم الثروة النفطية الهائلة.ولم يتمكّن المتظاهرون حتى الآن من الوصول الى حقول النفط التي تمثل مصدر الدخل الرئيس وتشكّل 90% من موازنة العراق المثقل بالديون.
مشاركة :