يمكن إدراج كتاب "الذوق الأدبي؛ كيف يتكوّن: مع توجيهات وإرشادات مفصّلة لجمع مكتبة أدب إنكليزية متكاملة“ لأرنولد بينيت (1867 – 1931) وهو صحافي، وروائي، وكاتب في مختلف مجالات الأدب، وناقد أدبي، من المملكة المتحدة، في الكتابات التي تتحدث عن العلاقة الإشكالية بين القارئ والكتب. يدرس الكتاب بطريقة طريفة ما يبحث عنه القارئ في الكتب، وكيف يسعى المؤلف إلى جذب قارئه، وإن كان معظم الكتابات لم تتوقف عند مفهوم الأدب، وذائقة هذا الجمهور؟ أو بمعنى أدق، ما الشيء الذي يدفع القارئ إلى الاهتمام بالأدب؟ وهو أمر ينبغي أن توجه إليه الأقلام. منافستو القارئ عنوان الكتاب، الصادر مؤخرا بترجمة دلال الرمضان عن منشورات تكوين بالكويت والرافدين بالعراق، طويل نسبيّا، وينقسم إلى قسمين؛ الأول، عن تعريف الذوق الأدبي وكيف يتكون، والثاني، أشبه بمنافستو للقارئ، وهو موجه للقارئ الإنكليزي في المقام الأول. وهو ما يستدعي سؤال ما حاجتنا إلى ترجمة كتاب، يتوجه إلى قارئ معين، ويذكره بالاسم في عنوانه؟ يتوزع الكتاب على أربعة عشر فصلا، تشغل الفصول العشر الأولى منه، اهتماما كبيرا بالقارئ، وما يتعلق بالكتابة والكِتاب. أما الفصول الأربعة الأخيرة، فقد أوقفها المؤلف لنصائح تتعلق بكيفية تكوين مكتبة باللغة الإنكليزية. يسعى المؤلف منذ البداية إلى إعادة صياغة مفاهيم خاطئة، تتعلق بالأدب والذوق الأدبي، ومن ثم نراه يتحدث باحترافية وببساطة عن هدف الأدب وماهيته، وانعكاساته على الحياة اليومية. ويعتبر هذا هو الجانب المهم في الكتاب. خشية على القارئ من الصدمة ينصح المؤلف عند إعادة طباعة الكلاسكيات بأن توضع المقدمة النقدية في نهاية الكتاب فيشير إلى أن الغالبية العظمي من الناس يعتقدون بأن “الذوق الأدبي موهبة راقية تضفي عليهم المزيد من الكمال لدى بلوغها، وتجعلهم أكثر توافقا مع المجتمع، الذي ينتمون إليه” ويُخَطِّئ المؤلف مَن يظنون هذا الاعتقاد، فلا الأدب تسلية، ولا الذوق الأدبي موهبة. فالأدب عنده هو “شيء أساسي لاغنى عنه لتحقيق العيش المتكامل لحياة الإنسان”. كما أن مشروع الذوق الأدبي ما هو إلا تعلَّم كيفية الاستخدام الأمثل لهذه الوسيلة. والشيء الأساسي لعملية تكوين الذوق الأدبي، يتمثّل في الاهتمام الحقيقي بالأدب. فاستمرار اهتمامك بالأدب سيصل بك إلى أقصى درجات البهجة. كما أن صانعي الأدب هم “أولئك الأشخاص الذين شهدوا وشعروا بالمتعة الرّائعة لهذا الكون وأعظمهم، هم ذوو الرؤية الأشمل والإحساس الأقوى والأعمق”. ويرفض تماما الآراء التي تربط بين الأدب وملء أوقات الفراغ، بل هو إيقاظ النفس البشرية ودب الحياة فيها وتعزيز القدرة على الاستماع والعطف والإدراك. فالهدف الأساسي للأدب، هو تغيير علاقة الفرد بالعالم بشكل كامل ليدوم تأثيره هذا على مدى اليوم كله، وليس لمدة ساعة واحدة فقط. يتطرق الكاتب إلى مسألة خطيرة كانت موضع جدل من قبل، تتمثل في كيف لنا أن نتقبّل الكلاسيكيات، في الكثير من النصوص التي يُطلق عليها كلاسيكيات. ويتساءل هل نعزف عن قراءتها لأسباب تتعلق بأسلوبها، أو لافتقادها الجاذبية؟ فمثل هذه الكتابات لا تقدم المتعة التي تتناسب مع شهرتها وصيتها، ومن ثمّ فالقراءة تكون بدافع الواجب لا أكثر. في الحقيقة إذا كان هذا التصور للترغيب في القراءة، يتناسب مع حقب الماضي، فإنه لا يتناسب مع العصر الراهن، حيث ثمّة سياسة تسويقية تقوم بها دور النشر لترغيب القارئ في الكتاب، كما ثمة طرائق حديثة للترويج لكتاب ما، سواء بكتابة الريفيوهات على مواقع القراءة، أو عمل ملخص له في البوكتيوب، أو باللجوء إلى الإنستغرام الأدبي لتسويق الأعمال. ومن ثم ليس القارئ في حاجة إلى مثل هذه الوسائل البسيطة لترويضه (أو تحفيزه) لأن يقرأ. مسألة الأسلوب الكتاب يتبنى المنهج السيوسيولوجي، في دراسة أحوال الناس والقراءة، واهتماماتهم، والكتب التي تشغلهم، وإن كان لا يعتمد على بيانات موثّقة، فقط يشير إلى دلالات عامة، ربما لا تقترب من الصدق، إلا أنها دالة على واقع حقيقي. فيستنتج مثلا أن ظاهرة نسيان الأفراد لرواية حققت شعبية ما قبل عشر سنوات، لو سألتهم حول شعورهم نحوها الآن، فإن السبب وراء النسيان يعود ليس لتطور ذائقتهم الأدبيّة، بل لأنهم لم يدربوا أنفسهم على الاعتماد على ذوقهم كوسيلة للاستمتاع الدائم. ويرجع سبب استمرار شهرة كُتّاب الكلاسيكيات، إلى أن هذه الشهرة صنعتها وساهمت فيها أقلية مولعة بأعمال هؤلاء المؤلفين. وفي رأيه أن اكتساب بعض الكُتّاب للشهرة بعد وفاتهم يعود إلى مثابرة وإصرار تلك القلّة التي لا تستطيع تركه وحيدا وتستمر بتذوق أعماله وشرائها والحديث عنها. وعن الإرشادات التي يقدمها لقرّاء الأعمال الكلاسيكية، يطالبهم أولا قبل قراءة أي عمل بأن يقوموا بجمع المعلومات المتعلقة بسيرة المؤلف، فيربط بين سير المؤلفين وأعمالهم، فالكتاب ليس سوى التعبير عن مؤلفه. بل يقوم بعرض نموذج توضيحي لكيفية قراءة الأعمال الكلاسيكية متخذا من الكاتب تشارلز لام نموذجا تجربيا. من المفاهيم الخاطئة والمتداولة ويقوم بتصويبها المسألة المتعلّقة بالأسلوب، فالكثير من القرّاء يعجبون بموضوع الكتاب، إلّا أنّهم يقدمون ملاحظات حول الأسلوب. فيرى أنه لا يمكن تمييز الأسلوب عن الموضوع. فالكاتب الذي يريد التعبير عن فكرة معينة يستخدم الكلمات الدالة في ذلك، وصيغة الكلمات هي التي تشكّل أسلوبه، وفي نفس الوقت هي محكومة بالفكرة كليا، فلا يمكن للفكرة أن تحيا دون الكلمات. وخشية على القارئ من الصدمة ينصح عند إعادة طباعة الكتابات الكلاسكية بأن توضع المقدمة النقدية في نهاية الكتاب وليس في بدايته، حتى يضع كاتب الكلاسيكيات بصمته، مهما كانت ضعيفة، على عقل القارئ الخام. وفي نهاية الكتاب يقدم نصائح متنوعة للقارئ، أشبه بتحصينات للقراءة واستمرارها، والاستفادة منها، كأنْ يقول على سبيل المثال، يجب أن يضع القارئ هادفا آخر وراء القراءة، يتجاوز به الهدف الأساسي وهو الاستمتاع. ثمّ يوصي بضرورة شراء مكتبة، فالقارئ وفقا لتعريفه هو رجل يمتلك العديد من الكتب من بين أشياء أخرى. في الحقيقة سعيت من عرضي للكتاب أن أجد الفائدة التي يوجهها الكتاب للقارئ العربي، فلم أعثر إلا على فائدة محدودة خاصة ما يتصل بعملية الكتابة. فالكتاب في أصله يخاطب القارئ الإنكليزي، حتى الأمثلة والنماذج التي يقدمها، هي من كلاسيكيات الأدب الإنكليزي، بل إن النماذج المشار إليه كدليل على البدء في القراءة على نحو ما ذكر تشارلز لام، غير متوفرة باللغة العربية، وهو ما يعني غياب الفائدة. الشيء المهم الذي تكشف عنه مثل هذه الاختيارات في الترجمة، هو غياب المنهجية في الترجمة، وهو ما يتبعه غياب السياسات من وراء الترجمة، فالمترجمون يعملون في جزر منعزلة، محاولات فردية، وليست نابعة عن خطط حكومات أو مؤسسات، تخطط وتبحث عمّا نحتاج إلى ترجمته؟ ومتى؟ وهل كل ما تخرجه المطابع الغربية من أعمال، صالح لنا، ومفيد، ومن ثم يجب ترجمته؟ فكيف لكتاب يخاطب قارئا ويقدّم له دليل القراءة، في زمن كان الاعتماد الأول والأساسي على ترشيحات الكُتّاب، والالتزام بنصائحهم، مقارنة بزمن آخر مغاير تماما عنه، بل معظم هذه الوسائل غير صالحة لهذا الزمن، بل يمكن القول إن الزمن عفى عليها.
مشاركة :