اعتمدت الأمم المتحدة في عام 1977، التاسع والعشرين من نوفمبر يومًا للتضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني اعترافًا بحقوقه الوطنية، واسنادًا له في مسيرة نضاله المشروع من أجل نيل حريته وتقرير مصيره، وهكذا فإنَّ لقرار التضامن مع الشعب الفلسطيني المغزى والدلالات المهمة والعميقة، التي ينبغي استثماره بوصفه قرارًا أمميًا يمثل إرادة المجتمع الدولي، ويوافق هذا اليوم من عام 1947، إصدار الأمم المتحدة القرار رقم (181)، المعروف بقرار التقسيم الذي ينص على إنشاء دولتين، عربية ويهودية؛ تتأسس الدولة العربية على 45% من فلسطين، والدولة اليهودية على 55% منها، وأن تكون مدينتا القدس وبيت لحم في منطقة خاصة تحت الوصاية الدولية. ورغم تعدد المواقف الفلسطينية، العربية والدولية وتباينها إزاء القرار الأممي، إلا أنه في المُحصلة لم تلتزم “إسرائيل” بالمساحة المخصّصة لها، ومارست احتلالها وضمها وتوسعها في الأرض الفلسطينية، وذلك بين عامي 1948 و1967؛ بل أنَّ احتلالها امتد بعد حرب عام 1967، إلى دولٍ عربية مجاورة؛ مارست فوق أرضها إجراءات الضم وعمليات النهب والتنكر للحقوق الوطنية لشعوبها، والأكثر من ذلك أنَّ الدولة المحتلة شنت عدوانها وحروبها المفتوحة ضد المدنيين في البلدان العربية التي احتلتها وعلى أكثر من صعيد. طيلة هذه السنوات وما بعدها، فرض الاحتلال الإسرائيلي سياساته وإجراءاته التعسفية على الأرض الفلسطينية وسكانها، ومارسّ سياسات التهجير، التدمير، الضم، الاستهداف والتمييز العنصري في مخالفة فجة وصريحة للقانون الدولي وأحكامه، ودون أنْ يتمكن المجتمع الدولي من إرغام دولة الاحتلال على الاحتكام إلى قواعد القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني الذي ينطبق عند وقوع أيِّ من الدول تحت الاحتلال وفي أوقات الحروب، ولا نبالغ إن قلنا إن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية وتراكمها على مدى أكثر من سبعين سنة؛ يؤدي إلى تعذر حصرها، ويَحول دون الوقوف على فظاعتها، وفي مقابل ذلك يصبح من الصعوبة بمكان تحري عدد المرات التي انتهكت فيها “إسرائيل” القانون وخالفته، وتجاهلت القرارات الأممية المتصلة بحقوق الشعب الفلسطيني فوق أرضه. كان قرار الأمم المتحدة للتضامن مع الشعب الفلسطيني قرارًا مفيدًا وعلى درجةٍ كبيرة من الأهمية لجهة تذكير حكومات العالم وشعوبه بأنَّ “إسرائيل” لا تزال دولة قائمة بالاحتلال، وأنَّها تنتهك أبسط حقوق الشعب الفلسطيني وتتنكر لها، وأنه لا مفر من مواجهتها وعلى كل المستويات؛ لإنهاء احتلالها عملًا بالقرارات الأممية والدولية وانصياعًا لها. ندرك أنَّ هذا الأمر مرتبط أشد الارتباط بموازين القوى راهنًا، والتي تميل كل الميل لمصلحة “إسرائيل”، ونعلم أيضًا أنَّ “إسرائيل” فوق القانون؛ لأنَّ الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وآخرها إدارة دونالد ترامب، اتفقت معها على تصفية القضية الفلسطينية خطوة خطوة لا تسويتها، فأعفتها من الانصياع لشروط التسوية السياسية، وقد أجهزت على الحقوق الفلسطينية، بما في ذلك مبدأ حل الدولتين الذي ارتضاه الفلسطينيون أخيرًا؛ لكن الاصطفاف الأمريكي إلى جانب “إسرائيل”، وفي ظل هذه الظروف الضاغطة، لا يعفي الأمم المتحدة بمؤسساتها وهيئاتها، ولا الدول الأعضاء فيها من مسؤوليتهم المشتركة والجماعية من أجل تحصيل الحقوق الفلسطينية، عبر تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، التي تضمن قيام دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة، وحق العودة للاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها عام 1948، وتعويضهم بمقتضى القرار 194 للجمعية العامة للأمم المتحدة. قد يقول قائل إنَّ الأوضاع الراهنة في العالم وفي المنطقة من حولنا ليست في صالح الفلسطينيين، ولا في صالح قضيتهم الوطنية بفعل الانشغال الدولي والإقليمي بقضايا عابرة للحدود وقضايا داخلية أخرى تمثل أهمية قصوى عندهم، وأنَّ القضية الفلسطينية تراجع ترتيبها في أولوياتهم، وأنَّ دلالات ذلك تتجلى في الإحياء الخجول لفعاليات التضامن مع الشعب الفلسطيني حول العالم. هذا القول صحيح ولا جدال فيه، ويتطلب بذل الجهود الاستثنائية على المستوى الفلسطيني للمطالبة بالحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف، وشرح مخاطر استمرار الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه وبطشه على القضية الوطنية، وعلى الوجود الفلسطيني من ناحية، ومن ناحية ثانية ينبغي على الفلسطينيين أن يتضامنوا مع أنفسهم أولًا بجمع شتاتهم واستعادة الوحدة الوطنية والاتفاق على برنامج كفاحي يعزز صمود الشعب الفلسطيني، ويعاظم حركة التضامن العالمي مع قضيتهم الوطنية، ويراكم على المنجزات الوطنية التي تحققت بفعل تضحيات الشعب الفلسطيني عبر مسيرته النضالية الممتدة لأكثر من سبعين عامًا.
مشاركة :