مخطئ من لا يعترف بأن صناعة الإعلام التقليدي في عالمنا العربي تعاني من أزمة لها أوجه كثيرة، قد تكون اقتصادياتها هي الأكثر تضرراً لغياب فنون إدارة الأزمة بمواجهة ما يعرف بـ”الإعلام الرقمي” وثورة وسائل التواصل الاجتماعي من جهة، ومن جهة أخرى انهيار مصداقيتها وفقدان الثقة في وسائلها المتعددة تعيد للأذهان المقولة الشهيرة “كلام جرايد”.. وربما ما يزيد الطين بلّة، تواضع المستوى المهني وانحسار “القدوة”، وتحول كل النماذج الإعلامية العربية بشكل أو بآخر من أداة “تثقيف” إلى وسيلة “تصفيق”! ولأن إعلامنا المقروء يعاني من انهيار مريع في التوزيع كونه لا يزال يعيش في عصر “الأخبار البايتة”، كان الإعلام المرئي هو الآخر مجرد “مسطبة” أصبح مقدّمو برامجها “حكواتية” يتنقلون بين فنون الصراخ والزعيق و”الرّدح” أحياناً.. فيما القاسم المشترك بين الجميع هو اعتمادهم على النقل بـ”المسطرة” من فضاءات التواصل الاجتماعي المجهولة والمجهَّلة، ليصبحوا هم أيضاً متلقين للكثير من العبث الإخباري دون حتى التحقق منه.. وبالتالي تحولت أزمة الإعلام كـ”منبر” إلى أزمة أعمق في كيفية صناعته إن لم تكن إدارته أيضاً. وهنا، ربما يكون منتدى الإعلام السعودي الدولي الأول، الذي يطلق فعالياته الاثنين، في العاصمة الرياض، بحضور قيادات إعلامية عربية ودولية، من 32 دولة، فرصة واعية للخروج من “المطب” الإعلامي العربي الراهن، والاستفادة من تجارب عالمية نجحت في تجاوز عثرات المهنة بكل تداعياتها. تحت شعار “صناعة الإعلام… الفرص والتحديات”، يكون أول هكذا حدث بالسعودية وأكبر ملتقى من نوعه في الشرق الأوسط، أعتقد أنه من خلاله يمكن الخروج بالصناعة الإعلامية التي لا يزال بعضنا يصر على مسارها الضيق والمحدود محلياً، إلى التعلم من الفضاء العالمي الواسع والمتقدم تقنياً للغاية، واستحداث مضامين محتوى تليق بنا أولاً، قبل أن نستثمرها في إيجاد مسارات بديلة تحترم عقل المتلقي، وتنهي الاستنزاف “الكلامي” الراهن الذي يظهرنا وكأننا في حجرة مظلمة نخاطب أنفسنا وظيفياً فقط ـ دون اقتناع أو إقناع ـ وللأسف لا يسمعنا أحد. الاستضافة السعودية لهكذا منتدى، استمرار لسياسة انفتاح غير مسبوقة، يقودها ولي العهد السعودي الشاب الأمير محمد بن سلمان، برعاية من والده العاهل السعودي الملك سلمان، وطالت خلال السنوات القليلة الماضية كافة أوجه المجتمع، مؤكدة أن أي تغيير عربي لا بد أن يأتي بقرار “فوقي”، لأن مجتمعاتنا ليست بحاجة لمزيد من الفرص الضائعة. من السعودية التي أعود لزيارتها بعد ثماني سنوات من الغياب، متفائلاً أحيّيكم.
مشاركة :