صناعة السفن من ناقلات النفط والمنتجات البترولية والكيميائية وقطع غيارها وصيانتها والصناعات البحرية إجمالاً أمر لم تعهده المملكة في تاريخها ولم تمارسه أيضاً شركة أرامكو السعودية منذ تأسيسها قبل نحو تسعة عقود بالرغم من تصنيفها كأكبر منتج ومصدر للنفط الخام في العالم وهي الشركة التي ارتبط أساس عملها الأضخم بشحنات النفط الخام التي توردها عبر البحار لكافة عملائها خارج المنطقة، ومع ذلك وبالرغم من أن الشركة اضطرت لشراء أسطول من ناقلات النفط العملاقة لضمان موثوقية إمداداتها وتأسيس شركة أرامكو للتجارة التي تتولى تجارة نفط أرامكو عبر البحار، إلا أن إمبراطورة النفط العالمية شركة أرامكو السعودية المهيمنة بإنتاج أكثر من 12 مليون برميل في اليوم والتي تشكل صادراتها النفطية عبر البحار أكثر من 70 % من تجارتها للنفط، لم تعهد صناعة السفن وصيانتها والصناعات البحرية الشاسع نطاقها إلا في عهد الحزم والعزم والإنجاز عصر الثورة الصناعية السعودية المبتكرة برؤيتها 2030.. حينما استشعر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله حجم النشاط البحري الهائل الذي تقوم عليه تجارة النفط للمملكة وافتقار البلاد لأدنى استثمارات للصناعات البحرية وخدماتها ذات الصلة المباشرة بدعم تجارة النفط الخام استكشافاً ومعالجة وتسويقاً، ليوجه أيده الله بالنظرة الملهمة بتأسيس مجمع الملك سلمان للصناعات البحرية وخدماتها من صناعة ناقلات النفط وقطع غيارها وصيانتها وتصنيع الحفارات والمنصات البحرية ورافعات السفن ومراسي إمدادات السفن وتوطينها، وذلك بعد أن عانت المملكة لعقود من تأخر كبير عن الركب العالمي في صناعة الطاقة وخدماتها على البحر وأعماقه حيث لا تزال تستورد الكثير من الخدمات والمعدات الخاصة بالصناعات البحرية. وبفضل النظرة العميقة بعيدة المدى لحكومة خادم الحرمين الشريفين واستدركت المملكة حجم الإنفاق الكبير في مشروعات الخدمات البحرية مما دفعها لإنشاء مشروع مجمع الملك سلمان العالمي للصناعات والخدمات البحرية كأحد أهم الاستثمارات السعودية لتوطين الصناعة والتقنية ومساهمته في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 63,7 مليار ريال (17 مليار دولار) ويمثل جزءًا أساسيًا لتطوير الصناعة وسلسلة التوريد والإمدادات والخدمات، مع شركاء دوليين لرفد الاقتصاد الوطني. وتصل الطاقة الاستيعابية للميناء إلى 40 مليون طن سنويًا، ويتولى تنفيذ المشروع شركتان في مرحلته الأولى التي تنتهي عام 2021، بينما يعمل في المرحلة التي تنفذ متزامنة ثلاث شركات أخرى. ويضم مجمع الملك سلمان مناطق التصنيع التي سيتم إنشاؤها في المجمع، ومنطقة بناء السفن العملاقة، وتضم حوضين جافين ومعدات رفع بطاقة عالية ومباني صناعية، إضافة إلى منطقة تصنيع الحفارات والمنصات البحرية ومنطقة إصلاح السفن وصيانتها والمنطقة المخصصة لسفن الإمداد البحري وتحوي عددًا من المراسي ورافعات السفن الخاصة ببناء وإصلاح سفن الإمداد البحري. وتنظر المملكة بعمق للدور الاستراتيجي للمجمع في أعمال الصيانة الضخمة لناقلات النفط والتي تواجه أحياناً ضغوطاً دولية لتحديث محركاتها بما يتفق مع التشريعات الدولية البيئية ما يجعل من مجمع الملك سلمان للصناعات والخدمات البحرية مقصداً لتلك السفن لإعمال الإصلاح والتطوير والصيانة مما يؤدي بالنهاية إلى ارتفاع الطلب لخدمات المجمع ليبدو مركزاً رئيساً والأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط. والمملكة تنعم بثروات هائلة من النفط واحتياطاته الضخمة والتي بدأت صادراتها أوائل القرن الماضي، في وقت تكرس شركة أرامكو جهود ضخمة في خوضها معمعة الصناعات البحرية بضخ مئات المليارات من الدولارات لاحتضان هذه الصناعة ومن أهم الآثار الاستراتيجية لمجمع الملك سلمان للصناعات البحرية توطين المعرفة والخبرة، وتحقيق أمن الإمدادات، وخفض تكلفة المنتجات والخدمات البحرية، وتوطين سلاسل الإمداد والتوريد. في حين يشير الجدول الزمني لمشروع الملك سلمان العالمي للصناعات والخدمات البحرية بأن البنية التحتية سيتم إنجازها جزئيًا في ديسمبر 2020، والإنجاز النهائي للمشروع في أكتوبر 2022. فيما ستبدأ الشركة العالمية للصناعات البحرية أعمالها في ديسمبر 2020، إضافة إلى بدء الأعمال لمشروع المحركات البحرية في يونيو 2021، بينما سيتم تشغيل مرافق مشروع المنصات البحرية في أغسطس 2022، وبدء أعمال مصنع صب وتشكيل المعادن في سبتمبر 2021. وتمثل إمدادات نفط شركة أرامكو السعودية عبر مضيق هرمز النسبة الأكبر في صادراتها لآسيا والتي تعد أكبر سوق لنفط أرامكو حيث تشكل مصافي التكرير الآسيوية مركزًا رئيسيًا للطلب على صادرات المملكة من النفط الخام، في وقت تدفق 71 % من إجمالي صادرات المملكة من النفط إلى آسيا في عام 2018، حيث نجحت شركة أرامكو في سلامة وموثوقية تصدير 7,328 ملايين برميل من النفط السعودي الخام في 2018 لمختلف أنحاء العالم شكلت أسواق آسيا أكبر الحصص بطاقة 5,211 ملايين برميل يومياً، في وقت تبحث أرامكو عن توفير خيارات لتسويق النفط الخام وزيادة إمداداته عبر البحر الأحمر. تسارع شركة أرامكو السعودية خطاها الحثيثة المضنية في أعمال توسعة خط أنابيبها للنفط الخام الممتد شرق غرب والذي من شأنه أن يزيد من كميات نقل النفط الخام التي يمكن أن يصدرها من البحر الأحمر بدلاً من الخليج العربي وهو ما سيسمح لشحنات النفط السعودية بتجنب مضيق هرمز المضطرب دوماً بالإرهاب الإيراني، وأكدت «أرامكو» في نشرة سنداتها الدولية أنه «في عام 2018 نقل خط الأنابيب بين الشرق والغرب ما معدله 2.1 مليون برميل يوميًا من النفط الخام، ومن المتوقع أن تزداد طاقة خط الأنابيب من الشرق إلى الغرب من 5.0 ملايين برميل يوميًا إلى 6.5 ملايين برميل يوميًا في عام 2023. ونجحت «أرامكو» بتعزيز القدرات التصديرية من ساحل البحر الأحمر بإضافة ثلاثة ملايين برميل يومياً من طاقة تصدير النفط الخام السعودي بعد تمكنها من تحديث فرضة ينبع الجنوبية، حيث تم دمج محطة ينبع في المدينة الساحلية على ساحل البحر الأحمر مع شبكة إمدادات النفط الخام الحالية.
مشاركة :