أسواق الإمارات..من «محدودية» التداول إلى عالمية «التنظيم»

  • 12/3/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

قبل سماع صوت أجراس التداول النظامية في أسواق الأسهم المحلية، والتي بدأت تقرع مع تأسيس سوقي أبوظبي ودبي الماليين مع بداية العقد الأول من القرن الحالي، انطلقت عمليات تداول الأوراق المالية في فترة السبعينيات من القرن الماضي، مع تأسيس العديد من البنوك والشركات المساهمة وبالتزامن مع مرحلة طفرة في النشاط الاقتصادي شملت كافة القطاعات الاقتصادية بالدولة. وقبل ظهور الأسهم على شاشات التداول الإلكترونية ارتفاعاً وانخفاضاً، ومتابعة المستثمرين لأسعار الأوراق المالية عبر شاشات الأجهزة الإلكترونية والهواتف الذكية، وبحلول عام 1982، كانت الورقة المالية تباع وتشترى داخل أروقة الشركات مصدرة الأسهم ذاتها، وكانت عمليات البيع محدودة، حيث كان البائع والمشتري يتقايضان الأوراق المالية بالاتفاق، ويتم تسجيل الأسهم في الشركة المصدرة لتلك الأسهم، باستثناء عدد قليل من الشركات التي كانت تشترط إجراء عملية البيع والشراء في المحكمة. ومع قدوم عام 1988، بدأت مرحلة جديدة في عملية تداول الأوراق المالية، كواحدة من القنوات الاستثمارية المفضلة لدى قطاع عريض من المستثمرين، مع ظهور شريحة من تجار الأسهم نشطوا في السوق للاستفادة من فروقات الأسعار بهدف تحقيق أرباح كبيرة، مما استوجب العمل على تنظيم الأسواق المالية، بهدف المحافظة على حقوق المتعاملين، وإجراء عملية لحصر وتحديد أسعار الأسهم المعروضة في السوق. تأسيس دائرة للأسهم مع بداية العقد الأخير من القرن الماضي، قام بنك «أبوظبي الوطني» بتأسيس دائرة للأسهم، كما بدأت صحيفة «الاتحاد» عام 1989 وبالتعاون مع بنك «أبوظبي الوطني» بإصدار نشرة تقريبية لأسعار الأسهم، بهدف توعية المستثمرين وتعريفهم بمعدلات الأسعار المتداولة، وكان متوسط العائد على الأسهم في تلك المرحلة يتراوح بين 15% إلى 20% ولم يجاوز متوسط مضاعف سعر السهم 8 مرات، بعد ذلك بدأت مستويات الأسعار بالارتفاع تدريجياً، لينخفض متوسط عائد الأسهم إلى ما بين 5% و7.5% في نهاية الفترة التي استمرت حتى عام 1994. وبلغ عدد الأسهم المتداولة في السوق خلال تلك الفترة 26 سهماً، وشهدت ارتفاعاً في قيمتها السوقية الإجمالية من 21.4 مليار درهم في نهاية ديسمبر 1988، إلى 36.1 مليار درهم في نهاية عام 1994، بزيادة قدرها 14.7 مليار درهم، وبنسبة نمو بلغت 69% خلال 6 سنوات، فضلاً عن توزيعات الأرباح، سواء كانت نقدية، أو على هيئة أسهم منحة. وحقق المستثمرون خلال تلك الحقبة أرباحاً ملموسة، مستفيدين من مستويات الأسعار المرتفعة، التي جاءت عن طريق التوزيعات النقدية، وأسهم المنحة، نتيجة تحسن أرباح الشركات المساهمة، بالتزامن مع بدء تطبيق قانون الشركات، والذي صاحبه تعزيز للثقافة الاستثمارية عند أصحاب رؤوس الأموال، ما أسهم في بناء أرضية متينة لتفعيل سوق الإصدار الأولى. ومع تسجيل الشركات المساهمة نتائج مالية ضخمة، ولجوء معظمها لتوزيع أرباح مجزية على المساهمين، وصلت أرباح بعض البنوك والشركات إلى نسب قاربت رأس المال الأساسي، ما سبب تضخماً في أسعار بعض الأسهم وتضاعفاً في أسعار الأسهم الجديدة، متجاوزة بذلك الأداء الاقتصادي لكل سهم على حدة، والذي بدوره أدى إلى حدوث مضاربات كبيرة، خاصة في صيف 1998، حيث وصلت الأسعار إلى ذروتها خلال شهري أغسطس وسبتمبر، وارتفعت القيمة السوقية للأسهم المتداولة والبالغ عددها 44 سهماً إلى 235 مليار درهم، ليحقق معها المستثمرون أرباحاً طائلة، معظمها دفترية وبعضها فعلية للأسهم التي تم تسييلها قبل نهاية 1998 أو بأسعار أعلى من سعر الشراء. ونتيجة وصول الأسعار إلى مستويات كبيرة وإدراك المتعاملين بأن هذه الأسعار مبالغ فيها، شهد شهر أكتوبر من عام 1998 موجة بيع محمومة من أجل تحقيق أرباح فعلية، وهوت الأسعار في إثرها إلى مستويات متدنية، نتيجة العرض الكبير واختفاء الطلبات، ما هبط بالقيمة السوقية للأسهم المتداولة في نهاية ديسمبر من عام 1998 إلى 124 مليار درهم، فضلاً عن تراجع أسعار بعض الأسهم الجديدة إلى ما دون قيمتها الاسمية. تنظيم التداول مع بداية الألفية الثانية، تم إصدار القانون الاتحادي رقم 4 لسنة 2000 بإنشاء هيئة وسوق الإمارات للأوراق المالية والسلع، كخطوة هامة نحو تقنين عمليات التداول، وتنظيمها بعيداً عن التداول العشوائي، وتبع تلك الخطوة تدشين سوق دبي المالي في 26 مارس من عام 2000، وصدور القانون رقم 3 في إمارة أبوظبي، الخاص بإنشاء سوق أبوظبي للأوراق المالية، حيث كان لتلك الخطوات التنفيذية أثر كبير في تنظيم عمليات التداول. يقول الدكتور عبيد الزعابي الرئيس التنفيذي لهيئة الأوراق المالية، إن العام الأول من إصدار القانون الاتحادي رقم 4 لسنة 2000، شهد وضع حجر أساس البنية التشريعية للأسواق المالية بالدولة، من خلال إصدار 6 أنظمة خاصة بعمل هيئة الأوراق المالية والسلع، وترخيص السوق والرقابة عليه، وعضوية السوق، وإدراج الأوراق المالية، والنظام الخاص بالوسطاء، والإفصاح والشفافية، كما تم ترخيص سوق أبوظبي للأوراق المالية وسوق دبي المالي، ليتم إدراج 33 شركة مساهمة عامة بالأسواق المالية خلال العام. وأضاف الزعابي أن العام 2001 شهد إصدار 3 أنظمة جديدة تتضمن النظام الخاص بعمل السوق، والنظام الخاص بالتداول والمقاصة والتسويات ونقل الملكية وحفظ الأوراق المالية، والنظام الخاص بالتحكيم في المنازعات الناشئة عن تداول الأوراق المالية والسلع، كما تم قيد 18 شركات مساهمة عامة وإدراج 3 شركات منها، والترخيص لنحو 13 شركة وساطة في الأوراق المالية، فيما شهد العام 2002 إصدار النظام الخاص بإدراج الشركات الأجنبية، وقيد 15 شركة مساهمة، وإدراج 18 شركة مع مطلع العام، مع ترخيص 4 شركات وساطة محلية، ليصبح عدد شركات الوساطة العاملة بالسوقين الماليين 17 شركة. انطلاقة دولية كان العام 2003 أول انطلاقة دولية لأسواق الأسهم المحلية، بعدما انضمت هيئة الأوراق المالية والسلع لعضوية المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية «أيوسكو»، كما شهد نفس العام إصدار النظام الخاص بفتح قاعات التداول، والذي واكب إدراج 7 شركات مساهمة عامة، ليرتفع بذلك عدد الشركات المدرجة بالأسواق المالية من 36 شركة إلى 43 شركة. وخلال العام 2004، تم قيد 10 شركات مساهمة عامة، تمهيداً للإدراج في الأسواق المالية، فضلاً عن إدراج 10 شركات مساهمة عامة في الأسواق المالية، إلى جانب إطلاق الموقع الإلكتروني للهيئة www.sca.gov.ae، والانضمام كعضو مراقب لإحدى أكبر المنظمات الدولية «مجلس الخدمات المالية الإسلامية»، ليتم الإعلان مع نهاية العام وبشكل نهائي عن قرار إلزام الشركات المساهمة بالإدراج في سوق الأوراق المالية. وكان عام 2005 عاماً فارقاً في مسيرة تداول السندات والصكوك، حيث شهد إصدار 4 أنظمة جديدة، كما تم قيد 35 شركة مساهمة عامة، وإدراج 36 شركة في الأسواق المالية، فضلاً عن الترخيص لبورصة دبي للذهب والسلع لمزاولة نشاطها، مع افتتاح فرع لهيئة الأوراق المالية والسلع في دبي، فيما شهد العام 2006 قيد 27 شركة مساهمة عامة، وترخيص 40 شركة وساطة و68 شركة وساطة سلع. وبحلول العام 2007، تم الإعلان عن تأسيس اتحاد هيئات الأوراق المالية العربية واختيار دولة الإمارات مقراً لأمانته العامة، كما شهد العام نفسه إصدار ضوابط حوكمة الشركات المساهمة العامة، وبدء التطبيق المرحلي لها، وذلك فضلاً عن إصدار نظامي التداول عبر الإنترنت، وضوابط وآلية فصل الحسابات لدى شركات الوساطة، إلى جانب إنجاز أول عملية دمج من نوعها بين شركتين مساهمتين عامتين مدرجتين في الأسواق المالية المحلية، تمخض عنها قيام أكبر بنك في الدولة هو بنك «الإمارات دبي الوطني»، فضلاً عن قيد 10 شركات مساهمة عامة، ليصل إجمالي عدد الشركات المقيدة لدى الهيئة إلى 124 شركة. الإدراج المشترك كما شهد عام 2008، إصدار 4 أنظمة تتضمن النظام الخاص بالتداول، والقرار الخاص بالإدراج المشترك في الأسواق المالية، والقرار الخاص بالاستشارات المالية والتحليل المالي، والقرار الخاص بإجراءات البناء السعري، مع قيد 13 شركة مساهمة عامة لدى الهيئة، إلى جانب إطلاق نسخة جديدة من البوابة الإلكترونية portal للهيئة. وفي عام 2009، تم افتتاح «مركز هيئة الأوراق المالية والسلع للتدريب» وبدء اختبارات القبول بالبرنامج التأهيلي للعاملين في حقل الوساطة، وفي عام 2010، تم إصدار أول ترخيص لنشاط الاستشارات المالية، مع إصدار 4 تراخيص لنظام الحفظ الأمين، فضلاً عن الترخيص لـ 4 شركات لمزاولة نشاط أمين سجل الشركات المساهمة الخاصة، مع فتح باب الترخيص لنشاط التداول بالهامش وتداول الشركات لحسابها الخاص، وحصول الهيئة على الشهادة الموحدة للجودة، إلى جانب فتح باب الترخيص لطلبات تأسيس صناديق الاستثمار بالتنسيق مع المصرف المركزي. وخلال العام 2011، تم إصدار نظام التسوية على أساس الدفع، وقيد 5 شركات مساهمة عامة، فضلاً عن تأسيس 3 صناديق استثمار محلية، إلى جانب إصدار الرقم الدولي الموحد للأوراق المالية ISIN، وتجهيز البنية التحتية لنظام XBRL محرزة أسبقية على الصعيد الإقليمي، فيما شهد العام 2012 إصدار خمسة أنظمة. وشهد العام 2013، النجاح في إتمام عملية ترقية الأسواق المالية بالدولة إلى أسواق ناشئة على مؤشر MSCI، وكذلك على مؤشر ستاندرد آند بورز داو جونز، كما وقعت الهيئة مذكرة تفاهم متعددة الأطراف، بشأن التشاور والتعاون وتبادل المعلومات المتعلقة بالإشراف على صناديق الاستثمارات البديلة مع هيئة الأوراق والأسواق الأوروبية ESMA. وخلال العام نفسه، تم بالتنسيق مع مجلس الإمارات للتنافسية تنفيذ واتخاذ الإجراءات اللازمة التي ساهمت في رفع ترتيب الدولة بمقدار 39 مرتبة في مؤشر حماية المستثمرين ، فضلاً عن تأهيل 107 من الوسطاء والعاملين في مجال الخدمات المالية. تتوالى الإنجازات في مسيرة الأسواق المالية المحلية، حتى عام 2014، والذي شهد إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله» للسوق الثانية في الأسواق المالية بالإمارات، وافتتاح التداول بها، فضلاً عن حصول الدولة على المركز الأول عربياً وشرق أوسطياً في مؤشر حماية المستثمرين، وارتقاء الدولة 59 درجة على المستوى العالمي، مما ساهم في دخولها قائمة الاقتصادات العشر الأكثر تحسناً عالمياً، حسب تقييم البنك الدولي. وفي عام 2015، تم إصدار 6 أنظمة جديدة، من بينها قرار تنظيم أعمال التقاص في سوق السلع. وفي عام 2016، أصدرت الهيئة حزمة متكاملة من الأنظمة والقرارات ضمت 13 عشر نظاماً. وبحلول عام 2017، دعمت الهيئة المنظومة التشريعية للأسواق المالية بإصدار ثمانية عشر نظاماً وقراراً جديداً. وفي نفس العام، تبوأت هيئة الأوراق المالية والسلع، للمرة الأولى في تاريخها، مقعداً في مجلس إدارة المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية IOSCO، ليتولى الدكتور عبيد الزعابي، للمرة الأولى عربياً، منصب نائب رئيس منظمة «أيوسكو».

مشاركة :