وتلك الأيام نداولها بين الناس

  • 12/4/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لم يحدث في تاريخ جزيرة العرب منذ القدم أن كانت موضع رغبة أو مطلب هجرة يهاجر الناس إليها أو حتى يعود من هاجر من أهلها، لأن بيئة الجزيرة منذ القدم بيئة صحراوية طاردة، وكلما زاد عدد أبنائها عن طاقتها دفعت بالأقوياء منهم إلى خارجها في رحلة مستمرة باتجاه واحد، ويكون حظ العراق والشام ومصر هو الحظ الأوفر من العرب الهاربين من شح الجزيرة ولأوائها، ولا يعود إليها من خرج منها إلا قليلا في كل تاريخها القديم، حتى بعث الله فيها من مكامن فضله واكتشف النفط في دول الخليج قبل سبعين سنة مضت فصارت الجزيرة موئلا ومعادا لكثير من الناس من جميع الطوائف والأجناس والمذاهب والثقافات الذين جاؤوا للعمل وطلب الرزق، وقد اتسعت لهم صدور أهلها مجالات العمل بها، وساهموا مساهمة فعالة في البناء والتعمير لما يحتاجه الخليجيون من أعمال. ولا شك أن المهاجرين إلى الجزيرة العربية للعمل جاؤوا بشيء كثير من عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم، حتى صار لدينا نحن أهل الخليج الذين بدأنا معهم شيء من التصور عنهم والتصنيف لهم، والانطباع الذي كاد أن يكون قاعدة عنهم قطريا وإقليميا، فنظرتنا إلى العمالة العامة تحدد الجيدة، وتلك الأقل جودة، وكذلك المهن التي يوصي بعض أهل الخليج بعضهم بالاستقدام منها، فالعاملات في المنازل مثلا تحتل إندونيسيا بعد الفلبين مكان الصدارة لدى من يبحث عن عاملة منزلية، والسائقون للمنازل تأتي الهند في أعلى قائمة الطلب أيضا، أما الممرضات ومهنة التمريض فتأتي الفلبين في الدرجة الأولى بلا استثناء، وهكذا ترسخت سمعة هؤلاء وتخصصت كل فئة منهم بعمل محدد يصلحون للقيام به، وغيرهم أقل كفاءة فيه، وقل مثل ذلك عن بقية المهن والتخصصات. ومثل هؤلاء جرى تصنيف العرب الذين قدموا للعمل ذهنيا أيضا بحسب الأعمال التي يقومون بها، والتي يرى الخليجيون أن كل قطر عربي يجيد أهله أو القادمون منه عملا من الأعمال ويعتمدون عليهم فيه، وقد لا يحسنها غيرهم أو يفضل فيها أهل دولة عربية على أخرى، ومع أن هذا التعميم غير صحيح البتة، لكنه انطباع يحصل عند الناس عن أي مجتمع يتعاملون معه، فيحصل التصنيف غير الدقيق ويعمم على الكل، وقد يصبح التعامل مبنيا على هذا التصنيف الواهم في بعض حالاته. لكن قبل النفط وعندما كان أهل الجزيرة هم المهاجرون الذين تقذف بهم الحاجة إلى الرحلة والسفر في طلب الرزق وينتشرون في أقطار الأرض، هل خطر على بال أحفادهم، بل أبنائهم، السؤال نفسه: ماذا كان حالهم؟ وكيف يصنفهم أهل تلك البلاد التي يذهبون إليها؟ وكيف يعاملونهم؟ لا شك أنه مر على المهاجرين من أبناء الجزيرة في تلك الأيام حال مثل حال الناس القادمين إلينا اليوم، ولا شك أيضا أنهم قد تعرضوا للتصنيف من أهل تلك البلاد التي يذهبون إليها في الهند والعراق والشام ومصر، نتيجة تلك الهجرات الطويلة، لكن مع ذلك لا نجد إلا القليل من البحوث والدراسات التي اهتمت بظروف هجرات عرب الجزيرة خارجها وكيف كانت حياتهم وما الأعمال التي عرفوا بها. ولا بد أنه يوجد من أبناء المهاجرين العرب أو من أحفادهم من يستطيع أن يتناول هجراتهم خارج جزيرتهم ويدرسها ويلقي الضوء على المجهول الذي كان آباؤه أو أسلافه قد واجهوه وحدثوه عنه وعن حياتهم في هجرتهم، وكيف كان موقف أهل البلاد التي تستقبلهم؟ وهل كانوا يصنفونهم كما نصنف نحن المهاجرين إلينا في هذا الوقت؟ إن الدراسة الاجتماعية لتلك الهجرات مهمة جدا لشباب الخليج في الوقت الحاضر، لأنها تسلط الضوء على فترة تاريخية عاشها آباؤهم وقد مضت ولم يبق منها إلا ذكريات قليلة، وتلك الفترة مرحلة مهمة للدراسة ومهمة لما قد لا يعرفه الجيل الجديد عن ماضيه.

مشاركة :