نسمع كثيرا عما يسمى بنظرية المؤامرة أو مصطلح التحالف الخفي أو الاتفاق السلطوي، حيث يستشعر متلقي المعلومة ومستمع الحديث أن هنالك أمرا غير مريح ويدعو للريبة والحذر، أو أن هنالك سلوكا صادرا لا يمكن أن يمر مرور الكرام دونما تفحيص وتمحيص وتدليس وتلبيس. وأصحاب الفكر التآمري لا يؤمنون بالموقف العشوائي أو أنه حصل بمحض الصدفة، بل يؤكدون أنه تم تلفيقه وتزويره وتبديله، ويجب أن يؤخذ في الحسبان كل الأمور والشخوص القريبة والبعيدة، وتعززه الأفكار المشوهة العالقة في الذهن، والتي تعمل على تفنيد كل ما يتم قوله أو فعله أو حتى الإيماء به، وتحويل الجميع إلى غرفة التحقيق بتقديم سوء النية على حسنها للإيقاع بالكل والكشف عمن وراء الظل. وأرى أن نظرية المؤامرة ما هي إلا فكرة تثبيطية وانهزامية تعرقل سلوك المغامرة وعنفوان النجاح، وتحمل التحيز والشك في سلوك الآخرين، وغالبا ما يحمل المتآمرون بنظريتهم معرفة خاصة ودفينة وأحيانا سرية عميقة، ويرون الجميع أمامهم كقطيع يتم تسييرهم بأسلوب الأمر والسخرة والإيحاء الفكري والتملك المطلق لعقولهم. ويستشعرون في دواخلهم بانتشاء خاص كونهم أصحاب الخدع والدهاءات اللامتناهية في الاستحواذ على الأدمغة، وذلك بتفتيت مجريات المواضيع الإيجابية وتحويلها إلى أوهام بغيضة لصرف الأنظار والرمي بها بعيدا عن غير مقصودها، وتحريف الكلم عن مواضعه. ومن وجهة نظري النفسية والمعرفية أرى أن نظرية المؤامرة تشير إلى الاعتقاد بما يؤمن به الفرد من خلال موقف أو مشهد أو خبرة شخصية تحفظية انعزالية غير محمودة تم البناء عليها ومن ثم حظيت بدعم شعبوي كبير داخل مجموعة اجتماعية، وبالتالي انتقلت عدوى الفكرة من شخص لعدة أشخاص، وإلى مختلف المجموعات مثل المنظمات أو الشركات أو المنتديات، ناهيك عن دور وسائل التواصل الاجتماعي والأخبار في تعزيز تلك النظرية وتثبيتها لدى العامة، كي تصبح توجها ونمطا واعتقادا سائدا وراسخا. وألاحظ أن هنالك نوعين من الشخصيات تتم السيطرة عليهم بسهولة من خلال نظرية المؤامرة، وهما أولا أصحاب العقول المعطلة وعديمة التخطيط، وذلك بالإيحاء العاطفي وملامسة الجانب المشاعري لديهم وجاهزيتهم لسلوك الاستسلام والتسليم أمام فئة لا تتعدى نسبة 5% تجدها في كل تجمع، سواء على المستوى العملي أو الأسري أو التعليمي وغيرها من التكتلات المجتمعية، والذين يعملون على تعميم الوهم المؤامراتي للتمكن من عقولهم التي يغزوها الشك والريبة وتحويلها إلى أوعية خاوية سهلة التطويع والتوجيه. والشخصية الثانية هم مهزوزو الثقة وفاقدو المعرفة الذين يتحصنون خلف ستار آليات الدفاع النفسي، والتي تعمل على تهدئة الاضطراب اللاشعوري الناشئ لديهم من انعدام الثقة في الآخرين، والذي يصيغ سيناريوهات الإشاعات التي تبنى عليها فكرة المؤامرة، ويسقطون في حياتهم أي فشل أو إخفاق شخصي على مجموعة من الناس، بهدف إلى تحويل العمار إلى دمار وهذه هي المعضلة الكبرى. ونبدأ في التحرر الفكري والمعرفي لعقولنا بخمس استراتيجيات رئيسة أراها، أولا باليقين الإيماني بأنه لو اجتمعت الأمة على سوء لم يصب الإنسان إلا ما قدره الله له، وثانيا بانتقاء الجيد وطرد الخبيث من أي خبرة أو معلومة واردة، وتحكيم المنطق والعقل، وثالثا مسايرة الأشخاص ذوي الأفكار المستنيرة، ورابعا إحداث الربط العلمي والعملي لأي حدث من بداية وقوعه وتتبعه، سنجد أننا نبذل الجهد في استجلاب المعرفة التي أمرنا بها العليم الخبير بالتأمل والتدبر في هذا الملكوت الكبير، وتنتج الاستراتيجية الخامسة وهي إغفال الفكر المتآمر وإحلال الفكر المغامر بآلية التجريب والبحث والاجتهاد والتنقيب، والوثوق بأن المولى القدير لا يضيع أجر من أحسن العمل والتفكير، فليس العامل بشغفه لبلوغ هدفه يساوي الهامل بتراخيه لاستمرار جهله.
مشاركة :